بين داعش نفسها بوصفها أبنة القاعدة الشرعية ودواعش السياسة والنسخ الجديدة منها بمن فيها تلك النسخة غير المسلحة تضيع الأهداف والمقدمات والنتائج. داعش كتنظيم إرهابي يستند الى فكر متطرف بخلفية تعود في غالبيتها الى السلفية الجهادية بنسختها الأكثر تطرفا ممثلة بالسيد قطب بعد تبنيه فكرة “الحاكمية” التي كان أخرجها أبو الاعلى المودودي الباكستاني من بطون الكتب لايختلف أثنان على ما ترتب على ممارساتها من نتائج كارثية على الإسلام كدين بات ينظر اليه في الغرب بوصفه مرادفا للتطرف. وبالتالي أصبحت مهمة المسلمين هي كيفية الدفاع عن دينهم بوصفه دينا للتسامح. برغم إنه لايمكن بأية حال من الاحوال تجاهل ما تقوم به جهات ومؤسسات ومراكز أبحاث بهدف تسويق التطرف بوصفه ممارسة إسلامية في أصل الدين لا خروجأ عنه من قبل من نسميهم بخوارج العصر باعتبارهم النسخة المعاصرة للخوارج في صدر الإسلام الأول.
المفارقة الأكثر لفتأ للنظر أن الخوارج الذين كانوا قد ظهروا بعد معركة صفين بين الإمام علي بن ابي طالب “ع” وبين معاوية بن أبي سفيان وتبلورت افكارهم ورؤاهم المتطرفة عقب معركة النهروان حيث كانت قد ظهرت منهم وفي زمن الامام علي وما بعده عدة نسخ منها المتطرفة ومنها الأكثر تطرفا علمأ إن كل تلك النسخ تكفر مخالفيها مهما كانوا حتى لو كان احدهم بحجم علي بن أبي طالب نفسه ايمانا وتدينا وزهدا. فبالتالي لاجديد في كون داعش عبارة عن نسخ مختلفة متباينة ليس على صعيد الإعتدال بل التطرف. فهي كلها متطرفة ومارقة ولكن فيها من هي أكثر تطرفا ومروقأ.
واليوم حيث نحارب النسخة الحالية التي تعتمد سياقات فكرية تتراوح بين مراحل التمكين والتوحش وما الى ذلك من تسميات ومسميات فإن ما يتوجب علينا التركيز عليه والإنتباه له هو ليس مرحلة مابعد داعش أو ما قبلها بل كيفية التعامل مع النسخ المتكررة والمتناسلة لها. فالحديث المتكرر اليوم عن مرحلة مابعد داعش لايحمل في الواقع سوى جنبة سياسية تتمثل في مساع لأطراف سياسية وإجتماعية لديها مصالح معينة مناطقية أو سياسية داخلية او خارجية بشأن ذلك. ولعل التبرير الذي تحاول هذه الأطراف والجهات تسويقه هو كون الصفحة العسكرية من الحرب ضد داعش على وشك الإنتهاء. لكن هذا وطبقا لكل المعطيات التاريخية والفكرية لايبرر الحديث عن نهاية داعش وبداية مرحلة جديدة.
نهاية داعش العسكرية لاتعني بالضرورة نهايته من حيث الفكر والحواضن. صحيح أن الإنتصار العسكري سوف يكسر شوكتها لكنه لايقضي عليها على مستوى الفكر والممارسة مالم تتخذ إجراءات حقيقية ليس لمعالجة مرحلة مابعد داعش بوصفها لاوجود لها بل لمعالجة النسخ المختلفة منها والتي حتى وإن إختفت لكنها تبقى نائمة تبحث عمن يوقظها بوصفها فتنة. ولكوننا نلعن منذ 15 قرنا من يعمل على إيقاظ الفتنة النائمة فإن أمامنا اليوم وبعد كل ماالحقته داعش من مصائب فرصة تصحيح نمط المعالجات من خلال حلول مجتمعية تعتمد الوسطية فكرا والتسامح منهجا والمواطنة هوية.