23 ديسمبر، 2024 4:45 ص

عصاميُ.. هادئ.. البساطة والتواضع جزء من شخصيته.. والسرية جزء من سلوكه.. مهذب جداً.. ذا أخلاق عالية.. وحضارية.. لم يسمع منه أحداً كلمة نابية قط.. كان شجاعاً.. ومقداماً.. وطنيته لا شائبة فيها.. كان زاهداً.. ونزاهته شكلت وتشكل ضغطاً هائلاً على الحكام في العراق.. فلم يكسر الرقم القياسي لنزاهته أحد من حكام العراق لا قبله.. ولا بعده.. انه الزعيم عبد الكريم قاسم..

(سكنه):
ـ كان عبد الكريم قاسم يسكن بدار أستأجرها من مديرية الأموال المجمدة الخاصة باليهود.. منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي.. وكان قيمة إيجارها 16 ديناراً.. تقع في بغداد.. جانب الرصافة بالقرب من ساحة الفردوس..
ـ بعد ثورة 14 تموز 1958.. بقيً في نفس الدار.. وكان يسكن في وزارة الدفاع في اغلب أيام الأسبوع.. وهو ينام في مكتبه على سرير وفراش بسيط..
ـ بيت أبو عبد الكريم قاسم: كان لعائلة عبد الكريم قاسم بيتا في مدينة الصويرة,, حيث سكنوا في الصويرة أربع سنوات فقط.. وبعد الثورة تبرع عبد الكريم به.. ليكون مدرسة ثانوية للبنات.. وهي الوحيدة في الصويرة.. وسميت ثانوية عبد الكريم للبنات.. حولها صدام إلى ثانوية صدام للبنات.. (هههههههههههههههه).. بعد سقوط صدام أعاد الناس عفوياً اسمها إلى ثانوية عبد الكريم للبنات..
(طعامه):
1ـ فطوره.. أكواب شاي بالحليب من مطعم الوزارة.. ومن حسابه الخاص..
2ـ غذاءه.. يؤتى به يومياً من بيت أخيه حامد.. مقابل مبلغ شهري يدفعه قدره 100 دينار.. يجلبه السائق يومياً موضوعاً في (سفر طاس صغير).. من ثلاث خانات.. واحدة فيها الرز (ألتمن).. والثانية فيها المرق.. والثالثة فيها دجاجة صغيرة ـ فروجه ـ ولم يتغير هذا السفر طاس إلى يوم مقتله..
3ـ عشاءه (شيشين تكه بلا خبز).. ويأكل معه المرافق أو المرافقان.. ويدفع مقابل ذلك إلى مطعم الوزارة 40 دينار شهرياً..

(أمواله):
ـ كان راتبه بوصفه رئيساً للوزراء مع مخصصاته 440 دينار.. لكنه لم يتسلم راتبه بيده قط.. فقد كان يأتي محاسب مجلس الوزراء في نهاية كل شهر فيجد عبد الكريم جالس في مكتب العميد جاسم العزاوي مدير مكتبه يوقع القائمة.. ويقول العزاوي: أخذ أنا ظرف الراتب.. وأضعه في الخزانة الحديدية.. ثم أقوم أنا وحافظ علوان المرافق بإرسال:
ـ (100) دينار إلى أخيه حامد قاسم.. و (100) دينار أخرى إلى أخته أم طارق.. و (40) دينار إلى مطعم الوزارة.. ويبقى (200) دينار في الخزنة..
ـ يقوم المرافق بأخذ بعض منها لتوزيعها على الفقراء أثناء جولات عبد الكريم قاسم في بغداد.. وكان أحياناً يجلب عبد الكريم قاسم معه واحد أو أكثر من هؤلاء الفقراء.. ويطلب صرف 10 أو 20 دينار له حتى ينفذ ما في الخزنة..
ـ كان يستحق راتب فريق ركن من وزارة الدفاع بوصفه القائد العام للقوات المسلحة.. لكنه لم يستلمه إطلاقا.. أي يستلم راتب رئيس وزراء فقط المشار اعلاه..
ـ شهادة وفاة عبد الكريم قاسم.. تنص على أنه ترك 16 دينار و160 فلساً فقط.. ولا يوجد لديه أي حساب مصرفي لا في العراق.. ولا في خارج العراق..
ـ المخصصات السرية (ما يقابل المنافع الاجتماعية في عراق اليوم).. كان لعبد الكريم قاسم بوصفه رئيس وزراء العراق (6000 دينار سنوياً).. لكن قاسم لم يصرف منها سنوياً إلا في حالتين هما:
الحالة الأولى: (عيد الأضحى.. وعيد الفطر).. والثانية: ذكرى ثورة 14 تموز.. فبعد انتهاء المراسيم لهذه المناسبات.. يذهب عبد الكريم قاسم إلى مديرية الموسيقى العسكرية ليلقي الخطاب.. وبعدها يوزع عيديات على ضباط الصف..(من عريف إلى نائب ضابط) 10 دنانير لكل واحد.. وجميع ما يصرف لكافة المناسبات سنوياً حوالي ألفي دينار..

(أهله): له شقيقان وشقيقة واحدة.. هم:

1ـ حامد قاسم: أخوه الأكبر: كان يشتغل في بيع وشراء الحبوب.. وأمتلك ثلاث جنائب نهرية.. وقد قدرت ثروته ب 16 ألف دينار كان ذلك قبل الثورة.. وقبل أن يكون أخاه رئيس وزراء العراق..
ـ بعد انقلاب 8 شباط 1963.. ومقتل عبد الكريم قاسم أشاع البعثيون على حامد بأنه نهب أموال العراق.. لكنه تبين أنه كان يعيش في بيت مستأجر لغاية العام 1960.. وقدرت ثروته عند وفاته بـ 5 ألف دينار.. وجرت تحقيقات رسمية واسعة ودقيقة من قبل الانقلابيين.. أثبتت عن عدم وجود تجاوزات مالية لدى حامد.. أو إثراء غير مشروع.. أو استغلاله لمنصب أخيه للحصول على مقاولات حكومية أو أهلية..

2ـ عبد اللطيف قاسم: كان في عهد عبد الكريم قاسم قد وصل لرتبة نائب ضابط في القوة الجوية.. يسكن إحدى دور الحكومة في منطقة تل محمد ببغداد الجديدة.. ويذهب إلى مقر عمله على دراجة هوائية.. بعد الثورة أمر آمر القاعدة الجوية بتخصيص سيارة تنقله إلى بيته عوضاً عن الدراجة الهوائية.. لكنه رفضً.. لكن أمر الآمر أمر ينفذ.. فلما علمً عبد الكريم قاسم دخل في نقاش جدي مع أخيه باعتبار أن ذلك خلافاً للسياقات العسكرية بل محاباة.. لكونه أخو القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع.. مما دفع عبد اللطيف أن يتقاعد من يومها..

3ـ شقيقة عبد الكريم قاسم (أم طارق): طلبت منه تخصيص دار سكنية لها.. فهي لا تملك داراً.. ولا حتى قطعة أرض.. فأصطحبها بالسيارة إلى السدة الشرقية في بغداد.. وطلب منها النزول.. ووقف بجانبها وهو يؤشر على آلاف الصرائف قائلاً: أتشوفين هذه الصرائف؟ هؤلاء أحق منكِ في الحصول على دور سكنية تليق بهم.. وحين انتهي من توفير السكن لهؤلاء.. سيكون لك الحق في أن تحصلي على دار سكنية مثلهم..

بقيً أن نقول: كان عبد الكريم قاسم.. شأنه شأن أي إنسان آخر.. له إيجابياته.. وسلبياته معاً.. فليس هناك من استطاع الطعن في وطنيته.. وأمانته.. وحرصه على ثروات البلاد.. ومصالح الشعب.. ولم يستطع انقلابيي 8 شباط 1963.. أن يجدوا أي تهمة تمس أمانته ووطنيته..