نرفع القبعة عاليا لشركة هولواي بروذر

نرفع القبعة عاليا لشركة هولواي بروذر

في ثمانينيات القرن الماضي وعندما قدّم والدي (شُكر المحمود) الأوليات الى دائرة الضمان الإجتماعي لينال راتب تقاعدي على خدماته , كان من بين الأوليات مجموعة اوراق ذات لون أصفر مطبوعة باللغة الانگليزية تشهد بأنه عمل (نجّار) في شركة (هولواي بروذر) وهي شهادات تحدد فترة بداية وانتهاء عمله في المشاريع المنجزة من قبل الشركة داخل العراق ومستوى العمل الذي كان ينفذه كعامل في الشركة.

سألت والدي عن الشركة ووضح لي بأنها من أرقى الشركات التي عملت في العراق مشهود لها بدقة التنظيم وجودة العمل , وسرد لي قصة كيف أن المهندس المسؤول عن العمل أمر يوما ما بإزالة أحد دعامات الجسور وإعادة بناءها لكونه قد شاهد اثناء الفحص النظري وجود (نواة تمر) على السطح الاسمني للدعامة وشرح للعمال كيف ان هذه النواة ستترك مكانها فراغ في المستقبل على سطح الدعامة وربما بعد عشرات السنين ستؤدي الى ظهور تشقق أو تصدّع , وبالرغم من صعوبة ومشقة عمل تثبيت دعامات الجسر في قاع النهر إلاّانه لم يتوانى عن اعادة بناءها. كما وسرد لي كيف ان جسر الصرافية لم يتم افتتاحه إلاّ بعد اجراء كامل فحوصات الأحمال القصوى.

ان الإخلاص في العمل والإبداع ليس له علاقة بجنسية الشركة أو العاملين فيها ولكن يحدده الجودة والمتانة ودقة تنفيذ المواصفة ومدى تطبيق سياسة المستوى العالي للنوعية.

لقد سمحت الظروف لوالدي رحمه الله أن يعمل في اربعينيات  وخمسينيات القرن الماضي مع شركة (هولواي بروذر) , وتعلّم من خلال عمله أن يتصف بالدقة والانضباط والاخلاص مع اضافة كونه شخصا عصاميا بنى نفسه بكدّه وكفاحه واجتهاده , وكادحا يسعى في سبيل تنمية ذاته بذاته , ونظرا لما يتمتع به فكان غالبا ما يتم تكليفه بأعمال تتطلبالدقة , وهكذا كان له بصمات مخفية نراها نحن عائلته في الأعمال التي نفذها ولا زالت قائمة نروي تفاصيلها لأحفاده. تفاصيل أعمال تحمل بصمة من الإبداع والدقة والبراعة في التنفيذ جعلته قدوة لنا في الحياة , وبالنسبة لي يمثل واحدة من تلك القصص البسيطة في ظاهرها والعظيمة في مضمونها التي تستحق أن أخلّدها.

عام (1882)م تأسست شركة (هولواي بروذر) البريطانية في لندن واستمرت تحمل الاسم(Holloway Brothers-London) وهي واحدة من الشركات المتخصصة في أعمال البناء والإنشاءات والأعمال المدنية الكبيرة. وقد كان لهذه الشركة دور في تنفيذ العديد من المشاريع في العراق في عهد الحكم الملكي , ولا زالت مشاريعها قائمة حتى الآن تشهد على جودة ومتانة التنفيذ والمستوى النوعي العالي.

من المشاريع التي نفذتها هذه الشركة في العراق:

جسر الشهداء على نهر دجلة في بغداد / تاريخ الإنجاز في تموز-1939م.
أرصفة تحميل النفط في مدينة الفاو / تاريخ الإنجاز عام 1950م.
جسر الصرافية على نهر دجلة في بغداد / تاريخ الإنجاز عام 1950م.
المحطة العالمية لقطارات العراق في بغداد / تاريخ الإنجاز عام 1952م.
جسر الحرية على نهر دجلة في الموصل / تاريخ الإنجاز عام 1958م.
جسر بعقوبة على نهر ديالى / تاريخ الإنجاز عام 1958م.

لقد نفذ مجلس الإعمار العراقي والذي تأسس في زمن العهد الملكي واثناء فترة عمله للفترة مابين  (1950-1958)م سلسلة من المشاريع , ولقد بقيت خطة الإعمار التي أقرّها نافذة في كثير من جوانبها وحتى بعد تغيير الحكم في العراق , وكان من بين التعاقدات التي أبرمها مجلس الإعمار هو توقيع عقد مع شركة (هولواي بروذر) لإنجاز مشروع مجاري عملاق في بغداد يشابه مشروع(مجاري لندن) وذلك بناء على دراسة مستوى التوسع السكاني والعمراني الذي تشهده بغداد , ومن المضحك المبكي وعوادي الزمن الأغبر فقد تم الغاء هذا العقد بعد أحداث عام 1958م بناء على توصية من بعض العقول القاصرة والتي اشارت الى امكانية استخدام هذه المجاري الضخمة في تنفيذ انقلابات ضد الحكم , اضافة الى كون الشركة بريطانية فقد تم اعتبارها من شركات الاستعمار البريطاني , ولو كُتب لهذا المشروع أن يرى النور لما رأينا بغداد اليوم تعاني من واحدة من اعظم المشاكل التي تتمثل بمنظومة مجاري وصرف صحي متهالكة وضعيفة.

ما نراه اليوم من تخبّط وعشوائية في التخطيط للمشاريع وسوء تنفيذ البنى التحتية والذي في جانب كبير منه التعاقد مع شركات غير رصينة ولا تملك مقومات يجعلنا نرفع القبعة عاليا لشركة (هولواي بروذر) وأمثالها من الشركات التي نفذت المشاريع في العراق.