تشير المعطيات المسربة من الحكومة الى ان ايرادات النفط لعام 2016 تذهب كلها الى رواتب الموظفين والمتقاعدين ، ومسودة الموازنة التي يجري اعدادها تؤكد على ذلك وتبين ان العام القادم لن يكون افضل من العام الحالي على الصعيد الاقتصادي ، بل ربما اسوأ منه ، لاسيما ان الدولة ستكون عاجزة تماماً اذا بقيت اسعار النفط على حالها ، وهو الامر المرجح ، عن توفير الموارد للاستثمار في استكمال المشاريع او بناء الجديد منها ، ليس من سبيل لتجاوز الازمة الا بالاعتماد بشكل اساسي على الامكانات الذاتية وفي مقدمتها تفعيل الاصلاحات بشقيها التقشفي والتجديدي الجذري بالحد من الفساد وتقديم كبار الفاسدين الى المحاكم واسترجاع الاموال المنهوبة منهم الى خزينة الدولة وهي بحد ذاتها قد تفوق الموازنة !.
في جانب التقشف والاصلاح ايضاً الاسراع بإنجاز سلم الرواتب الذي يضيق الفجوة بين الدرجات الوظيفية وضمان توزيع عادل للثروة والمساهمة في تحمل اعباء الازمة والبحث في سبل تقليص الهدر الى ادنى درجة ممكنة ، وايجاد الوسائل الملائمة لتحسين ايرادات الدولة ومتابعة ما اعلنته الحكومة في الاسابيع الماضية ووضعه في سكة التطبيق الملموسة . ان تنشيط فعاليات القطاعات المختلفة الصناعية والزراعية والسياحية وكل المشاريع المدرة للدخل والموفرة الى فرص العمل هو ما يمكن التعويل عليه بعد الاصلاح السياسي الشامل وبدلاً عن الاسراف والاغراق في الدين الذي لن يكون الفكاك منه سهلاً بالشروط المستغلة للظرف الذي يمر به البلد . كما من المفيد والضروري والواجب البحث في تحريك الرأسمال المحلي وكتلة النقد المكتنزة في البيوت وخارج البلاد للعراقيين وكيفية توظيفها وتقديم الضمانات والحمايات لها ولمنتجاتها ومخرجاتها ، وذلك لا يتحقق الا من خلال الاستقرار السياسي والامني ، واعادة التجربة الى حكم القانون والتقيد بأحكامه . ان الرأسمال يخشى من البيئة المضطربة والاحتراب الداخلي والانتهاكات للقانون وغيابه وسيادة المجموعات المسلحة غير المنضبطة فينكمش عن العمل والدوران في اطار الاقتصاد الوطني ويكتنز في انتظار ظروف ملائمة او يهرب الى خارج الحدود ويوظف ويستثمر في بلدان اخرى ، وخير دلالة على ذلك الاستثمارات الضخمة للعراقيين في بلدان الجوار والتي تتصدر الاستثمارات الاجنبية . للأسف حتى الدينار كوسيلة للادخار الناس يخشون استخدامها ويحولون ثرواتهم الى العملات الاجنبية خوفاً من التقلبات السياسية وتوقف عملية الاصلاح ومراوحتها مكانها وعدم ايقاع الفاسدين تحت المساءلة القانونية وما الى ذلك من فوضى وانتهاكات للقانون . ان هذا وغيره يشكل خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني ، ولا يساعد على اعداد موازنة للعام المقبل تأخذ كل الامكانات في الحسبان وتوظفها لخدمة البلد واهله.