22 ديسمبر، 2024 10:05 م

نحو عالم جديد تحكمه المصالح

نحو عالم جديد تحكمه المصالح

كان للقاء الشيخ عبد الله بن زايد  وزير خارجيةدولة الامارات والسيد يائير لابيد وزير خارجية دولة اسرائيل قبلبضعة ايام وفي اول زيارة رسمية لمسؤول اسرائيلي رفيع  لدولةالامارات إنعطافة مهمة في التأريخ السياسي لكلا البلدين ، فقدأثبت الطرفان بلقائهم وما سطروه  من كلمات في مقال مشتركتناولته العديد من الصحف  و وسائل الإعلام العربية والدولية ،على انه  فصل جديد من الدبلوماسية  الحكيمة التي سوفيستكملوا بها مسار ترسيخ بذور السلام والازدهار في  الشرقالاوسط . فبعد قراءتي للمقال المشترك (We Decided Otherwise )  (أخترنا وبشكل مختلف ) ، خلُص ذهني الىمسألتين رئيسيتين تضمنهما  المقال المشترك ، الاولى كانتتساؤل يتناغم الى حد كبير مع ما يفرضه العقل والمنطق ، هلأن الماضي يحدد المستقبل ، أم ان مصيرنا بأيدينا ؟

و بينما أفكاري مستغرقة في هذا التساؤل اول ما تناهى الىخاطري هو أننا كمجتمع عربي لا زلنا للأسف نفكر في المستقبلبطريقة فردية ، وكأن المستقبل هو للفرد وليس للأمة .

وهذه اولى اسباب تراجع العقل العربي والتي قادت فيما بعدالى انهيار  النهضة العربية ، فالعرب بطبيعتهم  طالما جعلوامن الماضي منجزاً  يتبجحون به بمناسبة وبغيرها ، متباهينبأمجاد وحضارات عفى عليها الزمن ولم يبقى منها سوى غبارهاو اسماءها ، بخلاف امم كثيرة لا تمتلك اي موروث حضاري اوثقافي لكنها استطاعت ان تسطر اروع واعظم الانجازات التيخدمت الانسانية بفضل ارتقاء مستوى تفكيرها الفرديبالمستقبل الى المستوى الجماعي الذي يعبر عن مستقبلالدولة والمجتمع .

فالتخطيط المبني على استحضار العقل والحكمة  للمستقبلمرتبط بطبيعة اللحظة التي نعيشها في الحاضر، فماذا تنتظر منإنسان يتغنى بماضيه المندثر و يرفض حاضره باستمرار؟ بكلتأكيد سوف لن ينجح في التخطيط لمستقبله ولن يصل إلىتحقيق أهدافه وطموحاته . لكن القادة في دولة الاماراتكسروا  قيود نمطية التفكير العربي الممُلة بوعيهم الدقيقلحسابات الحاضر  الذي يعيشونه واستشرافهم لمستقبل واعدتنشده كل شعوب المنطقة في العيش بسلام و أمان وازدهار  . 

لقد ادركت القيادة الاماراتية ان وجود اسرائيل كدولة بات بحكمالأمر الواقع في العقل السياسي العربي وانها لاعب مؤثر فيالمنطقة كأي دولة اخرى ، كما أدركت جيداً  بان مفهوم الصراعالعربي الاسرائيلي قد نفذ مفعوله واصبح يحمل عنوانا اخر أكثرإختصارا من خلال عزل العنوان العربي عن هذا الصراعوتوصيفه بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، كما ادركوا ان عمليةالسلام لم تعد تعني الدول العربية  إلاً بالقدر الذي تعتقده هذهالدول في انه ضروري لتحقيق السلام في المنطقة وتجنبالحروب ، فمتى يدرك الاخرون هذا الواقع ، ويكفوا عنالشعارات القومجية الفارغة والاسلاموية الكاذبة وان يعوا بأنلأوطانهم وشعوبهم مصالح أسمى وأثمن من شعاراتهم الخرقاءوان يفهموا بأننا نعيش عصراً جديداً من السياسة يفرض  علىرجالاتها اللجوء الى لغة الواقع وتحديد اتجاه بوصلة المصالحبشكل سليم

اما المسألة الثانية التي وردت في المقال المشترك فهي تلكالمتعلقة بالعقبات والتحديات التي تواجه استمرار عمليةالتطبيع العربي الاسرائيلي ، وان نجاحها يحتاج للتغلب علىالقوى التي تحاول تقويض تلك العملية ، وهنا جاء المقالبإشارة واضحة لتلك الدول التي تخفي  انظمتها السياسيةرغبتها في إقامة أطيب العلاقات وأوسعها مع إسرائيل ، و هنااود التنويه الى الظروف المحيطة وحجم التحديات التي تواجهالعديد من دول المنطقة ، فالنفوذ الايراني  المتغلغل فيالعديد من تلك الدول  ودوره المزعزع لاستقرار المنطقةوتدخله المفضوح في شوؤن دول الجوار  ليصل الى حد الهيمنةالكاملة ، هو رأس الرمح في مجموعة العقبات التي تقوض عمليةالسلام وخلق شرق اوسط آمن ومستقر  . وبما ان العراق جزءمهم من منظومة الشرق الاوسط ، علينا  ان ندرك بأن نظامهالسياسي الحالي وما يتخلله من فوضى ، غير مؤهل لإقامة ايشكل من أشكال العلاقة مع اسرائيل بفضل وجود هكذا نظاممتهرئ وعاجز  ، خصوصاً وان صناعة القرار العراقي ومنذ عام٢٠٠٣ باتت رهينة ومقيدة  ، مما يسهم ذلك الى حد كبير  فيايقاف عجلة التطبيع وتقويض فرص السلام في المنطقةوعلىضوء ما أسلفتاطمح وغيري من المؤمنين بضرورة إحلالالسلام في المنطقة الى تشكيل تحالف اقليمي يضم اسرائيلودول التطبيع العربي يستهدف مواجهة هذه التحديات ويُحجممن النفوذ الايراني في المنطقة ، فهو الخيار الأمثل لكل دولالمنطقة وشعوبها  كي تعيش بسلام وأمان و إزدهارويبقىالهدف من كل هذه الأفكار  هو تعبئة الرأي العام العربي بأننتائج ايجابية كبيرة ومثمرة يمكن ان تجنيها شعوب المنطقةفيما لو مضت بعجلة السلام  ، وعلى اسرائيل ودول التطبيعالعربية ان تعي جيداً انها أصبحت ملزمة في إبراز كل الجوانبالايجابية لعملية التطبيع وأننا نعيش عالماً جديداً يختلف عماكنا نعيشه بالأمس ، عالماً يعكس فكراً  واقعياً جديداً  تحكمهالمصالح فقط ، مصالح الشعوب والأوطان .