18 ديسمبر، 2024 3:36 م

في كتاب(نذير الطوفان): محمد فلحي يكشف جروحاً نازفة!

*أماني النداوي

أصدر الإعلامي والأكاديمي الدكتور محمد فلحي كتاباً جديداَ بعنوان( نذيرالطوفان) من منشورات مؤسسة ثائر العصامي للنشر والتوزيع في بغداد، وتضمن الكتاب تحليلاتلظواهر ومتغيرات في شؤون السياسة والثقافة والإعلام، في العراق والوطن العربي،تمثل حصيلة نحو أربعة عقود في العمل المهني والبحث الإعلامي، عبر رحلة مثيرة للبحثعن مستقبل أفضل لوطن يستحق نافذة واسعة للأمل،كما يقول المؤلف في مقدمة الكتاب،ويضيف:

“في عصر الديمقراطية المستوردة كنا ننتظر وليداً جميلاً من مخاض المعاناةوالألم والخوف لكن الولادة تعسرت والملامح تشوهت،والسفينة التي وضعنا فيها كل أحلامنالم تصل ضفة الأمل،ورحنا نتمايل بين جانب وآخر لعلنا نستقر عند قمة(الجودي) الموعود!

في عصر الطوفان الذي يحاصرنا لن نكسر الأقلامأو نطوي الصحف، لأن محبة الوطن لا بد أن تكونحافزا للتعبير عن ذلك الألم النبيل، وأفضل شرف للمبدع هو مقارعة القسوة والفساد والفوضى، وزرع شجيرات الأمل والصبر، ولسوف نصنع المستقبلمن داخل الوطن، وليس من خارجه،فالحياة لا تزدهر في ظل الانتظار”!

يتضمن الكتاب أربعة أبواب، الباب الأول بعنوان(فضاءات غائمة) ناقش فيه المؤلف ظاهرة التداخل بين المتغيرات السياسية والإعلاميةوالاتصالية والاجتماعية في المجتمعات المعاصرة، موضحاً: أن هذه المقالاتوالبحوث تُعبّر عن وقائع عجيبة وتطورات خطيرة شهدتها بداية القرن الحاديوالعشرين،في مقدمتها ما يمكن أن نسميه(الطوفان الإلكتروني) الذي رافقته احتجاجاتشعبية شبابية ما تزال تفاعلاتها مستمرة وتنذر بالخطر،في كثير من البلدان، ومنبينها العراق، وترصد أحداث مرحلة مهمة في التاريخ العربي المعاصر، لعل تلكالكتابات تكون شمعة مضيئة أمام صورة نطمح أن نراها بوضوح، في طريق ما يزال طويلاًوصعباً، كما يبدو، أمام جيلنا الحالي والأجيال المقبلة.

لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يوقف الطوفان، ولكنيتعين على السياسيين التقليديين والجدد أن يتعلموا كيفية السباحة،وسط تياراتالفضاء الالكتروني، لكي يستطيعوا النجاة بأنفسهم وبلدانهم، قبل فوات الأوان،حيث لاينفع الندم!

يقولالمؤلف:لم تعد لغة الوعد والوعيد صالحة في مخاطبة الناس من قبل الحكام،وقد سقطتلغة القوة والترهيب، منذ عقود، عندما أصبحت الموجات والشاشات وصناديق الاقتراعوسيلة الوصول إلى السلطة،وقد ظلت المنطقة العربية، مع الأسف، تعاني حتى وقتقريب،من عجز في تطوير الأنظمة الحاكمة، وهيمنة الخطاب الرسمي الواحد،وجمود اللغةالسلطوية التي تفتقد المرونة والتفاعل مع عقلية الأجيال الشابة، التي تعايشت معوسائل الكترونية(سمعية وبصرية) مثل الألعاب الرقمية (كاندي كراش والبوبجي) والحاسوبالمحمول(لاب توب) والهاتف النقال(موبايل)..واستخدمت برامج التواصل عبر هذه الأدواتالجديدة بذكاء وإدمان وإفراط مثل تطبيقاتالمحادثة والدردشة(الماسنجر) و(السناب شات) والمدونات والفيس بوك وتويتروانستغرامويوتيوب وغيرها الكثير، حيث تدفقت المعلومات، وتمت صياغتها وتداولها واستخدامها،بعيداً عن نظر الرقيب، وقد اضمحلت صورة السياسي، وتآكلت تدريجياً، سلطة الحاكمالذي كان يحتكر الثروة والسلاح والمعلومات ويوظفها، وفقاً لمصالحة ورغباته وأهدافه”.

في البابالثاني( ظواهر تحت النظر) يطرح المؤلف بعض الظواهر الإعلامية الجديدة وأبعادهاالسياسية وتداعياتها الاجتماعية، فيشير إلى ظاهرة الدراما التلفزيونية الرمضانيةوخصائصها وتأثيراتها،كما يتناول ما يسميه( سقوط الفصاحة الإعلامية) من خلالالتساهل المفجع في كثير من وسائل الإعلام، وبخاصة التلفزيون، في شروط إجادة اللغةالعربية لدى أغلب المذيعين والمتحدثين عبر الشاشات،ويضيف فلحي:” إن التساهلفي شرط إجادة اللغة الفصحى، الذي نشهده اليوم، لدى مذيعي أغلب الفضائياتالجديدة،يمثل جزءاً من ظاهرة إعلامية، يهيمن فيها الإعلام الالكتروني على الإعلامالمطبوع، وتسيطر فيها لغة الصوت والصورة على لغة الكتابة والحرف، في ظل فضاءمفتوح، وتفاعل مباشر بين المرسل والمتلقي،ولعل ظاهرة المدونات الشخصية والنشر فيالمواقع الالكترونية على شبكة الإنترنيت، بدون رقابة، تعبّر عن التطور الذي يشهدهالواقع الإعلامي،حيث لم تعد قواعد اللغة المكتوبة تمثل حواجز صارمة أمام من يريدالتعبير عن فكرة أو رأي أو قضية في ظل ما أصبح يعرف ب(صحافة المواطن) التي لاتلتزم بالقواعد المهنية المعروفة.

في الباب الثالث( لقطات من الشاشة المضيئة) يطرحالمؤلف ظاهرة التداخل بين شاشتي التلفزيون والسينما وانعكاساتها النفسيةوالقيمية،كما يتناول في بحث آخر مشكلة تزايد (قنوات النصّابين) التي تروج للشعوذةوالدجل والجهل بدلاً من التوعية العلمية والثقافية والدينية الرصينة المطلوبة فيالعصر الراهن،الذي يسمى( عصر المعلومات)!

في الباب الرابع( شخصيات ومواقف) يسلط المؤلفالضوء على ثلاث شخصيات يعدّها قدوة في الدين والعلم والثقافة،من خلال عطائهم الإبداعيواستقلالهم الفكري، وكان للمؤلف مع كل واحد منهم قصة تروى عن علاقة فكرية عميقة،وهم كل من السيد حسين محمد هادي الصدر،والمرحوم الفيلسوف الناقد الدكتور مدنيصالح،والمرحوم الإعلامي الدكتور ابراهيم الداقوقي.

أخيراً يمكن القول أن( نذير الطوفان) محاولة جادةمن كاتب وطني مستقل لمعالجة جروح نازفة في المشهد السياسي والإعلامي والثقافيالعراقي والعربي،وهو يقدم رؤية تحليلية ناقدة معاصرة ومستقبلية للكثير من الظواهرالمهمة.