للقاص والروائي :احمد خلف
التمرد على نمط الحكي الارسطي
…………………………………….
المجموعة القصصية وعبر خط سردي قد كرس مؤلفها المبدع “احمد خلف” جل نصوص المجموعة بتقنيات الكتابة الحديثة من حيث الأسلوب والتقنيات الفنية .فنجد وبتجل قوي ومعمم، المناخ الموبوء الذي يتخبط فيه الوطن والإنسان… ظل يسردها كاتبها بأسلوبه المستفز للإدراك المنمط يصل أحيانا الى السردي السريالي،ومن هنا جاءت إعادة قراءة هذه المجموعة بالرغم من مرور ردحا طويلا من الزمن عليها فاستحقت الإشادة والدرس, هذه البنائية التي توفق الكاتب في إبداعها، بين الشكل والمضمون قد تبين أن هناك حمولة لتكسير تابوهات تختفي خلف حالة مجتمع عاش النكسة وظل منهزما نفسيا عاجزا أمام هول الفاجعة وتكشف هذا من خلال أبطاله ..ومن قراءة تلك النصوص لنصل إلى وعي الكاتب الإبداعي والذي يتحرك داخل أسلوبه، معبرا عن حالات غائرة وفائرة في تفاعلها ورصد موقف المثقف العربي جراء ذلك، من خلال اختراق المسكوت عنه…
– عتبة العنوان :
العنوان دلالته الإثارة في حد ذاته..وأول ما يلح عليه المؤلف العلاقة بين قيم المضمون كمحتوى والمكونات المؤطرة له، أي العنوان والسياق الأسلوبي واللغة المضطلعة بدورها…فهل هناك من علاقة عضوية؟
-بالنسبة للمنظور العام لدى الكاتب، نجده يتبنى البحث الجذري في الإبداع الأجناسي دون تحديد..وقد احدث انزياحا مع المشهد السينمائي بإرسال الإشارات المجازية المتضاعفة تواليا، سواء ضاقت العبارة أو اتسعت، ومساحة الفوارق شاسعة تؤطرها اللغة، لكن التقارب يضمحل بفعل المجازات والانزياحات المتتالية حول البطل الاشكالي من خلال العنوانات الجانبية للنصوص أو في المتون..فالتجريب لدى الكاتب هو تمرد أسلوبي، يتعمم نسبيا بكيفية تركيبية بين كل تقنيات السرد اللغوي والتأويلي استطرادا…فهو تمرد على نمط الحكي التراجيدي الأرسطي في حبكته كما هو على السرد المنمط، وذلك بواسطة تعابير التكسير “كسر خطاطة القص”..
اقتباس:
قصة «نزهة في شوارع مهجورة» التي حملت المجموعة عنوانها. نرى في القصة ما يشبه المشهد السينمائي: بطل القصة يسير في الشارع وفجأة يرى مجموعة من الناس تشيع جنازة وتسد عليه الطريق. الجموع تنعى وتسير بحماس، وبطل القصة يسير لوحده بمواجهتها، لا يريد الالتحاق بالجموع»القطيع..
-إن النص بأسلوبه ومضمونه يترابطان إيحائيا ومجازيا، فيقلب التصورات بفجائية مع خاتمة كل نص قصصي.. وهكذا لا يسلم النص نفسه بسهولة، إلا عندما يحرك هذا النص إلحاحه لإعادة القراءة في تواصل بين كل النصوص،فنجد ومن خلال سردها المتقن والمتشظي في كل شيء: ( الذات الفردية – الوطن – الناس – العلاقات…).. كلها توحي بالتقسيط الهزائم/ الخذلان وبالموازاة هناك دائما أسلوب معبر عن هذه التمزيقات…كما أن السرد نفسه يستأنف سياقه، في جل النصوص، دون بداية، حتى أنه يوحي بالاسترسال المسبق لأسباب مآسي خفية، إذ يكون الاستهلال غالبا إما عبر نقط سابقة كمدخل، أو دون مقدمات أو عبر سؤال، وكلها تنذر بمآسي طاحنة محبطة تتمرغ فيها القيم..من هنا فإن الذات لدى الكاتب استطاعت أن تدمج الأسلوب مع المضمون في الذات المهمشة، لتنتقم من ذاتها بجلد ذاتها.
هي إذن مجموعة قصصية انتصبت لتشكل على الأزمنة المتناسلة هزائم متناسلة من بعضها والمسترسلة في حقرها دون توقف، في كنف وطن لن يستقيم رهانه إلا بالتغير.
منطقة المرفقات