ونحن نعيش في هذا الجو الإيماني الأسلامي، أيام عاشوراء العظيم، ندرك كيف تتكامل حياة الأنسان في هذا اليوم ، لأنه ينطلق من الله سبحانه وتعالى ، فعاشوراء كان من أجل الله والحق ،حيث يتقرب المؤمنون إلى الله سبحان وتعالى به ، وفي عاشوراء قال الأمام الحسين عليه السلام : ( ألا ترون إلى الحق لايُعمل به وإلى الباطل لايتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه ،فإني لاأرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برماًً).
ويقول عليه السلام 🙁 إني لم أخرج أشراًً ولابطراًً ولامفسداً ولاظالما، ولاكني خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )..
وهكذا نجده عليه السلام يطلق الصرخة للأنسان كله ،كما أطلق الصرخة للإسلام كله فصرخة الأصلاح في أمة جده صلى الله عليه وآله هي للمسلمين جميعاًً ليتوحدوا في كل زمان ٍ ومكانٍٍ ، على أساس الأسلام الذي يظمهم ويوحدهم ويدفعهم من أجل أن يجعلوا العالم كله إسلاماًً، وليحكم الأسلام العالم من خلال الحكمة والموعظة الحسنة .
ولذا فأن الأمام الحسين عليه السلام عندما قام بثورته لكي يؤكد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ،ومن هنا قال : (ألا إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة ) إنه يريد للأنسان أن لا يكون ذليلاًً، بل ينطلق من خلال العزة التي تؤكد له إنسانيته ، وتبلور له حقيقة إنسانيته من أجل أن يقوم الناس بالقسط وتكون الحرية لهم على أساس خط الله وتكون العدالة لهم على أساس شرع الله ..
وهكذا تحرك الأمام الحسين عليه السلام من قاعدته الأسلامية الكبرى ليركز هذه المفاهيم في شيعته والمسلمين والعالم كله ، فاذا أردنا أن نخاطب العالم فعلينا أن نخاطبهم كما خاطبهم الأمام الحسين عليه السلام ولا نتنازل عن أي مفهومٍٍ إسلامي أو أي شعار إسلامي ، لأن الأسلام لاينطلق من دائرة ضيقة تتأطر بأطار ٍ مذهبي ،أو تبلورت داخل فئةٍ معينة، فهو جاء رحمة للعالمين ، وكل طروحاته وأحكامه ومفاهيمه ومناهجه تنطلق لتكون للأنسان كله وللحياة كلها .
ونريد لعاشوراء أن تكون مناسبة للوحدة ، لاأن تكون مناسبة للفرقة ، لأن الحسين نهض من أجل وحدة المسلمين ولم شملهم الأول الذي فارقهم عليه جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، ونريد لعاشوراء أن تكون حركة من أجل الحرية ، لاحركة يستثمرها الذين يريدون أن يستغفلوا الناس بها وينهبوا منهم أموالهم بالباطل ، فهؤلاء يريدون أن تبقى شعائر عاشوراء تقليد ميت لاحياة فيها ويجمدونها في مكانها وكأنها شيء إمتلكوه دون غيرهم ، بل نريدها أن تكون قوة للعدل ، لا أن تكون وسيلة من وسائل الظالمين الذين يخدرون الناس ويبعدونهم عن أيةِ صرخةٍ للحرية والكرامة الأنسانية..!
فلنجعل من عاشوراء ساحة للإسلام العظيم ، والدعوة والحركة والأفق الواسع في كل العالم ، ولنتأمل صرخة الحسين الهادرة : (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد ، إني توكلت على الله ربي وربكم مامن دابةٍ إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم إن وليّي الله الذي نَزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين )..فلنتأمل هذه الصرخة ونتفاعل معها بكل مشاعرنا وأحاسيسنا ، ونجعل منها عنوانا ً لكل إتجاهات حركتنا في هذه الحياة ..
فيا من تحبون الحسين عليه السلام…… عليكم أن تُعطوه موقفاً من قلوبكم وأفعالكم ،قبل أن تعطوه دمعة من عيونكم ..وعليكم أن تطلقوا صرخة من صرخات الحق في حناجركم ،قبل أن تعطوه صرخة من صرخات الألم في كلماتكم وقصائدكم ،لأنه يريدنا أن نعيش الفرح الذي يختلط بالمأساة ،حتى إذا حدقنا بكل جراحاته وبكل السهام التي أصابت جسده الشريف ،والأحزان التي عاشت في قلبه ،عرفنا أنه كان يقول لنا: أن الرسالة والأسلام أكبر من ذلك ..لقد أرخصت كل دمي وجراحاتي وأهلي في سبيل الله ،فهل ترخصون دمائكم ومواقعكم ومناصبكم وأموالكم وأولادكم في سبيل الله !!!!!
هذا هو الحسين عليه السلام في إيحائات ثورته وحركته ونهضته، فلقد كان يفكر بالمستقبل عندما كان الناصحون ينصحونه وهم يفكرون بالحاضر ، وهذا هو الفرق بين من يعيشون الحاضر راحةً وإسترخاءً ومنفعةً وشهوةولذة ، وبين من يعيشون الحاضر مسؤوليةً ورسالةً وجهاداً ،لأنهم المستقبليون الذين يريدون أن يحركوا الحاضر من أجل أن يصنع المستقبل ..فمن لايكون مستقبلياً لايكون حسينياً …والذي يعيش الحاضر فيستغرق فيه لينسى المستقبل فلايخطط له ،فهذا ليس بينه وبين الحسين قرابة !
لذلك علينا عندما نحبُ الحسين أن نحب رسالته ، ونحب الجهاد الذي جاهده ،ونحب الحق الذي أحبه ، ونحب العدل والأصلاح الذي أراده ،وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..
فالسلام على الحسين وعلى أهل بيت الحسين وعلى أصحاب الحسين …
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين