” من ضاق عليه العدل فالجور اضيق ” – علي ابن ابي طالب
حصلت الحكومة العراقية على دعم كوني يصدر عن الامم المتحدة يخولها مواجهة الارهاب الدولي على ارضها وهي بذلك تتصدر المعسكر المواجه لخطر الارهاب والتطرف والانغلاق ويصطف خلفها المجتمع الدولي المتضرر من الارهاب الدولي منذ تفجيرات كينيا مروراً باحداث الحادي عشر من ايلول وليس انتهاءً بما جرى في روسيا وسوريا والعراق ولبنان وقد سبق للحكومة العراقية ان عرضت استضافة مؤتمر دولي حول الارهاب والامر بمجمله يشير الى وعي متقدم بحجم المشكلة وضرورات ايجاد الحلول الجماعية للخطر الجماعي ولكن يبقى السؤال الاهم هو هل اننا وعلى مستوى الدولة العراقية او على المستوى العالمي نفهم حقيقة ما نحتاجه لمواجه خطر الارهاب الدولي ؟ بمعنى آخر نستطيع اعادة صياغة السؤال هل عملية اعادة بناء العلاقات في الكون وانموذجها في العراق تحركت بصورة واعية لفهم ما يجب توفره لتحقيق الامن الكوني ؟
وهذا بالتأكيد سؤال لا يمكن الاجابة عنه بسهوله باعتبار ان المصالح الدولية المتشعبة في كثير من الحالات والمتضاربة والمتناقضة في احيان اخرى لا تسمح بأيجاد مناطق اتفاق واسعة يمكن الاعتماد عليها لتشكيل ارضية مشتركة للانطلاق منها والمشكلة ان تداعيات الماضي ما تزال فاعلة ومؤثرة في عالم اليوم والغد فعلى سبيل المثال ان دخول الاتحاد السوفييتي السابق الى افغانستان استدعى من الولايات المتحدة تقوية الجماعات المتشددة لقطع الطريق على السوفييت واخراجهم من افغانستان لكننا وجدنا انفسنا امام تحديات اخطر واكبر تتمثل بولادة القاعدة ومحاولتها فرض ارادتها المعزولة عن العالم وعلى اية حال فأن مطالبة الحكومة العراقية تدويل ملف الارهاب يعود بنا الى الطريقة التي نظرت بها هذه الحكومة الى مقدمات هذا الامر وهو عملية بناء الدولة أو لنستعير مصطلح يورغن هابرماس ” نزعة اعادة البناء ” وعلى اي الاسس تم بناء هذه العملية التي تستلزم الحفاظ على استقلالية الافراد في اطار الجماعة التي يؤمنون بالانتماء اليها وصهر المكونات جميعاً في بوتقة الانصهار الوطنية التي تصلح ان تكون مظلة للجميع دون تمييز .
لقد واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد العام 2003 جملة من التحديات التي لم تصل معها الى حلول ناجعة ويتكرر ذات السيناريو في اوقات مختلفه ومع شخصيات مختلفه ايضاً منها ما يعد شأناً داخلياً شائكاً مثل التوزيع العادل للثروات الذي نص عليه الدستور وكيف يمكن تحقيق هذا المبدأ على ارض الواقع ومنها ايضاً ما هو كوني ويرتبط بمكافحة الارهاب ومواجهة التطرف وموجات الانغلاق ولا يبدو لي ان العاملين مستقلين بصورة تامه بل انهما يرتبطان بحبل سري يعيدهما الى ذات الرحم ويعود سبب تكرار سيناريوهات المشاكل وعملية اعادة انتاجها نتيجة عدم وجود فلسفة واضحة في ادارة الدولة العراقية سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري وحتى الاجتماعي فمشكلة توزيع الثروات وهي الاساس الذي دائماً ـ ولا اقول انها السبب الوحيد ـ نجد ان الحكومات تتغافل عن حقيقة اساسية وهي انه لا يكفي تعيين المنافع الرمزية القابلة للتقسيم وفق توازن معين ولكن ينبغي ايضاً معرفة ما هي هذه الشروط التي يصبح بمقتضاها هذا التقسيم عادلاً او منصفاً وليس هذا فحسب بل يتشظى عن ذلك ان لا تقتصر الحقوق التي يجب ان تمنح للمكونات على الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية رغم اهميتها بل تبرز الحاجة الى حقوق اكثر تأثيراً وهي الحاجة الى الحقوق المعنوية التي تقتضيها عملية تحقيق العدالة بوصفها هدفاً مركزياً تعتمده الحكومات للوصول الى الحكم الرشيد وفي مقدمتها ادراك الحاجات الحقيقية والاساسية والتي يكون معها المواطن مستعداً للتضحية من اجل الحصول عليها وعدم امكانية التفريط بها والتنازل عنها وهذا الامر يتطلب وعياً استثنائياً بطبيعة الهوية التي تحملها الجهة المراد انصافها مع مراعات الفوارق الطبيعية لدى كل مكون وصولاً الى الفهم العميق لحقيقة الاختلاف والتنوع وعملية ادارته بصورة تحمل مهارة الفهم حيث تتطلب المجتمعات متعددة الثقافات سياسة الاعتراف بالاخر لكي تندمج هوية اي مواطن مع الهوية الجماعية وان تستقر في تقاليد مشتركة وان تتعزز في منظومة من الاعتراف المتبادل ومعرفة ان الحقوق الثقافية للفرد تنبع من حقيقة ان لكل شخص اهتماماً بالغاً لكينونته الشخصية وذلك من خلال الحفاظ على اسلوب حياته والحفاظ على خصاله التي هي مكونات اساسية لشخصيته ولباقي افراد مجموعته الثقافية ويستلزم مثل هذا الادراك وعياً سياسياً عالياً وفهماً عميقاً لشفرات الاختلاف بغية الوصول الى عملية فك الرموز بسلام ودون احتمال لخسارة الاموال والارواح والزمن مثلما تكون هذه الممارسات الرشيدة بمثابة السد الذي يمنع تدفق سيول الغرباء ويحول دون تحول المكونات التي تشعر بالتهميش الى حواضن داعمة للعنف والتطرف مدفوعةً بخوفٍ متجذر مشوب بالخشية من الخبرات المتراكمة في التجارب السابقة والتي تتمثل بخذلان الادارات المتعاقبة لمواطنيها نتيجة تجاهل او عدم معرفة تلك الادارات لحقيقة انه ينبغي ان لا يغيب عن ناظرنا بأن المواطنين هم ايضاً اشخاص لهم هويات فردية نمت وترعرعت وسط تقاليد معينة وفي اوساط ثقافية نوعية لذا يتوجب ان نضع في اعتبارنا بأن هؤلاء الاشخاص هم في حاجة لهذه التقاليد حتى يتمكنوا من الحفاظ على هوياتهم كما انه يمكننا ان نوسع من حاضنة الحقوق المدنية حتى نتمكن من تلقيحها بالحقوق الثقافية لان هذه الحقوق تسمح للمواطنين جميعاً وبمساواة تامة الولوج الى ارثٍ ما والانتماء لجماعة ثقافية معينة تمكنهم من اختيار هويتهم وارسائها بكل حرية على اننا يجب ان نسبق ذلك الفهم والادراك بعملية الثأر للتسامح فيكون الرد على العنف والشعور بالاقصاء بعملية معرفة عملية بحقيقة انتاج منظومة تسامح مكتملة المعالم قادرة على تحديد الفهم العميق بمعنى التسامح ولا تشوههُ ولا تنظر اليه على انه وجود كمالي فائض عن الحاجة كذلك يجب علينا ان نعيد هيكلة واعادة انتاج مفهوم التسامح نفسه الذي دائماً ما يكون منحوتاً عبر تعاقب العقود والاجيال ومستنداً الى فكرة خاطئة مفادها انه يمكن لنا الاعتقاد بان شخصاً ما غير مقبول بشكل اساسي او انه ادنى منا مرتبة وخلاصة القول انه من الافضل تحاشيه بيد اننا نتسامح معه من مبدأ الادب أو ايثاراً لمبداً السلامة بحسب تعبير امبرتو ايكو.
ومن هنا بالتحديد تبدأ المشكلة ليس فقط على المستوى المحلي للتجربة العراقية وانما تمتد لتكون انموذجاً انسانياً يمكن ان يتكرر وينطبق على معظم التجارب للدول المركبة ، فعندما انطلقت التظاهرات في مناطق العراق الغربية لم يكن الهدف منها كما يحاول افهامنا البعض احتجاجاً على اعتقال احد السياسيين أو افراد حمايته او لصدور مذكرات قضائية بحق ساسة ينتمون الى مكون معين وانما خرجت استجابةً لقلق وجودي وتهديد حقيقي لم تستطع الحكومة تهدئته وترويضه بل وجدنا ان الساسة قد تصرفوا وفقاً لمنظومتين متعارضتين تماماً فالبعض منهم ركب موجة التظاهرات مستفيداً من الاجواء الملائمة للتصعيد واختار القسم الاخر الاصطفاف مع الحكومة الرافضة لوجود التظاهرات وان تظاهرت بالحفاظ على التزامها بتوفير حق التعبير عن الرأي ومن ذلك حق التظاهر فهذه الاصطفافات ساهمت في صب نيران العنف على زيت الخلافات فاستغلت الجماعات المتطرفة الفرصة وتدفقت الى الجسد الذي لفظها قبل عدة اعوام وعادت اليه بعد ان تغيرت المعطيات فيما غضّت الولايات المتحدة الطرف عن تدفق المسلحين لاستدراجهم الى المنطقة لتصفيتهم في معركة تخوضها الحكومة العراقية بالنيابة عنها وعن المجتمع الدولي واستخدام تلك المجاميع كاوراق سياسية للضغط على سوريا ومن خلفها ايران ، ووسط كل تلك الاحداث البالغة التأثير والتعقيد واضطرار الحكومة الى المواجهة وانطلاق المبادرات مثلما يحدث كل مرة يتأزم فيه الوضع السياسي او الامني دون ان ننتبه الى جذر المشكلة الذي لم نستأصله لذلك هو يعيد انتاج الاغصان التي تتدلى منها ثمار الخلافات .
ذكّرتني لغة التصعيد والتهديد والوعيد التي انطلقت من ساحات التظاهر في بداية الامر سلمية وارتفعت وانحرفت عن سلميتها ذكرتني بالفارق بين تلك اللغة واللغة الاحتجاجية الهادئة لبليز باسكال الذي يقول
” لماذا تقتلونني مستغلين تفوقكم ؟
فانا لست مسلحاً ، كيف ؟
الا تسكنون على الضفة الاخرى للنهر ؟ صديقي ، لو انكم كنتم تسكنون ضفتنا ،
فأنا قاتل وسيكون من الظلم قتلكم بهذه الطريقة ،
ولكن لانكم تسكنون على الشاطئ الآخر ، فأنا شجاع وكل ما افعله عادل ”
وبطبيعة الحال لم نسمع بمثل هذه اللغة لان مشاعر الثأر والثأر المقابل والتهديدات المتبادلة سيطرت على الاجواء ولم يعد بالامكان سماع صوت زقزقة العصافير عندما تتحدث البنادق ، وعادت الحكومة العراقية لممارسة الضد النوعي حينما اعادت احياء الصحوات والتي سبق وان تخلت عنها عندما استقرت الاوضاع واستتباب الامن في تلك المناطق قبل عدة سنوات وتبرز خطورة هذا النوع من التعاطي مع المشكلات كونه يصدر من الجهة الراعية للسلم الاهلي وقد يترتب على مثل تلك الممارسات التهيئة المجتمعية لتداول العنف وصعوبة احتواء آثارها لانها تحصل بين المكون الواحد وبالتالي التسبب في فقدان الانسجام والانجرار الى الفتن العقائدية التي يعتصم بها المؤمنون بها من مختلف المذاهب والاديان والتيارات وقد سبق للحكومة الامريكية ان مارست مثل هذا الدور حينما عجزت عن مواجهة المسلحين في الفلوجة ببساطة تعبوية لان الجيوش دائماً تخفق في مواجهة الميليشيات مهما بلغ تفوق الجيوش فأستحدثت ودعمت الصحوات التي تمثل جزءً من النسيج الاجتماعي والمناطقي والعقائدي للمسلحين ونجحت في تجنيب قواتها المزيد من التوغل في المستنقع العراقي كما يصفه البعض ، بيد ان ما يترتب على هذا الامر من مخاطر قد يتجاوز بكثير ما تحصل عليه الدولة والحكومة من حلول لمشاكل بدأت تأخذ جانباً من التعقيد وخشية ان يتحول التعامل مع هذا الموضوع على اساس انه الحل الطبيعي لمواجهة المشاكل دون الاهتمام بما ينتج عنه من تكريس للكراهية بين مكونات الشعب وقد مارست الحكومة مثل هذا السلوك حين استقطبت في وقت سابق عصائب اهل الحق او حركة اهل الحق بعد ان تحولت الى منظمة سياسية وهي المعروفة بمعارضتها الشديدة ومقاومتها للاحتلال الامريكي ولكن لم يكن الهدف هو مكافئة جهود هذه الحركة لمقاوتها الاحتلال بقدر ما تتم النظرة اليه عليه على انه اضعاف للتيار الصدري الذي يمتلك رصيداً شعبياً عالياً فضلاً عن انه يتمتع بقرارات لا تنسجم في كثير من الاحيان مع التوجهات الحكومية ولمسنا خطورة هذا الامر في تضخم مستوى الاحتقان والتصعيد بين الطرفين ووصول الامور في بعض الاحيان الى المواجهة والتهديد بالتصفية بين الطرفين ويمكن للعقلاء تصور النتائج الكارثية على السلم المجتمعي على السلم المجتمعي في حال حدوث مواجهة بين الفريقين ـ لا سمح الله ـ وقد يتكرر مثل هذا السيناريو مع حركة تغييرفي الطرف الكردي بينما كان المفترض من الحكومة ان تتصرف كأطار جامع لكل القوى والمكونات لا ان تكون طرفاً يبتغي الفائدة من الاحداث وكسب النجاح من خلال افشال مشاريع الشركاء .
ولا يقل المشهد اليوم خطورة عن مشهد الامس فتغذية الصحوات والجماعات المسلحة في الانبار لمواجهة القاعدة امر محسوم ولا جدال فيه وهي حرب مقدسة في كل المعايير وقف فيها الشعب والعشائر خلف الجيش والقوات المسلحة فيها وجميع ابناء الشعب العراقي وقدمت العشائر العراقية الاصيلة في الانبار الدعم والمساندة والارشاد للقوات الامنية في معركتها التي اطلقت عليه اسم ثأر الشهيد محمد رغم تحفظنا على اطلاق مثل هذه اللغة الثأرية وكانت المعركة بالاساس قد حملت اسم المطرقة الحديدية وهو اسم اكثر توفيقاً من الاسم الاخير ايماناً منا بأن تغليب اللغة الثأرية لايمكنها ان تنتج السلام المنشود .
ومع كل هذا التأييد والمساندة في دحر القاعدة من قبل العشائر لم نجد هناك مبادرات حقيقية تعزز الصف الوطني وتحقنه بجرعات السلم الدائم عبر الاستماع الى المطالب التي رفعها المتظاهرون قبل ان تخترقها القاعدة في ساحات الاعتصام والمبادرة من الحكومة لمد جسور التواصل مع المعتصمين حتى وان لم تتمخض تلك الجهود عن نتائج ملموسة فأنها كانت بالتأكيد ستعزز ثقة المواطن ان الدولة والحكومة تغلب لغة التسماح وتنظر الى جميع مواطنيها بعين واحدة هي عين العطف والمحبة واحترام القانون وتطبيقه على الجميع ولا يُفهم من كلامي هنا انني انفي وجود جهات مستفيدة من استمرار الاعتصامات مدعومة بجهات خارجية لا تريد الخير للعراق ولا يعجبها استمرار التجربة الديمقراطية في العراق ولكني اشخص هنا الغياب الفادح لرجالات الدولة الذين بأمكانهم رؤية ما وراء الاحداث وتحليلها ورسم خارطة للصراع والوصول الى التداعيات والنتائج قبل وقوعها وتحولها الى امر واقع ولنا في تراثنا العظيم ما نستدل به على الضرورات السياسية وعدم اعطاء مقود التصريحات والقرارات الا لمن يستحق ذلك وللتذكير فان الامام علي ” ع ” وبعد ان افضت الامور الى نتائج التحكيم تمثل بأبيات دريد بن الصمة الذي يقول :
عرضت لكم رأيي بمنعرج اللوى فلم تستبينوا النصح الا ضحى الغد
اذن على القيادة ان ترى الاحداث قبل وقوعها وهذا هو مخ السياسة واسها ولا يمكن ان نتصور قيادة ليس بأمكانها استشراف الاحداث وقراءتها خاصة وان الدول الحديثة يمكن تسميتها بـ ” دول المستشارين ” واجد ان اكبر مشاكل الدولة العراقية والحكومات المتعاقبة فيها هي اعتمادها مبدأ الولاء وتغليبه على مبدا الكفاءة بل الاصرار على الاستعانة بالمفسدين والدفاع عنهم وغض النظر عن محاسبتهم وتهميش الكفاءات في مختلف المجالات حتى اننا سمعنا رئيس الوزراء يصف مستشارية ومساعدية بأنهم يزودونه بمعلومات خاطئة ومضللة وقد يمر هذا الامر بالخدمات رغم قسوته لكنه لا يمكن ان يمر في ملفات تتعلق بالدماء وبمستقبل البلاد وانسجام مكوناتها في اطار السلم المجتمعي .
وعلى الرغم من عدم اعتراضنا على الية استخدام الضد النوعي الايجابي في حل المشكلات فاننا نعلم تماماً انه قد جرى استخدامه في اكثر من مناسبة وبطرق مختلفة شريطة ان تكون نتائجه محسوبة بدقة وتتحمل الجهة التي تمارسها وبشجاعة مسؤوليتها عن النتائج التي يجب ان تكون في إطار الحفاظ على وحدة الوطن وتقدمه وازدهاره ويتم النظر الى الحقوق ـ الحريات بما هي حقوق مدنية اساسية تهدف اساساً الى حماية الفرد من تجاوزات الافراد الاخرين وكذا حمايته من عنف النظام السياسي للدولة وتعسفه فننتقل تبعاً لذلك بوعي المواطن وفهمه للدولة على انها راعية لحقوقه وضامنة لها واستبدال الفهم القديم الذي كانت تمثل فيه الدولة اداة قمع واستهتار بالحقوق وممارسة التمييز القومي والمناطقي والحزبي والطائفي بمحاولة نشر المساواة واعادة الاعتبار لاهمية المواطن بوصفة الجزء الاساسي والرئيسي في عملية التغيير فيكون تجسيد المساواة القائمة بين البشر بوصفهم شخصيات اعتبارية ومخلوقات تمتلك تصوراً عما ينفعهم وقادرين على ادراك معنى معين من معاني العدالة فقاعدة المساواة تشكلت في الواقع من التشابة القائم بن الناس حول وجهة النظر المزدوجة هذه وكذلك نحاول اعادة طريقة النظر الى التسامح من خلال تصحيح طريقة النظرالى الاخر بدون عدائية اوالنظرة الدونية او اعتباره حاقداً ينتمي الى طائفة تحمل لنا الكراهية بسبب الماضي اذ اننا وبوجود هذه الميكانزيمات نعيد انتاج الية الصراع ونشهر سيوف الكراهية من اغماد السلم الاجتماعي وحتى لو افترضنا اننا يمكننا تجاوز الازمة وتجاوزناها بالفعل فانها تفتح الباب على مصراعيه لدخول الازمات قد تكون اشد عنفاً وقد تتجه الى نتائج لا تصب بمصلحة اي من الاطراف الداخلة في الصراع وبدلاً من ذلك يمكننا تشريح موضوعة التسامح واعادة قراءتها وتحديد موقفنا منها تبعاً لمجموعة الظروف التي لا تتجاوز الثلاثة احتمالات نختار فيها التسامح باعتبار انه يوفر علينا مؤونة الدخول في المزيد من الخسارات فأما تكون الطرف الاقوى وقبول الخطأ لديك يعني عملاً ماكراً وذكياً والاضطهاد يؤدي الى الفضيحة ونشر الخطأ او ان تكون انت الطرف الاضعف فانّ تحمّل الخطأ يعدّ من قبيل الحذر واذا تمردت ستسحق وسوف تبدد البذرة الصغيرة وان كنت متعادلاً مع الطرف الآخر فان مبدأ التبادلية يدخل في اللعبة ويصبح التسامح عملاً من اعمال العدالة .
ومع كل ذلك فانه يجب تقديم العدالة والشراكة في الوطن على كافة الاعتبارات الاخرى واعادة النظر بأتجاه الشركاء في الوطن على اساس الاختلاف المنتج لا المماثلة المستحيلة لانه في حال تمكنت مشاعر الريبة والخوف والظن السئ بالآخر من التوغل الى الروح العامة للدولة فانه يصبح من الصعب تأسيس مشروع الدولة وتتحول الامور كما يصفها الدكتور اياد علاوي الى وجود سلطة ولا وجود للدولة والفرق واضح بين الحالتين على اننا لا نستطيع هنا ان نهدّيء روع الحكومة المستفزه من الوقائع المادية التي تثبت تورط الشركاء في دعم التطرف والانحياز الى جانب العنف بعد ان كشفت التحقيقات تورط اكثر من شريك باعمال العنف وبقرارات قضائية واعترافات مثبتة واحكام صادرة من القضاء فكيف يمكن النظر الى التسامح في ظل عملية سياسية مخترقة يحاول فيها الشركاء اتخاذ العملية السياسية وحرية الاعلام وحرية التعبير عن الرأي والحق في التظاهر لافتات براقة لمشاريع مشبوهة؟ وللامانة فأن طرح مثل هكذا تساؤلات يعد البداية الجيدة للمكاشفة التي تؤدي الى وضع جميع الاوراق المشبوهة تحت مجهر التحليل والفحص والاحتكام الى القضاء العراقي كمنطقة حسم لكافة الملفات في اطار استقلالية تامة للقضاء بعيداً عن محاولات التسييس والقبول بنتائج القضاء مهما كانت بغض النظر اكانت لمصلحة الحكومة ام لمصلحة التيارات المنافسة وتقتضي هذه العملية ايضاً اعادة النظر بالطريقة التي تنظر فيها الحكومة الى ملف المصالحة وهو في ان تخطو خطوات جريئة لفتح قنوات حوار مع الرافضين للعملية السياسية بل وحتى من حملة السلاح ومن ينظر الى الحكومة على انها عدو ويجري هذا الامر على مضض وتتجرعة الحكومة قسراً وطنياً يضع جميع ابناء الوطن امام مسؤولياتهم التاريخية وبعد ذلك يحسم القضاء جميع الخصومات فيرحل الى السجن الاصلاحي وليس الانتقامي من يستحق العقوبة ويعود الى مقاعد السياسة من يبرءه القضاء وبهذه السياسة يمكن تفتيت الكتلة الصلبة المواجهة لمشروع اعادة بناء الدولة العراقية لان الكثير منهم يختلف في التفاصيل ولا يعترض على المبدأ كما تتم عملية اعادة فحص وتقييم لقانون العفو العام استثماراً لمساحة النصر الذي حققته الحكومة في محاربة التشدد والارهاب وحصولها على الدعم غير المسبوق محلياً ودولياً معززاً برصيد تسليح على مستوى مشجع للجيش العراقي يسمح بذلك الظرف الحالي ولجميع المعطيات المذكورة في الانطلاق ببناء منظومات متكاملة للدولة تبدأ من رصانة وتعزيز الجبهة الداخلية مروراً بتنظيم دقيق وعملي لمؤسسات الدولة على اسس علمية وعادلة تحفظ للمكونات ما يتناسب مع دورها التمثيلي وصولاً الى الانفتاح المشروط في العلاقات الدولية مع جميع الدول التي تؤمن بالعراق كدولة ذات سيادة تتمتع بالشرعية فيكون التعامل معها على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وحق الدولة في السيادة على ارضها دون السماح بالتدخل بالشؤون الداخلية لاي طرف كان وتحت اي ذريعة.
ان الاخطاء المتراكمة لفترة ما بعد العام 2003 تتطلب من الجميع مراجعة شاملة وعدم القاءالمسؤولية على طرف ومحاولة افشاله والاقرار للحكومة بالنجاح في الملفات الصعبة التي واجهتها بنفس القدر في تشخيص الاخطاء والسلبيات والعيوب التي رافقت عملها ومنها انها تسببت في جعل المكون السني ينظر اليه وكأنه طرف متمرد ومعادي للعملية السياسية فيما ينظر المتسامحون الى ابناء هذا المكون الاساسي كالمجند غير المنضبط في الفصيل المتدرب جيداً او كالحجر الصغير المعرقل لعمل الآلة او كالفايروس في الجسد السليم وبذلك يجب طرده من الجسد او تدميره بلا رحمة وكان المفترض من الدولة ان تنظر بعين التسامح الى ابنائها انطلاقاً من انها تحتاج اليهم من اجل التوظيف الصحيح لالياتها واهدافها ولا تميز في نظرتها الى المسئ على اساس مرجعياته فيغض النظر عن حالات الفساد وتتم تغطيتها وتبريرها والدفاع عنها اذا صدرت من جهة مقربة فيما تقابل بالويل والثبور وتطبيق القانون بحزم اذا صدرت من الطرف البعيد لان هذا النوع من التمييز لا يخدم بالنتيجة مصلحة الدولة وممثلتها الحكومة في ضرورات الاستمرار في وئام وسلام دائمين كما ان ظاهرة المخبر السري هي الاخرى تسببت في القاء الكثير من الابرياء في السجون دون وجود امل في محاكمتهم وانصافهم او حتى ادانتهم واجد من الضروري ان نتذكر قول الامام علي ” ع ” ” ان العدل البطئ ظلم ” فما بالك بالظلم البطئ ونشفع ذلك بالمقولة الاثيرة ” سيّج وطنك بالعدل ” وكذلك علينا وبكل شجاعة وبعد مرور اكثر من عقد وبعد ان ثبّت الدستور وبشكل واضح منع حزب البعث من العمل الفردي والجماعي فانه ان الاوان لاعادة تاهيل من اجبروا ومن اظهروا الندم ومن تركوا حزب البعث ليعودوا الى صفوف الشعب بعد تبرئتهم من قبل القضاء وان تتم عملية الغاء فكري لشمولية حزب البعث واظهار جرائمه وهذا السبيل اكثر نجاعة وتأثير من محاولات الاجتثاث التي اثبتت عدم جدواها طوال السنوات الماضية كما انه من المهم في هذا الظرف الاستثنائي من ايجاد خطاب وطني يعتمد المعايير الاخلاقية في التعاطي الاعلامي وتحديد ميثاق شرف اعلامي تتعرض المؤسسات التي تخرقه الى كافة العقوبات القانونية التي تشفع بتشريع وان لا يستباح الدم العراقي على اوراق الصحف الصفراء والسوداء والحمراء ويعاد مسلسل قتله وتصفيته من على شاشات التحريض والفتنة والعهر الاعلامي والسماح للطاقات الاعلامية والفكرية والادبية في التأسيس لمرحلة جديدة ومتكاملة من التسامح البنّاء يحفظ الدماء والكرامة والعيش الكريم لجميع ابناء هذا الوطن على اننا يجب ان نتذكر ونذكّر ان الحكومة قد نجحت في ملفات التفاوض مع الجانب الامريكي وانتزاع السيادة وانها نجحت ايضاً في تحقيق قفزات دبلوماسية في الانفتاح على المحيطين العربي والاقليمي عدا الدول التي ترفض الاعتراف بسيادة العراق وتحسن الوضع الاقتصادي بش