يا ناكر المعروف.. كيف تنعتني بأبشع النعوت؟.. كيف تنكرت لذوي الحقوق ؟.. كيف تتلذذ بسفك دماء من كاد أن يكون الرسول؟.. كيف تختار لنفسك النعيم.. وتتركني أصارع مرارة الجحيم؟.. كيف للقصور أن تسكنها.. وتجعل أسوارها صماء لا تجيب.. كيف تنسى الوعود يا لئيم.. وأنت من أديت القسم واليمين.. أنت لم تستطع الوفاء بالوعود التي قطعتها.. ونحن لم نستطع أن نسألك الرحيل.. باسم ما تبقى من شهامة الرجال.. ارحل عنا يا دجال.. إذا كانت اللامبالاة من بين هواياتك.. فدعني أخبرك يا خائن الأمانة.. أنك ضيعت عنا كل الأمجاد.. فإذا لم يعلمك حراك الريف الاتزان.. إذا كان الاحتقار هو الشكل الأنسب للانتقام.. ستعلمك الجارة ما كنت تخشاه.. وستحكي الأيام ما كنت تجهل.. ألم يكن من الأذكى ألا تدخل الحرب مع مجنونة مثلي؟.. ألم يكن من الأجدر أن تعلن الهزيمة وترحل؟.. كلما سألت الأفعال عنك.. وجدتها حزينة تبكي الأوكار.. وكلما سألت العقل عنك.. وجدته يجهل الكثير عنك.. فكلما وقفت على عتبة بابك.. تنكرت كل الأصول لك.. وتبرأت كل الأديان منك.. كيف لك أن تجعل الفوارق تسكن بيننا.. وأنا من جعلت من العظمة عنوانا لك؟.. أنا من جعلت الأرض ترقص فرحا تحت قدميك.. وأقنعت النجوم أن تركع لك.. أنت تصر على تجاهلي وتجعل الإله “فزاعة” تخيفني.. دعني أذكرك أن آلهتك لم تعد تناسبني.. وأن صلواتك لم تعد تهمني.. فلو أحضرت الكتب السماوية كلها لن تشفع لك.. وإن أحضرت كتب التاريخ كلها لن تجد اسمك فيها.. إن كنت لاسمي جاهلا.. إن كنت على عنادك مستمرا.. إن كنت تريد أن تبخسني مرة.. فأنا مصرة على تذكيرك بالفشل ألف مرة.. إذا كانت لديك الكراسي المرصعة أغلى مني شأنا.. سأحكي للتاريخ عن الحماقات التي ارتكبتها.. عن الكتابات التي لم تعر لها اهتماما.. سأجعل لعنة النسيان تطاردك.. فإن كنت تصر على أن تلغي وجودي.. وتجعلني نملة حتى لا تراني.. دعني أذكرك بحقيقة الأمر.. فأنت لست الأكبر ولا الأعظم.. أنت لست الأذكى ولا الأجدر.. أنت لست المناسب في المكان الأنسب.. أنت لست من مكة ولا النجف الأشرف.. أنت في كل قضايانا الخاسر الأكبر.. أنت مجرد لص تسلل إلينا ليلا.. أنت ذلك المحتال الذي سنحاسب عليها الأقدار.. أنت اللئيم الذي تنكر لمن رحب به يوما.. دعني أذكرك بحقيقة الأمر.. حقيقة خيانتك العظمى للأمانة.. حتى أصبحت كل الوعود معك خالية.. والورود لم تعد معك مزهرة.. يا من جعلت القيمة تقاس بالأوزان.. فلو كان الأمر كذلك لكانت الفيلة أثقل من الإنسان.. لكانت الصخور أغلى من حجر الألماس.. يا من حولتني من عاشقة تحب أمير الشعراء.. إلى محاربة تقذف بالكلمات.. يا من جعلتني بسببك أكره كل الألقاب.. أكره البساطة التي تدعيها.. بسببك أكره الجهل والأميين.. أكره المقام الذي لم يعد يليق بك.. أكره كل الوضعيات التي جعلت منك السيد ونحن العبيد.. أكره كل الأشياء التي فقدت معناها معك.. كل التناقضات التي نالت مني ومنك.. أكره كل الأشياء التي تشبهك.. حتى الأشياء التي لا تشبهك، أكرهها.. أكره كل الأمكنة التي توجد فيها.. حتى ولو لم تتواجد فيها.. أكره أسئلة سايلا التي تهطل علي كالأمطار.. لمن تكتبين يا “نجاة” الأشعار ؟.. وهل كتابة الشعر تحتاج يا سايلا لسؤال؟.. تدعوني يا سايلا للعشاء ليلا.. للرقص ولكتابة أحلى قصيدة.. كيف تدعو للعشاء، من تقود ثورة الغضب.. كيف تدعو لكتابة شعر الغزل.. من فقدت بوصلة الفرح؟.. فكلما سمعت صوت سايلا يعلو.. يتلوه صوت نزار يعلن موت العرب.. يا وطنا ضاق فيك الأحرار.. يا وطنا ضاعت فيك الأحلام.. يا وطنا لم تلتئم فيك الجروح.. أبحث عن خريطة علها تدلني.. عن عنوان أستكين إليه بعد الرحيل.. أبحث عن معجم يدلني عن كلمات ألقيها عليك عزاء.. فلم أجد سوى السراب والسكين اكتب به شعرا.. أبحث فيك عن وطن يأويني.. عن ديوان شعر يشفي غليلي.. وجدتك تائها تبحث عن مسكن يأويك مثلي.. نحن شعب جبان لم يشهد التاريخ مثلنا.. ممتثل، خنوع يفضل الصمت على أن ينتفض.. لا تنتظر أن نقاومك أرجوك.. ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.. نحن شعب أعلن الإفلاس منذ مدة.. شعب يحمد الله على ما يصيبه من جلل.. شعب لديه قصة عشق مع المتسلط والقرف.. فكل السفن تعرف الرجوع.. إلا سفنهم في موانئنا تهوى البقاء.. فمرحبا بك ضيفا دائما.. لن تجد شعبا أكرم منا.. تنوب عنا في المحافل.. وتكتب التاريخ بدلا عنا.. نحن شعب وديع نحب الغريب ونكره بعضنا.. شعب يحب الرحيل ويكره التغيير.. لا تحاول إيقاظنا أرجوك.. فنحن شعب يهوى النوم كثيرا.. نهوى الأعياد حتى ولم تكن تناسبنا.. نترقب المناسبات حتى نأكل الكعك والحلوى.. حتى ولو كانت بطوننا جائعة.. نحن حداثيون بالصدفة.. مناضلون بالصدفة.. وجاهليون بدون صدفة.. نكره العلم والعلماء.. ونتباهى بفلان وبن فلان.. نلعن السماء كلما أمطرت خيرا على الجيران.. ونلعن الجيران كلما وقع لنا سوءا.. أمام الكرامة نحن موتى مع وقف التنفيذ.. لكنني أشهد أننا أشاوس كلما طلب منا.. نحن شعب لا يفيق.. أطلب منك أن تكرهنا قليلا.. أن ترحل عنا بعيدا.. نحن شعب لا نليق بك.. لا تتعب نفسك في ترويضنا أرجوك.. فكل الأزمات لم تحرك فينا ساكنا.. نحن شعب مدرسة في الركوع.. الأفضل لك أن ترحل قبل أن تنطفئ الشموع.. هنا لن تجد من يسألك الرحيل غيري.. عد من حيث أتيت أرجوك.. صن كرامتك ولا تكن عنيدا.. فشهامة الرجال تكمن أيضا في الرجوع.. لا تحاول ضياع وقتك الثمين.. ولا تجعل من الأقزام جيشك العتيد.. ما جدوى شعب نائم بلع اللسان.. وما جدوى الحياة إن لم نعشها أسيادا.. (يتبع).