أعلنت روسيا مؤخراً على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر بانكين، إطلاق عملية “نزع الدولرة”، مؤكدا أنه عاجلاً أم آجلاً فإن الهيمنة التي تتمتع بها هذه العملة في طريقها إلى الزوال.
فهل هذا ممكن وهل سنشهد قريباً التخلص من هيمنة الدولار بعد أن استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية كسلاح بوضوح في الحرب الروسية الأوكرانية ولازالت تستخدمه مع الأعداء والحلفاء لإجبارهم على خيارات لصالحها؟
الدولار بدأ همينته قبل أن فقد الجنيه الاسترليني همينه كعملة احتياطي عالمية بعد مؤتمر النقد الدولي المعروف باسم بريتون وودز(Bretton Woods) المنعقد للفترة من 1 إلى 22 تموز(يوليو) 1944م، والذي تم فيه تثبيت قيمة أغلب العملات الأجنبية مقابل الدولار على أساس سعر 35 دولار لأونصة الذهب(تقريباً 31.1 غرام).
بقيت هذه الاتفاقية- وهي تخلي تدريجي عن قاعدة الذهب المعتادة- هي المهيمنة على أسواق العملات في العالم وعززت هيمنة الدولار ومن ميزاتها إنها أوقفت كلياً الأزمات المصرفية إذ لم تحدث أية أزمة مصرفية طوال فترة استخدام هذه الاتفاقية (1944-1971).
ألغت الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاقية جزئياً سنة 1971م وذلك بإلغاء ربط الدولار بالذهب ولكن ذلك عزز قوة الدولار كعملة احتياط عالمية وأضعف العملات الأخرى ووصل معه الدولار إلى ذروته سنة 1977م عندما سيطر على ما نسبته 85% من احتياطي العملات الأجنبية العالمية.
بدأت هذه النسبة في التراجع مع بروز اقتصاديات أخرى وعملات أخرى كاليورو لتصل النسبة حالياً إلى 59% وهي أقل نسبة منذ هيمنة الدولار.
مما يعزز هيمنة الدولار قوة التأثير السياسة الأمريكية وقوتها العسكرية واقتصادها وبالعكس، وقد بدأت منذ سنوات العديد من الدول بالتخوف من هيمنة الدولار واعتباره كسلاح دمار شامل بيد أمريكا موجه ضدها.
بدأت العديد من الدول الآن باعتماد عملاتها المحلية في تبادلاتها التجارية الثنائية مع دول أخرى وبدأت الكثير من الدول تتشجع خصوصاً مع الخطوات الصينية والروسية والهندية المدعومة من مجموعة بريكس وتمثل أهم محور للنقاش في مؤتمر المجموعة القادم في آب(أغسطس).
إعلان روسيا وتصريحات الصين في هذا المجال جديدة وغير مسبوقة وإن المقصود بتعدد الأقطاب تعني بشكل أساسي الاطاحة بالدولار، ولم تكتفي دول بريكس ودول أخرى باتفاقات التعامل الثنائي بالعملة المحلية بل بدأت باعتماد أنظمة دفع بعيداً عن نظام سويفت الذي تهيمن عليه أمريكا كما وبدأت دول بريكس بالذات بتقوية بنك التنمية الجديد ليحل بديلاً عن صندوق النقد الدولي.
من غير المتوقع أن تنتهي هيمنة الدولار قريباً أو سريعاً أو تنهار فجأة لاعتبارات كثيرة منها قوة الاقتصاد الأمريكي فضلاً عن الاقتصاد والسياسة ورغبة الدول الساعية لذلك بأن يتم الأمر بهدوء دون إرباك لوضع السوق العالمي واختلال النظام المالي العالمي، ولكن كل المؤشرات تؤكد إن التراجع حاصل فعلياً وإن الأمر بالنسبة للدولار والاقتصاد الأمريكية يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.