7 أبريل، 2024 3:09 ص
Search
Close this search box.

نزيه من بلادي ـ 1

Facebook
Twitter
LinkedIn

صفاته وشخصيته :
نزيه حتى الثمالة.. كان جاداً وحازماً.. دقيقاً في مواعيده.. عصبي المزاج.. سريع الغضب.. حاد الطبع.. يمتلك الحذر في الاطمئنان.. والصراحة في الغموض.. والقسوة في خُلقِ دبلوماسي.. فهو دبلوماسي من الطراز الأول..
يحب المقامات.. والغناء البغدادي.. والأكلات الشعبية.. وكبة السراي.. وكباب اربيل.. والسمك المسكوف.. ومرقة الباميا.. والقيمر العراقي.. وخبز التنور.. وشربت الزبيب.. والعرق العراقي..
كان كثيراً ما كان يشترك في المشاجرات والمشاحنات السياسية.. لكنه إذا ما أراد الوصول إلى غاية ما.. أو تكريس سياسة ما.. فإنه لا يثور ولا يتأثر.. بل يتحمل النقد اللاذع من خصومه.. ويتعمد الغموض في أحاديثه.. ويوحي لمخاطبيه عن قصد بإشارات متناقضة أو تنطوي على تفسيرات متعددة.. لا يقرأ الملفات.. بل يسأل ويستمع جيداً للوصول الى عمق القضية المعنية..
كان ميكافيلياً بالفطرة.. يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة.. كما كان مناوراً.. يعرف كيف يستغل الظروف والمتغيرات.. ويكرّسها لخدمة أهدافه.. فكان يجيد اختيار ساعته.. كما كان يقتنص الفرص الثمينة لتقوية أوراقه الرابحة.. ولهذا قالت المس بيل (السكرتيرة الشرقية في دار الاعتماد البريطاني ببغداد).. بعد أول لقاء به: (إننا نقف وجهاً لوجه أمام قوة جبارة ومرنة في آن واحد.. ينبغي علينا ـ نحن البريطانيون ـ إما أن نعمل يداً بيد معها.. أو نشتبك وإيّاها في صراع عنيف يصعب إحراز النصر فيه)..
كان يحب العراق.. ولم يكن طائفياً البتة.. حتى انه غير معروفة عشيرته أو نسبه.. فهو ألذي ينطبق عليه المثل القائل: (إِنَّ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ: هَا أَنَا ذَا.. ليْسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ: كَانَ أَبِي)..
ـ قضى أكثر من أربعين عاماً في الجيش والسياسة.. ما بين قائد عسكري.. ووزير للدفاع أو وزير خارجية.. بل ورئيس للوزراء أربع عشرة مرة.. حتى لقيً مصرعه وابنه بعد قيام ثورة 14 تموز 1958.. وكان آنذاك رئيس وزراء الاتحاد الهاشمي.. إنه نوري السعيد..
أفكاره :
كان مقتنعاً بأن العراق لابد أن يعتمد على دولة كبرى ليردع أعداءه.. فوصف برجل الغرب..كان عسكرياً.. وسياسياً من قادة العراق.. ومن أساطين السياسة العراقية والعربية.. وعرابها إبان الحكم الملكي.. كان حاضراً في السياسة العراقية في العهد الملكي دوماً.. (سواء رئيساً للوزراء.. أو وزيراً للخارجية.. أو وزيراً دفاع.. أو حتى بدون منصب).. ساهم بتأسيس عصبة الأمم.. وهيئة الأمم المتحدة.. والجامعة العربية.. التي كان يطمح بترؤسها..
أملاكه .. نزاهته :
ـ كان راتب نوري السعيد كوزير مائة وخمسون دينار شهرياً.. وكرئيس للوزراء مائتين وخمسون ديناراً..
ـ سكن نوري السعيد ولفترة طويلة في دار ولده صباح.. الذي كان يشغل إحدى الدور العائدة لمديرية السكك في الصالحية ببغداد.. باعتبار صباح كان مديراً عام دائرة السكك الحديدية..
ـ وفي العام 1955 أعلن لواء (محافظة الأنبار) عن بيع بالمزاد العلني قطع أراضي ل100 دونم.. وقد شارك السعيد بالمزاد ورست عليه إحدى هذه القطع بأغلى الأسعار وسجلت باسمه… وكان آنذاك خارج الحكم.. لكنه لم يستثمرها حتى مصرعه.. بهدف استثمارها عندما يتقاعد.. فالقانون العراقي آنذاك لا يسمح لأصحاب المناصب الرفيعة العمل خارج وظيفته.. وتمت مصادرة هذه الأرض بعد ثورة 14 تموز 1958..
ـ بعد ثورة 14 تموز 1958 تقرر مصادرة أمواله.. ولم يجدوا عنده إلا داره.. وقد تأكد للجنة المصادرة إن الأرض التي شيد عليها نوري السعيد داره هذه تعود لزوجته نعيمة العسكري.. ولا يمكن قانوناً مصادرتها.. وفي 27 تموز 1958 فتح داره ليدخلها المواطنون بعد أن تبعثرت محتوياتها..
ـ بعد مقتله لم يكن لأرملته.. وأرملة ابنه صباح ما تعيشان به.. واللتان كانتا في لندن للمعالجة.. فعُينت أرملة ابنه صباح مترجمة في الإذاعة البريطانية..
ـ أمّا أرملة السعيد فقد خصص لها جلال بايار رئيس جمهورية تركيا راتباً يسيراً..
ـ بعد الانقلاب على حكومة بايار.. انقطع هذا الراتب في أواخر أيار 1960..
ـ أخذت تبيع إغراض وما لديها من حاجيات كانت معها.. لتعيش ..
ـ وأخيراً اضطرت الى بيع عقد لها ثمين كان هدية قديمة من أمير الكويت.. فاشتراه أحد الأثرياء الكويتيين..
ـ لمّا سمع أمير الكويت بذلك أمر بردّ العقد.. وخصص لها راتباً شهرياً..
ـ عندما مرضت باعت جميع ما بقى عندها من حاجات كانت معها.. لتسديد أجور المعالجة والدواء.. ولم يبق عندها غير ساعة ثمينة لزوجها..
ـ وعندما اشتد عليها المرض والفقر وذلك قبيل وفاتها بأيام أرسلت بيد احد الدلالين اليهود تلك الساعة الثمينة ليبيعها لأحد الأغنياء من أصدقاء زوجها المعروفين والمقيمين آنذاك في لندن وقد امتنع ذلك الثري عن شراء الساعة المذكورة ولم يقم حتى بإرسال مبلغ ولو كان بسيطاً لها رغم علمه بحالة التي كانت سكرات الموت تنتابها..
ـ بقيت الساعة معروضة عند هذا الدلال اليهودي في لندن.. وبعد رجوعه اخبر إنها قد فارقت الحياة.. لقد قام هذا الدلال اليهودي وهو من أصل عراقي ليتبرع عن طيبة نفس وكرم بجميع مصاريف الدفن ونفقاته..
ملاحظة : انتظرونا في حلقة أخرى.. عن نزيه آخر من بلادي ..

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب