10 أبريل، 2024 7:38 ص
Search
Close this search box.

نريد مرجعية على قارعةِ الطريق مطلب ديني وجماهيري

Facebook
Twitter
LinkedIn

المرجعية الدينية ذلك المفهوم الذي يرمز إلى العالم الفقيه الذي تجتمع فيه صفات ومميزات وضعتها المؤسسة الدينية للتفريق بين الصالح منهم والطالح وبين ما ينفع الناس فيمكث في قلوبهم وبين ما هو كالزبد يذهب جفاءً من دون أي تأثير.

وللمرجعية الدينية دور مهم في صناعة ثقافة المجتمع وتطلعاته ورسم مستقبل أجيال كأمله, من خلال فتوى أو توجيه تصدره أو تشير إليه, والتأريخ حافل بكثير من تلكم العبر والإحداث التي كانت للمرجعية الدينية اليد الطولة في صناعتها أو رفضها.

وتستمد المرجعية الدينية قوتها من المشروعية الدينية التي أحاطها النبي (ص) وأهل بيته (ع) بها وأمروا الناس بالتمسك بها وعدم تركها كما نصت على ذلك كثير من الأحاديث هذا أولاً.

وأما ثانياً: فمن خلال اتصالها بالجماهير ومعايشتها لهمومهم وكلما كانت المرجعية الدينية اقرب لهموم الناس كانت أقوى تأثيراً من غيرها, ومن خلال هذه الصفة استطاع قارئ المنبر الحسيني إن يحصل على جمهور واسع جداً, بحيث تكون شهرة خطيب حسيني ما أكثر بكثير من مرجع ديني أو عالم أو محقق صاحب مصنفات عدة, وما ذلك إلا بسبب الاتصال المباشر مع الناس.

وان لهذه الخصلة الدور الكبير في قوة التأثير بالجماهير ولو فقدها المرجع فانه سوف يتراجع في شعبيته ويفقد جماهيره ومقلديه.

وبما أن المرجعية الدينية تأخذ قداستها من أمر الرسول وأهل بيته في إتباعها فانه يجب على من يمثلون مقام المرجعية الدينية وهم العلماء إن يتأسوا بكل ما يحمله الرسول وأهل بيته من صفات العلم والشجاعة والكرم والضيافة وحسن الخلق وصلت الأرحام ومساعدة المحتاج وحفظ الشريعة الإسلامية والدفاع عنها بالفكر والنفس والمال.

لأنهم في مقامهم هذا يمثلون أعلى سلطة لدى الإسلام والمذهب في زمن غيبة الإمام وهم الذين يعكسون صورة الإسلام بتصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم وعملهم.

واما الأمر الثاني وهو الاتصال بالجماهير فهذا هو ما أوجبه عليهم الإمام المهدي (عج) في الاتصال بشيعة آل محمد وقضاء حوائجهم وحفظهم من الظالمين.

وهذا من أهم الأمور لان المؤمن في زمن الغيبة معرض لكثير من الابتلاءات والمحن في دينيه ودنياه ولا يهتدي إلى حلها بمفرده من دون الرجوع إلى العلماء الصلحاء واخذ الحكم منهم, ويجب على الفقهاء أن لا يغلقوا أبوابهم في وجه أتباع أهل محمد ومريدي الحقيقة لكي لا يهدي الناس إلى غيرهم فيقوا في

ظلال مبين, وتكون النغمة على العلماء قبل ان تحل على الجهلاء, كما هو واضح في كثير من الآيات والروايات التي ذمت العلماء الذين لا يقومون بهداية الناس وإرشادهم وتوعيتهم قال تعالى: ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) فقد وصفهم سبحانه باخس الأوصاف وشبه العالم الذي لا يقوم بتأدية وظيفته الدينية كأنه حمار لا يفقه من العلم الذي يحمله شيئاً وقال أيضاً في سورة أخرى موضحاً الغاية من طلب العلم والتفقه في الدين قال تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فالآية تبين بان المراد من تعلم العلم هو إرشاد الناس وهدايتهم, وجاء في الحديث عن أهل البيت عليهم السلام: ( زكاة العلم إنفاقه) وأيضاً قالوا عليهم السلام: ( جاهل متنسك خير من عالم متهتك) وغيرها من الأحاديث التي تؤنب العلماء وتحذرهم من التقاعس عن أداء رسالتهم ودورهم في هداية الأمة من الضياع أو الانحراف عن جادة الشريعة.

وما نشهده اليوم من التطور السلبي في مؤسسات المرجعية الدينية من الاحتجاب عن الناس والابتعاد عن الأمور الاجتماعية وإهمالهم لكثير من العلوم التي تصب في توعيه المجتمع والسير على نسق تخدير الشعوب والاكتفاء بالاتصال بالجماهير عن طريق الرسالة العلمية أو الوكلاء وبعض البرامج الأخرى فقط فهذا أمر مرفوض تماماً ولا بد لنا من وقفة تصحيحية اتجاهه لكي لا يعكس الصورة السلبية عن الحوزة العلمية, وان لا نكون الأداة التي تساهم في استفحال مثل هكذا ظواهر سيئة.

وان هذه السلبيات الذي اشرنا لها هي التي دعت احد الكتاب الإيرانيين إن ينشر مقال في الصحف العامة تحت عنوان “نريد مرجعية على قارعة الطريق” والذي كان يقصد من خلاله بأنه يريد مرجع متصل بالجماهير لا يختفي وراء ألف حجاب وستار.

ونحن نقول لذلك الكتاب نحن معك في مطلبك ونضيف بان هذا المطلب هو مطلب ديني وجماهيري ولابد من تنبيه الأمة على ذلك الأمر فان المرجعية الدينية الصالحة لقيادة الأمة ليست المرجعية التي لا تتصل بالجماهير وإنما المرجعية الصالحة لقادة الأمة وللزعامة الدينية هي تلك التي لا تبتعد عن جماهيرها وتبقى معهم في اتصال دائم وفي كل الأوقات الصعبة أو الحرجة التي تمر بها الأمة وتقف مع ناسها في السراء والضراء, وهذا ليس مجرد ادعاء أو كلام فقط بل التاريخ زاخر في ذكر المواقف البطولية والشجاعة التي سطرها لنا العلماء والمرجعيات الحركية الصالحة, ولو اختصرنا لك الأمر فقط في حوزة النجف الاشرف فإننا سوف نجد على مر الأجيال شخصيات دينية مثلت المرجعية الدينية الحركية في عملها وتحركاتها, من أمثال مرجعية الشيخ محمد سعيد الحبوبي في إعلانه للجهاد ضد الاحتلال البريطاني ووقوفه في ساحات القتال في ثورة العشرين, وأمثال مرجعية الشيخ محمد حسين النائيني في إعلانه لنظام المشروطة ورفضه لمشروع المستبدة, ومن أمثال مرجعية السيد أبو الحسن الأصفهاني في وقوفه بوجه الشعائر المبتدعة وتضحيته بابنه في سبيل رسالة الإسلام ووقوفه بجانب السيد محسن الأمين الذي اخذ

الأخير على عاتقه مبادرة تصحيح الشعائر الحسينية وإصراره على تنزيه الملة من البدع والخرافات وتطوير المنبر الديني, ومن أمثال مرجعية السيد محسن الحكيم وفي إنشاءه للمؤسسات وبث الوكلاء في أماكن ودول عدة, ومن أمثال مرجعية السيد الشهيد محمد باقر الصدر في شجاعته وإقدامه على محاربة الظلم والانحراف الذي أصاب المجتمع الإسلامي وتعريته للتيارات الإلحادية والماركسية التي عجزة عن التصدي لها المؤسسة الدينية لولاه, ووقوفه شامخاً بوجه صدام حسين أعته ظلام العراق وحزبه المجرم واخذ يندد بهم ويحرم الانتماء إليهم, ومن أمثال مرجعية السيد الشهيد محمد الصدر الذي رغم الخوف والذعر الذي دب في قلوب الجميع جراء الظلم الذي تمارسه السلطة ضد أي تيار ديني أو سياسي في العراق ولكنه استطاع أن ينخر ذلك النظام المقبور وان يحيي شعب كامل وان يعيد الحياة الدينية والإسلامية إليه بعد ان وقع أبناءه في متاهات الجهل والانحراف, واستطاع إن يؤسس لأهم فريضة في الإسلام ألا وهي صلاة الجمعة, واستقبال الطلبة الراغبين في الانخراط في صفوف الحوزة العلمية بعد أن كانت حكراً على مجموعات قليلة لا تفي بالغرض لتوعية المجتمع, ومن أمثال مرجعية الشيخ محمد اليعقوبي في استكماله لمسيرة الخط الإسلامي الحركي الأصيل التي اختطها له الشهيدين الصدريين العظيمين في توعية الأمة وبناء المؤسسة الإسلامية القادرة على تحمل مسؤولياتها اتجاه ربها ودينها وتدعيم المشاريع التي باشر بها الصدر الأول من خلال إنشاء حزب إسلامي يكون خاضع لإرادة المرجعية الدينية ويلبي متطلباتها المشروعة, ومشروع السيد الصدر الثاني في استكمال مشروع جامعة الصدر الدينية والتي أصبحت الآن في عموم محافظات العراق وهي ترفد الحوزة بطاقات علمية وتبليغية مميزة وغيرها من المشاريع التي أنجزتها مرجعية الشيخ اليعقوبي خلال السنوات القلائل والتي استطاعت إن تساهم في خلق ثقافة إسلامية مواكبة لمتطلبات المجتمع المعاصر.

ومن خلال هذا العرض المختصر لمسيرة المرجعية الدينية في حوزة النجف الأشرف يتضح لنا ما هو المتحتم على المرجعية الدينية ان تقوم بيه اتجاه أبناءها المحرومين, ويجب علينا ان نميز جيدا بين تلك المرجعيات ومن هي التي تستطيع ان تقوم بالحركة الإسلامية وتنهض بأعباء الأمة لأننا مسؤلون اتجاه ربنا يوم القيامة عن ذلك.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب