العراقيون اليوم في الداخل والخارج ينظرون بحذر شديد إلى ما يجري في بلدهم العراق الذين اختاروا كما يبدو بل شرعوا في استثمار الصمت والسكوت بعد الصراعات الجديدة المذهبية والإقليمية والطائفية داخل وخارج قبة البرلمان والتشابك بالأيدي بين الإخوة الحلفاء الأعداء . وأمريكا ليست قادرة بالطبع على حسم الأمور السياسية في العراق بعد أن بدأ شبح الهزيمة والانحناء يظهر للعيان أمام إيران لما تتمتع هذه الدولة الأخيرة بإمكانية ضرب كافة مدن العراق بقنابل ذات قوه تدميريه هائلة تسكت وتطفئ لهيب القوة الأمريكية وهذه الحقيقة المرة التي يمكن أن يتقبلها الجميع اليوم .
وضد كل من يقف في وجهها وتستطيع إن تمرر صفقات كثيرة قد يجني منها بعض الساسة الموالين لإيران مكاسب ومغانم وصفقات كبيرة ومناصب كبيرة في الدولة نعم وهذا ما حدث .
لكن السلاح الخطير والحاسم الذي يمكن أن تستخدمه أمريكا هو التخلي عن حلفائهم الحقيقيين الموالين لها وهذه الحقيقة الثانية وهم معروفون على الساحة السياسية العراقية وضاعوا كما ضاعت وضعفت أمريكا .
وما كانت تحلم به أمريكا لها في الداخل والخارج القريبون منها والبعيدون ذهب أدراج الرياح فمعركة العراقيين الأصليين مع الأمريكيين والإيرانيين السياسية والعسكرية تحولت إلى مرض عضال أصاب الإدارة الأمريكية بالشلل النصفي فعلى الرغم من إن قوات الاحتلال خاضت معارك اعتبروها خاطفه وحققت النصر لهم في المراحل السابقة والسؤال هنا يطرح نفسه ما هو الحل وأصدقاء الأمس من السياسيين العراقيين الذين دخل بعضهم إلى بغداد على أبراج الدبابات الأمريكية وقد تحولوا إلى أعداء بل إلى وسطاء بينهم وبين دول إقليميه أصبح سلاحهم وعاد نظام الاستئثار بالسلطة بعيدا عن الديمقراطية المزعومة والثورات البنفسجية .
وما هي الإجابات لآلاف الأسئلة المحيرة في كل يوم والتي ما عادت تنفعها جلسات البرلمان ا واجتماعات ولقاءات على مدار الساعة والاتصالات المستمرة للرئيس اوباما ووزير الخارجية الأمريكي الجديد ووزير الدفاع ومساعديه ومستشاريه في كافه إرجاء العالم تطلب يد العون والمساعدة لخروج قضية العراق اليوم من هذا المستنقع يا له من مأزق كبير وقع فيه الأمريكان ومن تحالف وشارك وساند وأيد على هذا الاحتلال البغيض وأحب إن اذكر دائما نحن معشر العراقيين لا ننسى ابدأ من أحسن وأساء لنا وهذا عزائنا .
والأيام القادمة ستشهد وهنا أريد إن اكتب عن السياسة الأمريكية وكيفية كتابة الدستور بأيادي أشباه العراقيين الذين يحملون جنسيات مختلفة وأفكار أمريكية . منذ أن بدأت حركة التدوين الدستوري في نهاية القرن الثامن عشر إثر بروز فكرة الدولة بالمفهوم الحديث للمجتمع المنظم سياسياً، ثار تساؤل علي صعيد الفقه الدستوري مفاده أيهما أسبق في الوجود النظام السياسي أم النظام القانوني؟ وقد ترتب علي ذلك التساؤل البحث عن أفضل السبل وأنجعها في كتابة الدساتير حتى قيل أن الدستور يجب أن يكتب من قبل النخبة أو الصفوة أو حكماء القوم الأفذاذ الذين تتوافر فيهم صفات عديدة منها الموضوعية والكفاءة والقدرة علي التحليل والتنظير واستشراف المستقبل وتحديد اتجاه سير المجتمع لسنين قادمة في ضوء المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع.
إن مثل أولئك الأشخاص ينتخبون أو يختارون ويشكلون السلطة التأسيسية التي تولت أعداد وكتابة الدستور. وهذه اللجنة حالما انتهى عملها دون أن لا يكون لأي من أعضائها حق التقديم أو الترشيح لمناصب سياسية في ما بعد .
أن السلطة التأسيسية بالوصف المتقدم هي أعلي وأسمي سلطة يتشاور أعضاؤها فيما بينهم للاتفاق علي بنود الدستور دون أن يكون هناك أي تأثير أو محاباة أو تدخل لحزب أو فئة أو طائفة أو أي تنظيم علي حساب الآخر.
وإذا كان الدستور وليد السلطة التأسيسية في يومنا هذا ، فإن السلطات المؤسسة هي وليدة الدستور ومنبثقة عنه ومنه تستمد وجودها وشرعيتها، إذ أن الدستور يحدد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويحدد اختصاص كل منها علي أساس مبدأ الفصل بين السلطات. وهذا يعني أن السلطة التأسيسية التي تضع دستور البلاد هي أعلي مقاماً وأسمي منزلة من السلطة المؤسسة ( السلطة التشريعية ) لأن الأخيرة وليدة عمل الأولي ولا تملك الأخيرة أن تخرج علي الإطار الذي حددته الأولي وإلا ثارت عليها الرقابة علي دستورية القوانين . ولو أرجعنا النظر إلي دستور العراق الذي كلفت الجمعية الوطنية بكتابته بموجب المادة 60 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ، والذي ثارت بشأنه عشية وضعه جملة من التساؤلات في ما إذا كان يعد دستوراً للبلاد أم انه قانون يمهد لإصدار قانون دائم وبرغم المساجلات الفكرية حوله، فإن الرأي الراجح يعده دستوراً لأنه نظم آلية تكوين السلطة وانتقالها وحدد شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم وأكد علي العديد من الحقوق والحريات العامة. وقد اقتبس الدستور الجديد العديد من مواده من قانون إدارة الدولة، بل أن هذا الدستور لم يخرج علي روح ذلك القانون – لوجدنا أن الجمعية الوطنية .
( السلطة التشريعية ) هي سلطة مؤسسة لا يمكن أن تأخذ دور السلطة التأسيسية علي النحو السابق بيانه وتقوم بكتابة دستور العراق برغم نص المادة (60 ) .
كما آن الجمعية الوطنية تمثل الأحزاب والكتل السياسية والكيانات التي دخلت العملية الانتخابية الأخيرة في 7/ آذار / 2010م ولا تمثل الشعب العراقي بكل أطيافه بعد ظهور الطائفية السياسية وبروز عناصر الوحدة الطائفية المقيتة باجتثاث عدد كبير من السياسيين العراقيين فضلاً عن إن أعضاءها لا يتحدثون باسم العراق بقدر ما يمثلون الأحزاب التي أوصلتهم إلي الجمعية علي خلاف الأصل القانوني في وظيفة النائب البرلماني الذي يمثل كل الشعب وان ينسلخ من انتماءاته الحزبية أو المذهبية أو القومية وان يكون للعراق لا للحزب الذي جاء به. إن هذا النهج لا يمهد لتأسيس دولة قانونية ويجعلنا نقف أمام دستور سياسي لا دستور قانوني .
أن اختلف رجال الفقه في تعريف الوثيقة الدستورية باختلاف الزاوية التي ينظر منها رجل السياسة عن رجل القانون .
وإذا كان القانون يعرف الدستور بأن مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد شكل الدولة (في ما إذا كانت بسيطة موحدة أو مركبة فدرالية وطبيعة نظام الحكم ملكياً كان أم جمهورياً ، برلمانياً أم رئاسياً ويحدد السلطات العامة برسم العلاقة فيها فضلاً عن الأسس الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع ، فإن رجل السياسة يعرف الدستور على حد تعبير الفقيه الفرنسي موريس فروجيه بأنه قانون أولئك الذين وضعوه في إشارة إلى الأحزاب والكتل السياسية التي بصمت أفكارها وفلسفتها ورويتها وخياراتها في تضاعيف الدستور، ومثل هذا الدستور لن يحقق بناء دولة المؤسسات الدستورية التي لا تتأثر بتغيير الأحزاب السياسية أو تغيير شخص الحاكم وإنما يمهد لولادة دكتاتوريات الشخص الحاكم أو لديكتاتورية الأقلية وهذا ما حدث ويحدث في بلدي العراق .
وقد أثبتت التجارب فشل الدساتير وانهيار المجتمعات والدول التي قامت علي مثل تلك الأيدلوجيات السياسية . إذ أن تلكم الدساتير تفصح عن رؤى ونيات وتطلعات واضعيه أكثر مما تفصح عن تطلعات الشعب وأمانيه حتى إذا ما تعرضت الدولة لهزة سياسية سقط الحزب الحاكم ومؤسساته وأنفل الدستور وانفرط عقده وانهار الأمن والاستقرار وشاعت الفوضى والاضطرابات، ولعل ما حصل بعد سقوط النظام السياسي العراقي ودستور 16 تموز 1970 علي يد الاحتلال الغاشم بعد 9/ 4/ 2003 ما يكشف عن مخاطر الدستور السياسي.
ومثل ذاك ما نخشى تكراره مجدداً في دستور العراق حتى ولو كتب له النجاح لأنه يمثل خيارات وأمنيات ونيات الزعامات السياسية الجديدة لا خيارات وأمنيات وطموح الشعب العراقي.
وقد تجلت نيات الأحزاب السياسية ورغباتها في الدستور في أكثر من موطن بدءاً من الديباجة وما تحمله من نزعة طائفية مروراً بالمبادئ الأساسية ولاسيما في ما ورد في المواد (3، 7، 10، 13) والحقوق والحريات العامة وما جاء بالمواد (18 أولا ورابعاً، 29) وآلية توزيع السلطات والاختصاصات بين السلطات الاتحادية والسلطات المناظرة لها في الأقاليم والمحافظات التي لم تنتظم في إقليم المادة (118 ثالثاً ورابعاً وخامساً). وانتهاءً بالإحكام الختامية والإحكام الانتقالية ولاسيما المواد (124، 131، 132، 135، ثالثاً/ ج ، د ، 136.
خلاصة القول أن ذلك الدستور الجديد للعراق أن لم تتم معالجة نقاط الاختلاف فيه التي تمهد لتقسيم العراق وتجزئته أرضاً وشعباً وهوية، فإننا كما اعتقد سنكون أمام دستور سياسي كتبته أيدي الأحزاب السياسية التي جاءت مع الاحتلال ولن يحقق ذلك الدستور الأمن والاستقرار آو يقضي علي الاضطرابات السياسية. وهذا ما لا نريده للعراق وإنما نريد دستوراً قانونياً يعبر عن خيارات الجميع ويمهد لولادة قانونية تقوم علي أساس وجود منظومة قانونية لا تتوقف علي الشخص أو الحزب الحاكم ولا تعتمد علي الأشخاص القادة بقدر ما تعتمد علي البرامج الناجحة لإدارة البلاد بما يرضي الله والعباد.