18 ديسمبر، 2024 11:28 م

نحو توافق وحدوي إسلامي !!!

نحو توافق وحدوي إسلامي !!!

يتساءلُ معظمُ المسلمين عن أسباب حصول الفرقة بين المسلمين ، و يتساءلون ؛ لماذا تفرّقت الأمّة المسلمة التي ربُّها واحد ونبيها واحدٌ وقرآنها واحدٌ وقبلتها وحجها واحدٌ وصيامها واحدٌ وعيداها واحدان وزكاتها واحدة ٌ وجهادها واحدٌ ومعادها واحدٌ ؟!!!

يقول شيخ بغداد العلامة الكبير الدكتور حسين علي محفوظ الأسدي (رحمه الله) :

(( أليس من العيب على الأمّة الإسلامية أن تختلف لأجل أربعة آلاف مسألة شرعية من بين ستين ألف مسألة في دين الإسلام ؟! .. ))

والحالة هذه ؛ فدين الإسلام يحتوي على ستين ألف مسألة شرعية ، اتفق المسلمون على ست وخمسين ألف مسألة واختلفوا على أربعة آلاف مسألة من المسائل الشرعية في دين الإسلام .

الإسلام العظيم هذا ؛ بتجربته التي تجاوزت الـ 1435سنة من عمر رسالة الإسلام .. بجميع طوائفه السنية والشيعية المختلفة على أربعة آلاف مسألة شرعية والمتفقة على ست وخمسين ألف مسألة شرعية لم يستطيعون أن يؤسسوا هيئة شرعية من كافة العلماء والمراجع .. العقلاء والمفكرين في معالجة وتسوية الاختلاف على المسائل المختلف عليها .. لماذا ؟!!!

ألا يروق للقيادات والمرجعيات ومراكز الإفتاء والشرع في أمّة الإسلام أن يتوحد المسلمون من خلال تفتيت الاختلافات التي تفرقهم منذ أكثر من ألف عام ؛ وهي خلافات تعتبر نسبتها أقل من(7%) من المسائل الشرعية في دين الإسلام ؟!!!

هذه النظرة التي تبدو أول وهلة متفائلة جداً؛إلا أنها موضع تفاؤل حقاً ، لمن يريد أن يحقق الألفة والمحبة والتقارب بين أبناء الأمّة المسلمة..بجميع مذاهبها وطوائفها وفرقها في العالم .

وكي نكون بالصورة الكاملة عن سير موجزة لأئمة الإسلام الأربعة من أهل السنة والجماعة ، نبين مايلي :

الإمام أبو حنيفة رحمه الله 80 ـ 150 هـ هو النعمان بن ثابت مولى بني بن ثعلبة تفقه على حماد بن أبي سليمان وغيره . ومن تلامذته : زفر بن الهذيل العنبري، والقاضي أبو يوسف، ونوح بن أبي مريم، وأبو مطيع البلخي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، ومحمد بن الحسن الشيباني، وحماد بن أبي حنيفة، وخلق . قال الذهبي رحمه الله : ” برع في الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه ، وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال، وتخرج به الأصحاب” ثمَّ قال : ” وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء، والأولياء الأذكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة، وقيام الليل رضي الله عنه “. وقال ابن كثير رحمه الله :” الإمام أبو حنيفة… فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة “. وقال ابن العماد في ” شذرات الذهب “: ” وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة؛ بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صنَّاع وأجراء رحمه الله تعالى”. وقد أورد الذهبي وابن كثير وابن العماد المقولة المشهورة عن الإمام الشافعي فيه حيث قال :” الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ” . وقال سفيان الثوري وابن المبارك : ” كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه “. فرحمه الله رحمة واسعة ورضي عنه وأجزل له المثوبة .

الإمام مالك بن أنس ت 179 هـ هو أبو عبد الله مالك بن أنس الحميري الأصبحي ،،، أخذ عن نافع ولازمه، وعن سعيد المقبري، والزهري، وابن المنكدر، ويحي بن سعيد القطَّان، وأيوب السختياني، وأبي الزناد، وربيعة، وخلق . وروى عنه من شيوخه: الزهري، وربيعة، ويحي بن سعيد، وغيرهم . ومن أقرانه : الأوزاعي، والثوري، والليث، وخلق . وروى عنه أيضاً : ابن المبارك، ومحمد بن الحسن، والشافعي، وعبد الرحمن بن مهدي، والقعنبي، وخلائق . قال الذهبي رحمه الله تعالى :” هو الإمام العلم شيخ الإسلام ” ثمَّ قال :” عظيم الجلالة، كثير الوقار” ثمَّ أورد قول ابن سعد في الطبقات فقال : ” كان مالك رحمه الله ثقة، ثبتاً، حجة، فقيهاً، عالماً، ورعاً “. قال ابن كثير رحمه الله :” أحد الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المتبوعة” ثمَّ قال : “ومناقبه كثيرة جداً، وثناء الأئمة عليه أكثر من أن يحصر في هذا المكان ” . وقال ابن العماد في” شذرات الذهب “: ” إمام دار الهجرة ” ثمَّ قال :”شهير الفضل” .وقد أورد العلماء قول الشافعي فيه :” إذا جاء الحديث فمالك النجم” وقال :” من أراد الحديث فهو عيال على مالك ” . فرحمه الله رحمة واسعة، ورضي عنه،وأجزل له المثوبة . الإمام الشافعي رحمه الله 150 ـ 204 هـ هو محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي المكي المطلبي، الفقيه، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم . تفقه على مسلم بن خالد ( فقيه مكة )، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، ومالك بن أنس، ومحمد بن الحسن، ( الفقيه )، وخلق سواهم . وتفقه به جماعة منهم : الحميدي، والقاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، والمزني، والربيع بن سليمان المرادي، والبويطي، وخلق سواهم . قال الذهبي رحمه الله :” الإمام العَلَم،… الفقيه، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وقال:” كان الشافعي – مع عظمته في علم الشريعة وبراعته في العربية – بصيراً في الطلب نقل ذلك غير واحد “. وقال ابن كثير :” وقد أثنى على الشافعي غير واحد من الأئمة منهم : عبد الله بن مهدي، وقد سأله أن يكتب له كتاباً في الأصول فكتب له الرسالة وكان يدعو له في صلاته، وكذلك أثنى عليه شيخه مالك بن أنس، وقتيبة بن سعيد – وقال هو إمام -، وسفيان بن عيينة، ويحي بن سعيد القطّان -وكان يدعو له أيضاً في صلاته، وأبو عبيد القاسم بن سلام – وقال : ما رأيت أفصح، ولا أعقل، ولا أورع من الشافعي -، ومحمد بن الحسن، وخلق كثير، وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحواً من أربعين سنة، وكان أحمد يقول إنه مجدد المائة الثانية … إ.هـ مختصراً. وقال ابن العماد الحنبلي في “شذرات الذهب” : ” فقيه العصر، والإمام الكبير”. وقال إسحاق بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال : تعال حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله . قال: فأقامني على الشافعي . وقال الإمام أحمد:”ما أحد مسَّ محبرة، ولا قلماً؛ إلاَّ للشافعي في عنقه منة” وقال:” كان من أفصح الناس ” . فرحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة ورضي عنه . الإمام أحمد رحمه الله 164 ـ 241 هـ

هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثمَّ البغدادي . من شيوخه : سفيان بن عيينة، والقاضي أبو يوسف، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، وخلق كثير . وروى عنه من شيوخه: عبد الرزاق، والشافعي، وخلق . ومن تلاميذه: البخاري، ومسلم، وأبو داود . ومن أقرانه: علي بن المديني، ويحي بن معين، وخلق . وقد ترجم له الذهبي في” تاريخ الإسلام ” بترجمة طويلة ومما أورده فيها قول الإمام الشافعي رحمه الله :” خرجت من بغداد، فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد ” وقال:” ما رأيت أعقل من أحمد ” . وقال إسحاق بن راهويه:” وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل ” . وقال ابن معين:” ما رأيت مثل أحمد” . وقال ابن كثير رحمه الله:” وقد طاف أحمد بن حنبل في البلاد والآفاق، وسمع من مشايخ العصر، وكانوا يجلونه ويحترمونه في حال سماعه منهم ” ثمَّ قال:” وقد قال الشافعي لأحمد لمّا اجتمع به في الرحلة الثانية إلى بغداد سنة تسعين ومائة – وعمر أحمد إذ ذاك نيف وثلاثون سنة – قال له:” يا أبا عبد الله، إذا صحَّ عندكم الحديث فأعلمني به أذهب إليه؛ حجازياً كان أو شامياً أو عراقياً أو يمنياً “ثمَّ قال ابن كثير رحمه الله معلقاً على ما تقدم:” وقول الشافعي له هذه المقالة تعظيم لأحمد، وإجلال له، وأنه عنده بهذه المثابة، إذا صحَّ أو ضعف يرجع إليه. وقد كان الإمام بهذه المثابة عند الأئمة والعلماء، كما سيأتي ثناء الأئمة عليه، واعترافهم له بعلو المكانة؛ في العلم والحديث، وقد ذاع صيته في زمانه، واشتهر اسمه في شبيبته في الآفاق ” . ثمَّ ذكر جملة في فضائله وشمائله وثناء الأئمة عليه . فرحمه الله رحمة واسعة، ورضي عنه، وأجزل له المثوبة . ومن لطيف ما ذكر ابن كثير في ترجمته حديث ” نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة” فقد رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي وعن الإمام مالك ثمَّ ساق الإسناد . فمن خلال ما تقدم يتبين لنا كيف أن تاريخ الأئمة الأربعة من أئمة أهل السنة والجماعة لم يتجاوز عام 241 هـ بعد رحيل الإمام أحمد بن حنبل (رض) . فبقيت الأمّة حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري تتبع هؤلاء الأئمة . فما بال من يلجأ ويعدل عنهم جميعاً ، ليتبع مذهباً ولد بعد ألف عام من تاريخ آخر الأئمة الأربعة المتبعين من قبل عامة المسلمين السنة في العالم ؟!! ولكي نأخذ فكرة موجزة عن المذهب الوهابي ؛ نبين ما يلي : السلفية الوهابية أو الوهابية مصطلح أطلق على حركة إسلامية سياسية قامت في منطقة نجد، وسط شبه الجزيرة العربية، في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي (1703ـ1792) على يد محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود ، حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية. وقد كانت بدايتهما في الدرعية، إذ أعلن محمد بن عبد الوهاب الجهاد، فشن سلسلة من الحروب (وكانوا يسمونها بالغزوات ، صادروا فيها أموال خصومهم من المسلمين بشبه الجزيرة ، وكانوا يسمونها بالغنائم ، وخسر العديد من المسلمين أرواحهم نتيجة هذه الحروب، واعتبرتهم مصادر عديدة أنهم بذلك خرجوا على الخلافة الإسلامية ، التي كانت تحت حكم العثمانيين بينما اعتبرها الوهابية إقامةً لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهيرًا لأمة الإسلام من الشرك، الأمر الذي جعل العديد من العلماء السنة يرى في اتهام محمد بن عبد الوهاب هذا و مريدوه للآخرين بالشرك ، مواصلة ً لطريقة الخوارج في الاستناد لنصوص الكتب والسنّة ،التي نزلت في حق الكفار

والمشركين وتطبيقها على المسلمين، بينما يرى الوهابية أنهم هم أهل السنّة الحقيقيون وهم الفرقة الناجية الوحيدة من النار، ونتج عن هذه الحروب قيام الدولة السعودية الأولى، فاستطاعت أن تصل إلى دمشق شمالاً وعمان جنوباً. وفي عام1818م حاصرت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى ودمرتها، إلا أن الدولة السعودية تأسست من جديد في أوائل القرن العشرين تحت قيادة عبد العزيز بن سعود(1902ـ1935( مؤسس المملكة العربية السعودية.

والحالة هذه أيضاً ؛ فلم يكن يعرف المسلمون السنـّة في العالم غيرَ تلكم المذاهب الأربعة وأولئك الأئمة الأربعة . وعندما نرى كيف أن الإمام أبو حنيفة النعمان (رض) عندما رفض الإذعان إلى أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الداعي إلى تجريم وتكفير ثورة الإمام زيد بن علي (ع) ، فكان مصيره القتل ، بتهمة افتعلها له بالاحتكار حتى جعله قتيل فتواه . وعندما نرى كيف أن الإمام أبو حنيفة هذا نفسه كان إذا اشتدت به الأمور يلوذ بالإمام موسى بن جعفر(ع) ليدعو له بالفرج والشفاء . وعندما نرى قولته الشهيرة ((لولا السنتان لهلك النعمان)) وهما السنتان اللتان درس خلالهما أبو حنيفة الإسلامَ في إحدى الحلقات التسعين بالمدينة المنورة على يدي الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(ع) .

وعندما نستحضر قول الإمام الشافعي(رض) منبهراً بإمام الشيعة علي بن أبي طالب(ع):

((إنْ قلتُ ذا بشرٌ ؛ فالعقلُ يمنعني وأختشي اللهَ من قولي هو اللهُ !!!؟))

وإذا أطلعنا على ما قاله الإمام أحمد بن حنبل بحق الإمام علي(ع) : ((الإمام علي الصراط المستقيم .. الإمام علي قسيم الجنة والنار ..)) .

زرتُ مسجدَ صوفيا باسطنبول ورأيت السلاطين العثمانيين قد نقشوا على بطانة قبة المسجد إسم محمد (ص) والخلفاء الراشدين .. أبو بكر .. عمر .. عثمان .. علي .. الحسن .. الحسين .

بمعنى أن لا عقدة لديهم إزاء الإمام علي وولديه الحسنين .. سيدي شباب أهل الجنة ، ولو كانت هنالك مكانة وقدسية لديهم في تقديس الأمويين والعباسيين لكتبوا أسماءهم أيضاً ، مما يدل على عظم شأن من ذكروا أسماءهم ونقشوها على مساجدهم المباركة حسب .

من هنا لابد لنا أن نقف عند التداعيات الآتية :

إن للإمام علي (ع) وولده من الأئمة الإثني عشر(ع) مكانة مرموقة في قلوب أئمة المذاهب والمشارب الإسلامية .

إن المسلمين في العالم ؛ إما مالكيين أو شافعيين أو حنبليين أو حنفيين ؛ وهي المذاهب الأربعة في الإسلام ، والتي يعتقدها السملمون السنة على مدى أكثر من ألف عام من تاريخ الإسلام . فما اعتقده الأئمة الأربعة بحق علي وولده(ع) يجب أن يكون لدى أتباعهم من المسلمين ، بحكم الاعتقاد برأي الإمام المُتـَّبع .

لا يحق للمسلمين أن يتخذوا رأياً بحق الإمام علي وولده(ع) مخالفاً لما روي تاريخياً عن أئمة المذاهب الأربعة ، عليه فما جاء بآراء الوهابيين المتأخرين جداً عن أزمان الأئمة الأربعة ،لا تعد أراء يعتد بها في الإسلام .

إن (الإمام ) في اللغة : أقضى الناس وافقه الناس وأعلم الناس ؛ والإمام علي(ع) سابق للجميع بهذا العنوان ، قبل غيره ممن أتوا من بعده ، فهي صفته دون صفة الغير اللاحقين من أئمة الإسلام وأرباب المذاهب، على أساس قاعدة (القديم بقدمه).

إنَّ الإمام علي(ع) وصّّى لولده الحسن من بعده والإمام الحسن لأخيه الحسين والإمام الحسين لولده علي والإمام علي السجاد إلى ولده محمد الباقر والإمام محمد الباقر إلى ولده جعفر والإمام جعفر الصادق إلى ولده موسى والإمام موسى الكاظم إلى ولده علي والإمام علي

الرضا إلى ولده محمد والإمام محمد الجواد إلى ولده علي والإمام علي الهادي إلى ولده الحسن والإمام الحسن العسكري إلى ولده محمد والإمام محمد المهدي كان يتواصل مع الأمّة في غيبته الصغرى بسفرائه الأربعة حتى غاب الغيبة الكبرى ، فأوكل أمر الدين إلى من ينوب عنه من المراجع العلماء المجتهدين الأعلام حتى اليوم .

لقد استقرت المذاهب الإسلامية الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ولن تستجد مذاهب غيرها من بعدها ، فأصبح حالها حال المذهب الجعفري ، ليكون في الإسلام خمسة مذاهب هي ؛ الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية إضافة إلى المذهب الجعفري . سميّ من اعتقد بالمذاهب الأربعة بالمذاهب السنية لاعتمادها سنة رسول الله ، بينما سمي المذهب الجعفري بالشيعي لاعتقاده بسنة رسول الله ومشايعته لمنهج الإمام علي(ع) . فلا خلاف إذن بين من يعتقد بسنة رسول الله (ص) ، ولا ذنب لمن ينتهج منهج الإمام علي(ع) ؛ وهو الذي وصفه أئمة المذاهب الأربعة بذلك الوصف العزيز والمنزلة الرفيعة .

وسمّي الشيعة بالجعفرية تيمناً بالإمام جعفر الصادق (ع) الذي برز دوره الكبير في التاريخ الإسلامي لمعاصرته عصرين إسلاميين ؛ نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي ، فهو :

أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، ولد يوم 17 ربيع الأول 80 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها في مساء 25 شوال من سنة 148 هـ ، إمام من أئمة المسلمين وعالم جليل وعابد فاضل من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب وله مكانة جليلة عظيمة لدى جميع المسلمين.

لُقـِّبَ بالصادق لأنه لم يُعرف عنه الكذب، ويعتبر الإمام السادس لدى الشيعة الإمامية الإثني عشرية والخامس عند الإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن الإمام موسى الكاظم (ع)، وينسب إليه انتشار مدرستهم الفقهية والكلامية ولذلك تُسمّى الشيعة الإمامية بالجعفرية أيضاً، بينما يرى أهل السنة والجماعة أن علم الإمام جعفر ومدرسته أساسٌ لكل طوائف المسلمين دون القول بإمامته بتنصيبٍ من الله ، كما هو الفهم لدى الشيعة .. بمعنى دون العصمة ، وروى عنه كثير من كتَّاب الحديث السنة والشيعة على حدٍ سواء، وقد استطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية، فتتلمذ على يده العديد من العلماء. حيث كان يدير تسعين حلقة دراسية يومياً في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ، حضرها العديد من كبار علماء الأمّة ، كان منهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت(رض) إمام المذهب الحنفي الواسع الانتشار . (لم يكن محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي معهم ، لكنه ظهر بعد ألف سنة ، فصار أصلاً للتشريع والفقه الإسلامي لجمع غفير ، بينما انزوى الأئمة الأربعة أو الخمسة إلى المقاعد الخلفية من مجلس الإفتاء والتشريع الإسلامي في الأمّة الإسلامية !!!؟) .

وعلى أساس تلكم المدرسة .. (وهي مدرسة آبائه وجده رسول الله عليهم صلوات ربِّي وسلامه عليهم أجمعين) ؛ تشابه منهج الإمام جعفر الصادق(ع) ومنهج علماء أهل السنَّة في أمور أساسيَّة (وكما ذكرنا ؛ تشابهوا بست وخمسين ألف مسألة واختلفوا بأربعة آلاف فقط)؛ فالإمام الصادق (ع) يعتمد بالتدريج على القرآن والسنَّة النبوية والإجماع ثم الاجتهاد لكنه يضيف إلى ذلك أمراً أساسيّاً عند الشيعة، هو الاعتقاد بالإمامة وما يترتب عليه من تقييم للصحابة وفتاواهم وأحاديثهم واجتهاداتهم بحسب مواقفهم من آل البيت ويترتب على المفهوم الشيعي للإمامة القول بعصمة الإمام. فكانت اجتهادات الإمام غير قابلة للطعن، لأنه معصوم عن الخطأ والنسيان والمعصية؛ بل إنَّ أقواله واجتهاداته تدخل حكماً في إطار السنَّة. ولا يمكن لكل فرد أن يُدرك معاني القرآن الباطنة؛ بل هذا أمرٌ خاص بالأئمة فقط، لأن اجتهاداتهم أكثر مطابقة من غيرها لمقاصد الشريعة؛ وذلك أنَّ نوراً إلهيّاً حلَّ في النبي محمد (ص) وفي الأئمة من بعده، فاجتمع عندهم علم الشريعة بظاهرها وباطنها.

وتشدَّدَ الإمامُ جعفر الصادق (ع) كثيراً في مسألة القياس، فلا يُقبل القياس ما لم يكن الحكم المُقاس عليه معللاً بعلَّة منصوص عليها. أمَّا القياس المُفتقر إلى علَّة منصوص عليها فيُصبح رأياً عنده. والفقه بالرأي مرفوض، لأنه فعل إنساني ليس فيه ضمانة شرعيَّة. ويُقرّ الفقه الجعفري بالإجماع شرط أن يكون صادراً عن أئمة الشيعة. أمَّا إجماع عامَّة الصحابة فلا يكون حجَّة إلّا إذا كان الإمام علي بن أبي طالب(ع) طرفاً فيه. فالإجماع هو من حق الأئمة المعصومين. أمَّا الإجماع العام فهو مرفوض، لأنه لا يوفر أيضاً ضمانة شرعيَّة. وإلى ذلك لابدَّ من الاجتهاد واللجوء إلى العقل الصرف عند عدم وجود نص من قرآن أو سنَّة أو إجماع الأئمة وذلك لتأمين مصلحة المسلمين، وهذا نوع من الاستصلاح . فالمصلحة العامَّة تعتبر أصلاً من أصول التشريع عند عدم وجود نص. لكن الاجتهاد ليس لكل الناس؛ إنه أولاً وأساساً للأئمة المعصومين، ثمَّ لفضلاء العلماء المجتهدين، شرط ألّا يُخالفوا باجتهاداتهم ما جاء به الإمام المعصوم الذي يستمد اجتهاداته الفقهيَّة من النور الإلهي الذي حلَّ فيه. لذلك كان رأي الإمام المعصوم موثوقاً لا يتطرّق إليه الخطأ. والإمام حاضر للظهور إذا أخطأ المجتهدون لكي يُسدد خطاهم؛ ولتبقى الأمَّة على الطريق المستقيم، فالله لا يقطع الحبل الممدود بينه وبين عباده وإلّا فسدت الأرض بمن عليها.

ويروى ؛ إنه كان (عليه السلام) من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ على يديه أبو الكيمياء جابر بن حيان. كذلك فقد كان عالم فلك، ومتكلماً، وأديباً، وفيلسوفاً، وطبيباً، وفيزيائياً.

إن ما ظهر من فكر يخرج على ما جاء به أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة على ضوء ما اعتقده المسلمون السنة لا يعتد به ، لأنه جاء متأخراً .. بعد الأئمة السابقين . فهو خروج على المجموع ، ولا يمثل إلا رأي الخاصة دون العامة ، وهذا ما جاء به المذهب الوهابي المتأخر جداً على عامة المذاهب الإسلامية. سيّما وأن هنالك مؤشرات استعمارية وراء تأسيس هذا المذهب ، إضافة إلى ما أحدثه أتباع هذا المذهب الدخيل الوافد على النسيج الشرعي والفقهي للأمّة المسلمة ، وما نتج عنه من أفكار تكفيرية وإقصائية ، حاربت القاصي والداني ، وأحدثت شرخاً كبيرة في وحدة وكيان الأمّة الإسلامية . ومنه تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وداعش .

ولكي تتوحد الأمّة المسلمة لابد لها أن تتخلى عن الفكر الوهابي وتوالداته المقرفة المشبوهة ، وأن تعود إلى مذاهبها الأصيلة التي كادت أن تنمحي بطغيان واكتساح الوهابية الخطيرة .

فمن كان يريد الإسلام ومذاهبه الأصيلة ؛ فليكن مع الإسلام ومذاهبه الأصيلة ، ومن كان يريد المذهب الوهابي الذي دمّر الوحدة الإسلامية ، فلابد له من أن يراجع نفسه ويعيد قراءته للدين وتاريخ المذاهب الإسلامية التي لا تمت للحقيقة القرآنية والسنّة النبوية الشريفة ومذاهب أئمة المسلمين بأية صلة ، فهو مذهبٌ دخيلٌ على الأمّة المسلمة .

أقول ؛ إنَّ الأمّة الإسلامية لم تكن قبل ظهور الوهابية بالحالة التي صارت عليها اليوم . فالخلاف بين أتباع آل البيت (عليهم السلام) من الأئمة الإثني عشر (ع) كان خلافاً سلطوياً بين الأمويين والعباسيين ، ولم يكن بين الأمّة المسلمة . لأن الحاكمين الأمويين والعباسيين كانوا يحكمون بإسم الإسلام ، دون مشورة أولياء الأمور الشرعيين من آل بيت الرسول المصطفى (ص) ، وهم أهل الفهم الحقيقي للدين .. ذرية بعضهم من بعض ، يفتون ويشرِّعون للنظرية الحكم الإسلامي وفقاً لما أراده الله تعالى ونبيه الأعظم (ص) ، لا كما يريد بنو أميّة وبنو العبّاس .

أما بعد ظهور الوهابيين تحول الصراع بين أتباع آل البيت(ع) والوهابيين أنفسهم صراعاً سياسياً وعقائدياً واستعمارياً في آن معاً ، وقد حرّضت الوهابية على تفريق المسلمين ، حتى أوشكت أن تنسيَ المسلمين السنـّة أئمة مذاهبهم الأربعة ، وتجعلهم ينضوون حول راية الوهابيين ومتبنيات إبن تيمية المعادية لوحدة وانسجام الأمّة المسلمة ورؤيتها المذهبية السائدة . فصنعوا أجيالاً معادية لوحدة الإسلام والمسلمين . بعدما بذل الخيّرون الجهود الجهيدة

لأجل التقريب بين المذاهب الإسلامية ، ومعالجة الاختلافات في المسائل الشرعية ، وطي الصفحات المؤلمة من تاريخ الإسلام ، وفتح صفحات الأمل والتفاؤل .

نحن بحاجة إذن ؛ إلى مراجعة قراءاتنا لسير وتاريخ الأئمة وتاريخ المذاهب الإسلامية ، كيما نعود إلى أصولنا العقائدية ، ومتبنياتنا المذهبية الأصل ، دون الرضوخ إلى المذهب الوهابي الذي فرق الأمّة وأحدث فيها الكراهية بين أبناء الأمّة المسلمة الواحدة ، وأحدث لنا العداوات والكراهيات مع الإنسانية كافة ، وحارب الإنسانية وجميع الأديان والمقدسات ، لأنه فكر وافد ، أسسه المستعمرون ، لكي يحدثوا حالة ثالثة في الإسلام .. لا سنية ولا شيعية ، فراحوا يغررون السذج من أبناء المسلمين والأبرياء من أبناء الإنسانية كي يقتلوا المسلمين بالمسلمين .

وأقول أيضاً ؛ إن في المذهب الجعفري الإثني عشري (الشيعة أنفسهم) ؛ هنالك مسائل شرعية مختلف عليها بين الفقهاء الشيعة أنفسهم ، وهو ما يسمى برأي المجتهد في هذه المسألة أو تلك ، والمسلمون الشيعة هم المسلمون الشيعة ، رغم أدائهم وتنفيذهم العمل بالرسائل العملية للمراجع العظام عبر التاريخ على أساس هذه الاختلافات ، دون أن يتسبب هذا التباين في تفريق الشيعة أنفسهم . فلماذا لا يكون الحال كذلك إزاء المسلمين السنة الذين يختلفون بالمسائل الشرعية المتباينة بالفتوى لأئمة المذاهب الأربعة ، على أن يضاف لهم المذهب الإسلامي الخامس .. المذهب الجعفري . فيتعايش المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على حب الله ورسوله (ص) وكتابه والقبلة الواحدة . لكن ؛ على أساس العمل بالمسائل الشرعية .. كلا حسب ما يعتقده من رأي يؤمن به من مذهب من المذاهب الإسلامية الأصيلة .. الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والجعفرية . فيعبدون الله مسلمين مخلصين له الدين ، حتى يلقوا ربهم ؛ وكلاً منضوياً حول لواء من أتبعه ، وسيجزي الله الشاكرين ، وسيقي الله المتقين شرور الفرقة والضغينة والتضاد ، على المحبة والألفة والإتحاد . والله من وراء القصد ؛؛؛