في زحمة ضجيج عصرنة صاخبة، نشعر وكأننا نعتاش اليوم، على ما يختزنه عقلنا الباطن، وما تحمله مخيلتنا من ذكريات الماضي، حتى وان كان بعضها مؤلما، وذلك استشعارا منا لسعادة تلقائية خلت ، نتجاوز بها تعاسة غربة الحاضر، وصعوبات الحياة الراهنة، بعد رحلة متواصلة من المعاناة الشاقة، والمرهقة، نفسياً، على كل مافي حياتنا الراهنة من مغريات،حيث يبدو أن تعدد مفردات الحياة الراهنة، وسرعة ايقاعات حركتها، قد افرزت هموما تفوق بعبئها، مساحة قدرة التحمل المتاحة لإنسان العصر الراهن.
ولعل المدهش حقا، هو انثيال عاطفتنا الجياشة، وطريقة تعبيرنا عنها بهذه التلقائية الوجدانية الخالصة ، عما يجول في خاطرنا، وما نكابده من معاناة تلك الهموم، والعزلة، بفجوة الجيل، في حياتنا الراهنة، هو ما يدفعنا للسعي لتجاوز مرارتها، بلجوئنا لإعادة إنتاج صور الماضي،واستيلادها بذهننا، بطريقة وردية، لنشاطر زملاءنا الآخرين، الإحساس بوحدة المعاناة، ونشاركهم الحنين الى تلك الذكريات، رغم كل الفوارق الشخصية في معايشتها. إذ لا شك أن البعض منا يكون قد عاشها في سعادة، في حين عاشها البعض الآخر في تعاسة.
وبغض النظر عن التفسيرات النفسية، والاجتماعية، لمثل هذه الظاهرة من الحنين الى الماضي، بهذه الطريقة الوجدانية المؤثرة، ومن دون الحاجة للدخول في تفاصيل التأويلات العلمية البحتة لها، والتي غالبا ما تختزلها في تفسيرات قد تبدو للبعض باهتة، فلا ريب ان هذه الظاهرة تظل حقيقة انسانية، ماثلة بيننا، نعيشها بعفوية في وجداننا، بين الحين والآخر.
فطالما شعرنا اننا نقتات فعلا على تخوم حافات ذكرياتنا،كلما سنحت لنا الفرصة بخلواتنا الفردية، بالعودة الى دهاليز ذاكرة الماضي، والتسكع في وهادها السحيقة، تلمسا لبصمات وردية حياة ماضينا الجميل،التي نلفيها تغمرنا بجرعة سعادة معنوية، كلما هربنا اليها من صخب ضجيج حياتنا المعاصرة، حتى وان بدت لنا سعيدة، وممتعة صوريا، وطافحة بالرفاهية في كثير من جوانبها .