23 ديسمبر، 2024 12:05 م

نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ طويلاً/18

نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ طويلاً/18

حوريةٌ أمُّكَ فأنجبتَكَ يا زيدٌ!
كسرُ حاجزِ الخوفِ الذي أصابَ الأمةَ، بعدَ مصرعِ الإمامِ الحسينِ(عليهِ السلامُ) بكربلاءَ، يتطلبُ وجودَ شخصياتٍ كبيرةٍ، تؤدي رسالتَها على وجهِ الفداءِ والعطاءِ، دونَ النظرِ الى مقدارِ ذلكَ العطاءِ، فالمهمُ نتائجُهُ، ولتكونَ الثورةُ مدرسةً تطيحُ بكراسي الطغيانِ، وتتعلمَ منها الأجيالُ معنى البطولةِ والإيثارِ لأجلِ المبادئ، ومواجهةِ حكامِ الجورِ في أمةٍ، قتلتْ خيارَها وإستَبقَتْ شرارَها، فقد أعلنَها الأحرارُ: كلُّ يومٍ عاشوراء وكلُّ أرضٍ كربلاء، وزيدٌ الثائرُ قدوةُ الطالبين بثأرِ جدهِ بالسيفِ، رافعاً شعارَ: الرضا من آلِ محمدٍ.حوريةُ(حوراءُ) ويقالُ لها(أمُ ولدٍ)،هي تلكَ السيدةُ العظيمةُ، التي أنجبتْ زيدَ بنِ عليّ بنِ الحسينِ (عليهما السلامُ) سنة ( 79 ) للهجرةِ على أكثرِ الرواياتِ، وأنَّها لم تحضرْ واقعةَ الطفِ، لأنَّ الإمامَ السجادَ تزوجَها فيما بعدُ، وقد إختارَها المختارُ الثقفيُّ زوجةً لهُ، فرزُقتْ بأربعةِ أبناءٍ(زيدٌ وعليٌّ وعمرٌ وخديجةٌ)،ويذكرُ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السلامُ)، أنَّ عمَهُ زيدأً كانَ سيدَ قومِهِ، وأفضلَ أبناءِ سيدِ الساجدينَ بعدَ الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلامُ)، وأكثرهَم علماً، وفصاحةً، وشجاعةً، يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ.
المرأةُ التي أدركتْ زمنَ ثلاثةٍ من الأئمةِ المعصومينَ(الإمامُ زينُ العابدينَ زوجُها، والإمامُ الباقرُ إبنُ زوجِها، والإمامُ الصادقُ(عليهم السلامُ أجمعينَ)، وتدفعُ بولدِها العابدِ الفقيهِ زيداً، لطلبِ ثاراتِ جدهِ الحسينِ (عليهِ السلامُ)، هي إمرأةٌ من الطرازِ الزينبي المشرفِ، الذي يقفُ مع الحقِ لأنَّهُ مع عليّ، ورغمَ أن هشامَ بنَ عبدِ الملكِ، كانَ يحاولُ إستصغارَ شأنَ والدتهِ بأنَّها أَمةٌ فيردُّ عليهِ:إسماعيلُ بنُ إبراهيمُ إبنُ أَمةً، إختارهُ الباريء لنبوتهِ، وأخرجَ منهُ خيرَ البشرِ محمداً،(صلواتهُ تعالى عليهِ وعلى آلهِ)!
لم تكنْ ثورةُ زيدٍ مجردَ دعوةٍ للثأرِ، وكانَ كجدهِ الحسينِ(عليهِ السلامُ)قدعاشَ طفاً خاصاً، لأنَّهُ عندما قُتلَ بأمرِ هشامِ بنِ عبدِ الملكِ، صُلبَ على جذعِ نخلةٍ لأربعِ سنينٍ في كناسةِ الكوفةِ، ثم أُنزلَ وسُلبَ رداؤهُ، وحُرقَ جسدَهُ، وذُريَ في البِّرَ حقداً وبُغضاً، ودليلَ قوةِ نتائجِ ثورةِ زيدٍ، جعلتْ من بني مروانَ يُقدِمونَ على فعلٍ شنيعٍ بحقهِ، وقد روى الصدوق عن أبي الجارودِ، أنَّ الباقرَ كانَ يستقبلهُ دامعاً:(أهلاً بسيدِ أهلِ بيتهِ والطالبِ بأوتارِهم لقد نُجبت أمٌ ولدتَكَ يا زيدُ)!
السيدةُ حوريةُ، أمُّ الشهيدِ زيدُ بنُ عليٍّ بنِ الحسينِ(عليهما السلامُ)حوراءٌ، لأنَّها أنجبتْ ثائراًعظيماً، قدَّم ذراتِ جسدهِ الطاهرِ، ذوباناً وعشقاً بجدهِ الحسينِ وقضيتهِ، وكيفَ لا؟ وقد شاركتْ زوجَها وأبنَها لوعةَ مصابِ الطفِ، فالحضورُ المعنويُّ، والإعلاميُّ الرساليُّ، باتَ عاملاً مهماً لإستمرارِ التأريخِ الكربلائيّ، الذي لا يفقهُ ديمومتَهُ وخلودَهُ، إلا الراسخونَ في العلمِ، فسمةُ العزةِ والإباءِ، إمتلكتْهما نساءُ الحسينِ(عليه السلامُ) كالرجالِ، حتى مع عدمِ وجودهِنَّ بزمنِ الطفِ، فسلامٌ عليهنَّ بما قدَّمنَ، وطابتْ حجورٌ أنجبتْ مثلَ زيدٍ(عليه السلامُ).