منذ ستة عشر عاما والوضع في العراق يزداد سوءا وتتسع الهوة بين المواطنين والمسؤولين في السلطات الثلاث نتيجة انعدام الثقة وتراكم المشاكل والأزمات دون القيام باتخاذ القرارات الحاسمة لحلها حلا حقيقيا صحيحا . ويبدو أن كل مسؤول يحاول وضع اللوم على الطرف الآخر مع العلم أن الجميع يشتركون في خندق واحد بحكم المنطق . كما يبدو أن أية حكومة تنفيذية ترى وجودها مجرد وجود مرحلي ربما لا يتجاوز الأربع سنوات يجعل تفكيرها منشغلا في عبور هذه المرحلة بسلام دون الخوض في مشاكل الاصلاح الحقيقي وما ينتج عنه من اصطدامات كثيرة مع عناترة المحاصصة السياسية . الشعب العراقي شعب واع وليس غبيا كما يتصوره بعض الساسة الأغبياء ، وهو يقرأ تماما مجريات الأحداث بشكل دقيق باستثناء بعض الارهاصات الفوضوية التي لا تنتمي الى نسيج الشعب الخالي من الشوائب . وحين يغضب الشعب العراقي لا يرحم ولا يستكين ، بل يقطع بغضبه رؤوس الفاسدين المتاجرين بمعاناته والفاشلين الذين لا يستحقون تبوء المناصب . ومن أجل وضع النقاط على الحروف نقولها بمنتهى الوضوح والصراحة أن الشعب لا يريد اصلاحات آنية مرتجلة ربما تتبخر مع مرور الأيام . نحن نريد اصلاحا شاملا حقيقيا يبدأ من رأس الهرم وينتهي بالقاعدة . وأوجز أدناه بعض النقاط المهمة التي أراها ضرورية بهذا الاتجاه :
أولا : تنشيط القطاع الخاص يلعب دورا مهما لتنشيط اقتصاد البلد ، وأية دولة متقدمة في العالم تسعى دائما الى دعم القطاع الخاص والاعتماد عليه لتقوية اقتصادها واستيعاب أعداد كبيرة جدا من العاطلين عن العمل بدلا من ارهاق ميزانية الدولة بأعداد كبيرة من الموظفين والعاملين الذين سيشكلون طوابير من البطالة المقنعة غير المنتجة . ولابد من ابعاد المحاصصة السياسية والهيمنة الحزبية عن أية خطوة جادة لتنشيطه ودعمه عاجلا أم آجلا ، لأن اقحام القطاع الخاص بمعادلات الأحزاب والمحاصصة سيجعله مكبلا بقيود المتنفذين وسيجعله قطاعا مشلولا فاسدا .
ثانيا : اعادة ترميم وتنشيط المصانع العراقية الكثيرة التي كانت فخرا للاقتصاد العراقي ، والتي أصبحت بعد عام 2003 مجرد أطلال يرثى لها . والطامة الكبرى أن هذه المصانع المعطلة ( تماما أو جزئيا ) تضم الكثير من الموظفين والعاملين الذين لا عمل لهم سوى التوقيع على سجلات الحضور واحتساء الشاي وتبادل الأحاديث واستلام الرواتب دون تقديم أي عمل تنتفع منه الدولة . مع العلم أن اعادة تأهيل هذه المصانع وتشغيلها ليس أمرا صعبا ولا مستحيلا ولا يحتاج الى مبالغ كبيرة كما يروج لذلك البعض من الفاشلين ، ولكن يبدو بشكل واضح أن هذا الأمر لا يروق لبعض الأحزاب السياسية أو أصحاب النفوذ حرصا منهم على استمرار سيطرتهم على عمليات الاستيراد التي وصلت الى استيراد كل شيء .
ثالثا : مواجهة الفساد والتصدي له يحتاج الى الشجاعة والجرأة وليس مجرد شعارات لا فائدة منها . والذي لا يستطيع الكشف علنا عن الأسماء المتورطة بالفساد ( ابتداء من الحيتان الكبيرة وانتهاء بالصغيرة ) لا يمكن له أن يكون أمينا على هذا البلد . ولابد أن يكون الكشف عن الفاسدين بالأسماء الصريحة بغض النظر عن غضب فلان وعلان وتقديمهم الى القضاء من أجل استرداد الأموال المسروقة ووضع حد لمن يفكر بالفساد لاحقا وهذا هو منطق العدالة الذي يتضمن مبدأ العقاب والثواب . وسوف يكون الشعب العراقي السند القوي لأي مسؤول يقوم بهذا الدور الوطني النبيل . وتجدر الاشارة هنا الى أن هيئة النزاهة ليست قادرة على أداء مهامها بالشكل الجريء مما جعلها مجرد هيئة كسائر الهيئات لا حول ولا قوة لها . وهذا الأمر ينطبق على القضاء أيضا .
رابعا : الغاء جميع الامتيازات التي يتمتع بها المسؤولون والمتربعون على الكراسي الفخمة . وليس من العدل والحكمة أن يتقاضى أولئك المسؤولون رواتب خيالية تشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة اضافة الى الامتيازات الكثيرة التي تجعلهم فوق مستوى الملوك والأمراء . ومن الأمثلة على هذه النقطة أن عجيل الياور الذي تسنم منصب رئاسة الجمهورية لبضعة أشهر يتقاضى هو وزوجته نسرين برواري ما يقارب المائة مليون دينار عراقي شهريا يتم ارسال هذا المبلغ لهما خارج العراق في حين أن الكثير من العوائل العراقية لا تجد ثمنا للطعام ولا ثمنا للدواء وتعيش تحت خط الفقر . كما أن الرواتب التقاعدية لأعضاء البرلمان العراقي لا مبرر لها على الاطلاق طالما أن عضو البرلمان رشح نفسه لخدمة الشعب وليس لخدمة نفسه وتأمين مستقبله . واذا استمر الوضع على ما هو عليه فأرى أن ميزانية الدولة بعد خمسين سنة لن تكفي لتغطية رواتب المسؤولين ورواتبهم التقاعدية .
خامسا : التصدي بحزم لجماح الأحزاب السياسية وسطوتها المخيفة وايقاف تدخلاتها الكثيرة في جميع مجالات الحياة . وان هذا الأمر خلق ردود أفعال سلبية من قبل المواطنين تجاه جميع الأحزاب الكبيرة والصغيرة . فليس من المعقول أن تكون ألف دولة ضمن دولة واحدة ، وليس من الحكمة أن المواطن الذي لا ينتمي لأي حزب لا يجد فرصة للعيش الكريم في بلده ، وليس من العدل والانصاف أن تستغل الأحزاب ( خصوصا المتفرعنة ) وجودها للسيطرة على جميع مفاصل الدولة وجميع نشاطاتها مثل العقود والتجارة وعمليات الاستيراد السياحة وغيرها من النشاطات الكثيرة .
سادسا : اتخاذ القرار الحازم الجريء بإلغاء الميليشيات المسلحة كافة وحصر السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل بيد المؤسسات الأمنية التابعة للحكومة فقط . وخلاف ذلك لا يمكن تحقيق الأمان الشامل ولا يمكن تنفيذ أي عمل اصلاحي على أرض الواقع .
سابعا : وضع حد للمحاصصة السياسية البغيضة التي أصبحت محور الفساد والفشل في المجالات كافة والتي نتج عنها بيع المناصب بلا أدنى قدر من الخجل والحياء . وان هذه المحاصصة كانت وما زالت تقف حجر عثرة أمام تقدم وازدهار البلد من خلال فرض أسماء لا تملك الكفاءة والنزاهة على ادارة المواقع المناطة لها ادارة حكيمة .
ثامنا : تعديل قانون الانتخابات الخاصة بالبرلمان أو مجالس المحافظات لضمان وصول أشخاص يملكون الكفاءة والنزاهة والروح الوطنية بعيدا عن هيمنة الأحزاب والكتل السياسية . وليس من الحكمة والعدل أن تبقى تلك الأحزاب والكتل السياسية صاحبة السيادة والقرار على طرح الأسماء المنتمية اليها وكأن الشعب العراقي الذي يبلغ تعداد نفوسه قرابة الأربعين مليونا لا يملك غير أولئك لقيادة البلد .
تاسعا : التصدي بحزم لجميع التدخلات الأجنبية بالشأن العراقي الداخلي وعدم السماح لأي دولة ( مهما كانت ) من نشر أذرعها في العراق . كما يجب التصدي بحزم لجميع القوى الدولية والاقليمية التي تحاول جعل العراق ساحة مفتوحة للصراعات وتصفية الحسابات ، مع ايقاف الترويج الاعلامي لهذه الدولة أو تلك واعتماد سياسة الحياد وحسن التعامل مع الدول كافة وفق مبدأ المصالح المشروعة المشتركة .
عاشرا : التصدي بحزم أيضا لجميع وسائل الاعلام المقروءة والمرئية التي كانت وما زالت تثير الفتن وتروج الاشاعات الملفقة الكاذبة من أجل عدم استقرار العراق وانتشار الفوضى فيه انطلاقا من نوايا قديمة خبيثة انتقامية أو انطلاقا من مخططات مخابرات بعض الدول التي لا تريد للعراق النهوض من جديد .