11 أبريل، 2024 1:04 م
Search
Close this search box.

نزيه من بلادي

Facebook
Twitter
LinkedIn

عصامي .. متواضع .. صادق .. ونزيه .. من عائلة نجفية عريقة معروفة.. تربى على مقت الاستعمار وحب الوطن.. ذو فكر ديمقراطي تقدمي.. لم يخنع لسلطان.. كان أجرأ شعراء عصره.. وأعمقهم حساً.. وأوسعهم إيماناً ووطنيةً.. عاش في وسط الجماهير.. ولم تفوته تظاهرة جماهيريه.. إلا وكانت الجماهير تحمله على الأعناق.. وهو ينشد الشعر الثوري .. قضى سنين في معتقلات وسجون العراق سياسياً مناضلاً.. مات وهو ينشد: أين حقي ؟.. وحقه هو حق العراق والعراقيين.. انه شاعر الشعب محمد صالح بحر العلوم.

السيرة والتكوين:
ـ ولد محمد صالح مهدي محسن بحر العلوم في مدينة النجف الاشرف.. في اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك المصادف 3 كانون الثاني العام 1909.. وأحد أعلام اللغة العربية وآدابها.. وأمهُ: كريمة السيد هادي بحر العلوم.. امرأة فاضلةُ تحب شعبها وتمقتٌ الاستعمار.. وتنظم الشعر بالفصحى والعامية.
ـ مات أبوه وهو في السابعة من عمره.. فتكلفته أمهُ .. ورعاه خاله “علي بحر العلوم”.
ـ فتربى في محيط ثقافي وعلمي قلً مثيله.. ولهذا نجده ينظم الشعر .. وهو في العاشرة من عمره.
ـ أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في النجف وبتفوق.. كما درس قواعد اللغة العربية وآدابها وعلومها في النجف الاشرف على يد أساتذة معروفين.
ـ العام 1937 انتقل الى بغداد واشتغل في معمل للسكاير الأهلية.. ليضمن قوت عياله.
ـ ويواصل نشاطه الوطني.. وفي نفس العام دخل كلية الحقوق .. ونجح في السنتين الأولى والثانية بتفوق.. لكنه ترك كلية الحقوق.. بسبب أوضاعه الاقتصادية والمعاشية.
ـ وخلال هذه الفترة كتب الكثير من المقالات في الصحف البغدادية عن: حقوق المرأة. والمطالبة بمساواة المرأة بالرجل.
(شعره):
ـ واكب محمد صالح بحر العلوم الحركة الوطنية منذ أوائل العشرينيات من القرن الماضي.
ـ فنجده ينظم القصائد الوطنية.. وهو في الثانية عشرة من عمره.. فيقول في قصيدته وطني:
وطني أريجُ صباكَ طيًبني… ففاح في صبايً طيباً.
وتعلقتُ فيكً تعلقَ النفسِ… التي اختبرت حبيباً.
فرأتهُ يحوي من جميع… محاسنُ الدنيا نصيباً.
هذا صبايً… وليدُ حبكً باقٍ لن يشيبا.
ـ وفي قصيدة ثانية لوطنه قالها في نفس العام 1921..بعنوان:
“لك أشدو مع الطيور”:
وطني أنت بين عيني نورٌ… وبثغري للمجرمين نذيرُ.
وبرأسي كرامةُ وإباءٌ… وبصدري عقيدةٌ وضميرُ.
لك أشدو مع الطيور بشعري… وبشوقي على الزهور أط.
ـ وفي الثالثة عشر من عمره يستمر في نظم القصائد.
ومنها قصيدة “الوصية”.. التي يدعو فيها الى التعلم والعلم.
فقد نخرت العراق الأميةُ عظامهُ.. وبالعلم نبني الوطن.
ـ وفي العام 1926 نظم العديد من قصائده منها:
ـ ويستمر شاعرنا في نظم القصائد الوطنية في المناسبات وخلال الأحداث والتظاهرات .. القصائد التي تلهب الجماهير وتدعو الى استقلال البلاد وتحريرها.
ـ وكان شاعرنا في العام 1930 من الداعين لمقاطعة الانتخابات النيابية المزيفة .. بهدف تشكيل مجلس نيابي للمصادقة على المعاهدة العراقية ـ البريطانية لعام 1930.
ـ وخلال العام 1930 أيضاً زار الملك فيصل الأول النجف ووقف أمام الملك فيصل الأول .. وقال له بصوت عال تسمعه الجماهير المحتشدة:
(ما كنا نعتقد.. إن الدم الذي يجري في عروقك يؤهلك لتصديق هذه المعاهدة.. وها نحن نصارحك بأن هذا الشعب العبيد يبرأ من الحكومة التي تريد أن تفرض بأساليبها الاستعمارية.
نطالبك: بإسقاط هذه الحكومة.. وإلغاء هذه المعاهدة.. وحل المجلس النيابي.. القابع خوفاُ في بناية جامعة أل البيت.. وتشكيل حكومة وطنية مخلصة منبثقة من الحزبين المتآخيين “الوطني العراقي الإخاء الوطني”.
ـ وبعد عودة الملك فيصل الأول الى بغداد .. ألقت الشرطة القبض على محمد صالح بحر العلوم لعدة أيام.
ـ استمر بحر العلوم غزيراَ في إنتاجه الشعري الوطني .. وابزر قصائده في العام 1933 قصيدته (يا شعب سجل).. بمناسبة افتتاح فرع للحزب الوطني العراقي في مدينة البصرة.. التي كانت سبباً لاعتقاله.. ووضعه تحت المراقبة لمدة سنة.
ـ ومما جاء في قصيدته هذه:
يا شعب سجل فأحترم العهود… صفحة خزي برزت للوجود
سودها الزيغ فراحت سدى… بيض مساعيك وزاكي الجهود
ويضيف قائلاً:
ـ يا شعب سجل:
من دم فلاح العراق المراق… كؤوس أرباب الهوى تترعُ.
زمن مآسيه التي لا يطاق تأثيرها…. أفراحها تشرعُ.
زمن حشاه الدائم الاحتراق… أنوار مقصوراتها تسطعُ.
يعذب الجمع بضيق الخناق… والفرد في نعمته يرتع.
يا شعب سجل:

(سجنه) :
ـ عانى بحر العلوم كثيرا من مراقبة الشرطة العام 1934.
ـ فألقى قصيدة بعنوان ( دولة العلم.. وزر الجرس).. في مدينة الكوفة.فتم حبس شهرين.

(محاربته للطائفية):
كان بحر العلوم ضد الطائفية منذ نعومة أظافرها.. وألقى قصائد ضدها ودعا الى محاربتها.
ـ أول قصيدة عنوانها “الطائفية حية رقطاء 1934.. جاء فيها:
إن المذاهب كالزهور تنوعت…. ولكل نوع نفحةٌ وزهاءٌ.
مهما تعددت الفروع بشكلها… فالحق فردٌ والأصول سواءُ.
إن سقطنا في الحضيض..فهل لنا.. بعد السقوط تَرفعُ وعلاءُ.
ثم يقول :
سر للأمام فكل حرٍ عارفٍ… إن الشدائد بعدهنً رخاءُ.
واعمل على ضوء الحقيقة والتزم.. دين الوئام فشرعه وضاءُ.
واترك شعور الطائفية جنباً… فالطائفية حيةُ رقطاءُ.

ـ ويستمر عطاء بحر العلوم شعراً ونثراً وخطباً.. ونشاطاً متعدد الجوانب.
ـ كما أسس فرعاً ل “جمعية تشجيع المنتجات الوطنية في النجف”.. وانتخب معتمداً لها.
ـ وكان على رأس وفد النجف وفي طليعة الوفود التي قصدت بغداد العام 1935 ولسانها الجري.. فقد صارح الملك غازي وأقطاب حكومة ياسين الهاشمي المشكلة تواً.
قائلاً: “نحن لم نأتي الى هنا لنهنئ أو نبارك.. فإن لهذه المهمة أشخاص غيرنا.. بل جئنا لنطالبكم بوجوب معالجة الأوضاع الفاسدة التي لم يعد الشعب أن يطيقها.. إن الشعب لا يريد إسقاط حكومة وتشكيل أخرى لا تختلف عن سابقتها.. إنما يري:
ـ تحقيق الأهداف الوطنية.
ـ ووضع حد للاستهتار بمصالحة.
ـ ولن يؤيد أية حكومة.. قبل أن يلمس منها شيْ من حقوقه ومطالبه.
ـ وكان جزاؤه أن ألقت وزارة ياسين الهاشمي القبض عليه لعدم تحملها جرأته الوطنية. وأبقته حبيساً في موقعي خانقين وحلبجة.
ـ وعندما احتلت القوات البريطانية بغداد ثانية وفشلت حركة مايس 1941 زج بحر العلوم في السجن كبقية الوطنيين.. ظل معتقلاً ثلاث سنوات.. أطلق سراحه في منصف العام 1944.. وعاد الى عمله في معمل السكاير.
ـ وفي العام 1945 انتخب رئيساً للهيئة الإدارية لنقابة عمال السكاير في العراق.
ـ وفي الحفلة أربعينية التي أقيمت للمرحوم محمد جعفر أبو ألتمن.. التي أقيمت في أوائل العام 1946 ألقى بحر العلوم قصيدة دفعت نوري السعيد أن يخرج من الحفل غاضباً.
ـ وطلب من رئيس الوزراء حمدي الباجه جي على إصدار أمر بتوقيفه وتقديمه الى المجلس العرفي.
ـ لكن بحر العلوم اختفى.. والسلطات تفتش عليه.
ـ وعندما سقطت حكومة الباجه جي.. وشكلت وزارة جديدة كان المرحوم سعد صالح وزيراً للداخلية.. فبادر الى رفع الحيف عن بحر العلوم.

نشاطاته بعد الحرب العالمية الثانية..
ـ ساهم بحر العلوم بتأسيس حزب الاتحاد الوطني في نيسان 1946.. وبقيً عضواً في لجنته المركزية .. ورئيساً للجنة الإدارة والتنظيم فيه حتى خريف العام 1947 .. حيث أغلقته الحكومة.
ـ وفي العام 1947 أعاد إصدار مجلة (الصباح) كمجلة أدبية نصف شهرية.
ـ وفي أوائل العام 1948 شارك بقوة في التظاهرات الجماهيرية ضد معاهدة بورتسموث. وألهب حماس الجماهير في بغداد.. في أشعاره.. القيً القبض عليه بعد قصائده في التظاهرات.. دعا فيها الى إسقاط النظام الرجعي.
ـ وقد عذب تعذيباً كاد يقضي عليه.. وبقيً مريضاً لا يقوى على العمل.
ـ وقد سخر بحر العلوم هذا التعذيب في قصيدة.. يقول فيها:
لو قطعوني ألف تقطيعه… وأحرقوني شرً إحراق.
ما حدتُ عن شعبٍ له الفضلُ… في خلقي وفي تكوين أخلاقي.
ميثاقُ إخلاصي له ضامنٌ… وفاء إخلاصي لميثاقي.
فلا سقيت العيش إن لم يكن … على اسمه الوطن الساقي.
ـ وفي رباعية أخرى .. يقول :
أنا لا أملك من دنياي .. كهفاً في حياتي
وإذا متُ فلا أحتاج .. قبراً لرفاتي
فرفاتي كحياتي .. لوحوشٍ ناهشاتي
بعضها في مدن النورِ .. وبعضها في الفلاةِ

(بحر العلوم وثورة تموز 1958)..
بعد ثورة 14 تموز تمتع الشاعر بحرية.. وبارك الثورة.. وغنى لها بكثير من قصائده.
ـ وساهم في تأسيس اتحاد الأدباء العراقيين.. وأصبح عضواَ في أول هيئة إدارية للاتحاد.
ـ ومثل العراق في مؤتمرات الأدباء العالمية العديدة ..
ـ وتقديراً لخدماته الجليلة منح راتباً تقاعديا شهرياً مقطوعاً 60 دينار.. بصفته خبير فني في وزارة المعارف.

(بحر العلوم.. وانقلاب شباط 1963)..
ـ اعتقل بحر العلوم بعد انقلاب شباط 1963 وعذب تعذيباً شديداً. ونقل الى سجن نقرة السلمان..وأطلق سراحه بعد تسلم عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية.. مع كل المعتقلين السياسيين.

(بحر العلوم بعد انقلاب 17 تموز 1968)..
ـ اعتزل بحر العلوم العمل الأدبي بحجة كبر سنه.. لكن الحقيقة هو لم يرد التورط بما لا يحمد عقباه.

نهاية المطاف ..
ـ منذ أوائل التسعينيات أنهكه التعب والمرض.. والوضع الاقتصادي..ولم يعد يكفيه الراتب التقاعدي.
ـ وقد التقيتُ “أنا كاتب هذه الدراسة” نجله “ناظم” أوائل التسعينيات في شارع المتنبي.. فشعرتُ بوضعه البائس اقتصادياٌ جداً.. وعائلته تعيش شظف العيش .. في تلك الظروف الصعبة.
ـ في 21‏/11‏/ 1992 رحلً عنا شاعر الشعب.. ولم يملك.. لا مالاً.. ولا عقاراً.. ولا أي شيء.. سوى حبه لوطنه وشعبه وقصائده.

( بقيً إن نقول : إن روح شاعرنا تطالبنا اليوم بالقول: (أين حقي)..
رحتُ أستفسر من عقلي.. وهل يدرك عقلي
محنة الكون التي استعصت.. على العالم قبلي
أل لأجل الكون أسعى أنا.. أم يسعى لأجلى
وإذا كان لكل من فيه حقُ.. أين حقي؟!
(2)
فأجاب العقل في لهجة.. شكاك محاذر
أنا في رأسك محفوف.. بأنواع المخاطر
تطلب العدل وقانون.. بنى جنسك جائر
إن يكن عدلاً فسله عن لساني.. أين حقي؟!
(3)
أنا ضيعتُ.. كما ضيعتُ جهداً في هباء
باحثاً عن فكرة العدل.. بكد وعناء
وإذا بالناس ترجو العدل.. من حكم السماء
وسماء الناس كالناس تنادي.. أين حقي ؟!
(4)
أتراني أرتئي.. ما يرتئيه الناسكونا
وأجارى منطقاً.. يعتبر الشك يقينا
وأقر الوهم فيما.. يدعيه الوهم دين
أف سيعود العلم يدعوني بحق.. أين حقي ؟!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب