الحيل الجمالية من أخطر الحيل وأكثرها دقّة في تمرير الأنساق الثقافية ، فالمرفوض عُرفاً وعقلاً يكتسب مقبوليةً لا مُتناهية حين يُقدّم بسياقٍ جمالي .
من هنا يجعلنا الجلوسُ على دكّة الصمت ،والترقب لحركة الوعي الثقافي بشقيه : المتن / النخبوي ، والهامش / الشعبوي ، وهي تُسرّب أنساقها من تحت عباءة الحيل الجمالية ، أو عن طريق نبش الوعي القبلي الراسخ في أعمق أعماق الشخصية العربية ، نتلمس الفوضى في التعامل مع الأحداث التي أُريدَ لها أن تكون عظيمة ، وإن كانت على حساب سمعة وكرامة وتاريخ البلاد .
هذه مقدمة للوقوف على الحدث ” المُعظّم” الذي تبناه وزير الشباب والرياضة لحظة ، افتتاح المدينة الرياضية ، واللعب مع الأردن ، فقد هلهلَ وابتهجَ الوعيُ الثقافي النخبوي منه والشعبوي على حد سواء ، ولم يلتفت هذه الوعي المزعوم إلى الحقيقة المغيبة تحت عباءة جمال الحدث وهي : تقديمنا إلى العالم بوصفنا أمةً عبرتْ مرحلة القرود ، وإنّ أرضنا وسماءنا يصلحان لمجيء الفرق العربية والعالمية ، تلعب على أرضنا ، وتتنفس هواءنا . فقد قدمنا عبطان إلى العالم على شكل بائع رسخت صورته في وعي الشعوب بأنه لا يبيع إلا الغث والسمين ، ولا يُصدّر سوى الإرهاب , والآن عاودَ البيعَ ببضاعةٍ جديدة علّه يكسب ود الشعوب ، وتعاطف الفيفا .
والأدهى من ذلك أن الوعي الثقافي لم يلتفت إلى التهريب النسقي الذي قدمته الوزارة عن طريق : تعظيم الحدث ، والبُهرج الجمالي الذي غلّفه ، فتعامل معه على أساس من الشكر والامتنان والاعتراف بالجميل العبطاني ، وغدت أدراج الرياح ، بل نسياً منسيّا تلك المقولة المشهورة : عرفاً وعقلاً بأن : ( لا شكر على واجب ) وأصبح الشكر واجباً لِمن أدى واجبه وهو يتقاضى مرتباً ، ومحاط بحمايات ، ويسير بفخامة لا متناهية ؛ وما هذا الشكر اللامتناهي إلا إمتاد نسقيّ فيه قليل من الواعز الديني الراسخ في الوعي الجماعي بوصفه رداً للجميل ، وكثيرٌ من ثقافة الموالي الراسخة فينا ؛ فالمولى معتادٌ على عد كلَّ شيء يُقدم له فضلاً ومِنةً . وحقيقة الأمر بأن لا جميل في الموضوع ، وكل ما قدمه وزير الشباب والرياضة واجب ، والشكر على الواجب أحسبه يؤدي إلى التقصير في الواجب في قادم الأيام .