23 ديسمبر، 2024 2:51 ص

نزار قباني .. الشاعر المغنى والمقروء

نزار قباني .. الشاعر المغنى والمقروء

أنا اكتب ، إذن أنا كلكامش( مقولة الشاعر)
هذا الرجل00 نزار قباني ، اجتمعت في شعره أكثر من صفة حسنة: ففي شعره المرأة الحسنة، والقصيدة الحسنة، والثورة المدوية، والناقد الاجتماعي المتلبس ، فتراه لذلك ملك السنة المطربين ، وإيقاعات الملحنين ، وقلوب النساء، ومجد الشعراء، واحترام السلاطين والامراء0
نزار قباني00استلم قصيدة الحداثة من جيلها الأول المتمثل بالسياب ونازك الملائكة وغيرهم ممن يعذرونني ، وهي مازالت غرة ، فرباها على كفيه وصنع منها حسناء للغرام ، وشهرزاد الوئام، أقول هو نقل قصيدة الحداثة من شكلها الخام ، فأجرى عليها عمليات التصفية والتكرير القبانية لتظهر بحلة جديدة ، وترتقي صرحا أبهى!، فهو لم يرض ان يزاولها كما هي وكما وصلته ، وإنما استعان بالله تعالى ، وبأدواته ثانيا ، فأخرج لنا قصيدة أخرى بغصن آخر يعود إلى ذات الفرع0
نزار قباني شاعر الجمهور والصفحات ، والدواوين ، والصحف والمجلات ، والرفوف والمجلدات، وهو كذلك شاعر قلوب النساء ، وعقول الرجال، وأحلام الطامحين ، وسيوف الثوريين0
نزار قباني00 يعزف على الوتر الحساس ، فترة أكثر من خمسين عاما من تاريخ هذه الأمة الجريحة ، فطرح بقصائده الثورية جرأة الشاعر وصراحته ، وأراد بذلك أن يعلم السلطان: ان الشعراء هم كذلك سلاطين وأمراء فلابد ان يوضعوا في كفة من ذهب ، لاان يهملوا ، أو يطاردوا ، او يسجنوا ، او يرحلوا ، لمجرد انهم قالوا رأيهم بسيف الشعر ، وجرأة النقد ، فما قيمة الشعر، ان لم ينتقد ويصلح ويوقظ كقوله:(مااجبن الشعر ان لم يركب الغضبا)
نزار قباني مليك القصيدة الغيداء ، ووتر الأغنية الصادحة بهديل الورقاء ، عزف الجرح العربي مرا ت ومرات ، فأوصله حد البكاء ، وربما اللطم ، فهو عاصر حروب العرب مع اسرائيل، وبكت كلماته لهزيمة حزيران ، وظل شعره يجيش الما وحسرة ، لما أصاب ويصيب الأمة من هزائم وجراحات ونكبات ، كما ان شعره غاص في أعماق المجتمع ، فقدم لنا ورقة النقد الاجتماعي ، لما يسود في المجتمع من عادات وخزعبلات وأوهام 0
اما شعره النقدي اللاذع لسياسات العرب ، كقوله : (انعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة)، وكقوله : (بالناي والمزمار، لايحدث انتصار) ، فهو موجه بطريقة الإصلاح لاطريقة التهديم ، وهو اشبه بمقص العمليات الجراحية المستخدم لإزالة الاورام والقروح ، وهو لايدل على قلب هجائي اسود ، وإنما يدل على قلب ابوي كقلب( يعقوب ع) ، وحزن كحزن يعقوب على يوسف ع ، وكذلك حزنه على ولده الآخرين، فالشاعر دوما يوصل رسائلنا ، لكنه لايتجنى علينا أكثر من ذلك ، فما يقوله الشاعر عنا هو فينا ، فلم يكن الشاعر منافقا ليخفي مارأته عيناه فينا من الم وعبث ظاهرين في عدسته ، فعلينا ان نحسن الظن والنظر في عدسة الشاعر ، فما فيها علينا أوضح مما في غيرها لنا 0
نزار قباني شاعر فلسطين وشقيق القدس ، لذلك يقول 🙁 الى فلسطين طريق واحد يمر من فوهة بندقية) 00
ولديه كذلك خروقات شعرية ، البعض يضعها في سلة الكفر سأتعرض لها لاحقا إن شاء الله تعالى، ولو عاش نزار حتى عصرنا التكفيري الإجرامي هذا ، لكفر بنا وبعاهاتنا وظل كذلك من الصباح وحتى المساء!
ولكي أكون منصفا مع شاعري، فيما هو له ، وما هو عليه ، اجد انه يؤاخذ بأمرين : لولاهما لكان شاعر الملاك الأول : هما التكرار لغاية في نفسه لاغاية في نفس قارئه وتحديدا في قصائد التفعيلة لديه كقوله من قصيدة بلقيس: (شكرا لكم شكرا لكم) وكقوله من قصيدة إلى امرأة لامبالية : (في طبعك التمثيل- في طبعك التمثيل)، والأمر الآخر المؤاخذ عليه عندي : انه لم يكن أنيقا في اختيار عناوين قصائده البهية ، وهذا لايقدح بشاعرية فذة عنوانها نزار قباني00