تُعد حرائق الغابات كارثة إقليمية ما تزال تهدد دول المشرق العربي، ومن دون إيجاد حلول ناجحة لغرض القضاء عليها في الساعات الاولى من اندلاعها أو حتى الحد من سرعة أنتشارها وهذا يشمل كل من سوريا وتركيا، لبنان، والعراق، والاردن , حيث أتت النيران في الأيام الاولى من شهر حزيران 2025 على أكثر من 15 ألف هكتار من الغابات السورية وحدها، وتسببت في خسائر بشرية ومادية هائلة. وفي ظل التغير المناخي وتكرار هذه الكوارث، تبرز الحاجة الملحة إلى ايجاد نظام إقليمي متكامل يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، ومن خلال التعاون بين دول المنطقة، بالاضافة وهذا الاهم الى ايجاد برامج هادفة لغرض التوعية المجتمعية لمواجهة حرائق الغابات. ونقترح في هذا التقرير الاستقصائي إنشاء نواة لنظام أقليمي “دائرة الإنذار المبكر لمكافحة حرائق الغابات” يكون مقرها الرئيسي في احدى الدول التي تتواجد لديها بنية تحتية متطورة مثل تركيا ومراكز تابعة في بقية الدول، مع ضرورة ايجاد والمواصلة في إطار تعاون إقليمي يشمل كل من تركيا، لبنان، والعراق، وسوريا والأردن وكذلك من خلال مبادرة طموحة لإطلاق قمر صناعي إقليمي لرصد التغيرات المناخية، وبدعم مادي من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي.
تشير بيانات الأقمار الصناعية من وكالة “ناسا” (FIRMS) ونظام “كوبرنيكوس” الأوروبي إلى أن حرائق الغابات أتت على مساحات شاسعة في سوريا، خاصة في غابات الفرنلق بمحافظة اللاذقية، وامتدت إلى إدلب، طرطوس، وحماة، مدمرةً نحو 100 كيلومتر مربع من الغطاء النباتي والاحراش الحرجية . هذه الحرائق، التي تغذيها موجات الجفاف والرياح القوية، ليست حكرًا على سوريا فقط . ففي تركيا، شهدت مناطق بحر إيجة وأنطاليا حرائق مدمرة بين عامين 2021 و2023، وأجلت تركيا قبل أيام أكثر من 3,500 شخص، يومي السبت والأحد 26 و27 تموز ، من مناطق محيطة بمدينة بورصة الصناعية الكبرى في شمال غرب تركيا، حيث لا يزال رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريقين مشتعلين , وأعلن وزير الزراعة والغابات التركي إبراهيم يوماكلي أنه “تم إجلاء 3,515 من مواطنينا بالإجمال ونقلهم إلى أماكن آمنة”، مضيفا أن 2,300 من رجال الإطفاء وعمال الإنقاذ شاركوا في مكافحة النيران الأحد وسط رياح عاتية.وتابع الوزير أنه تم نشر أكثر من 850 مركبة وست طائرات وأربع مروحيات في المنطقة، حيث من المتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع لتقترب من 40 درجة مئوية في الأيام المقبلة، دون تحديد المناطق الحرجية التي أتت عليها النيران في ضواحي رابع أكبر مدينة في البلاد. بينما عانت لبنان من حرائق في غابات الشوف عام 2019، والعراق من حرائق في غابات زاخو عام 2024 . هذه الكوارث تكبد المنطقة خسائر اقتصادية جسيمة تقدر بمليارات الدولارات، وتؤثر بصورة مباشرة على الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي الحيواني.
على الرغم من الجهود المبذولة والامكانيات المتواضعة المتوفرة جاهدت فرق الدفاع المدني السوري، بدعم جوي من طائرات سورية، تركية، أردنية، ولبنانية، وبمشاركة العراق ومن خلال ارسال سيارات إطفاء وشاحنات حوضية قد نجحت في تقليص عدد البؤر المشتعلة، ولكن نقص الموارد مثل صهاريج المياه والوقود، إلى جانب التضاريس الجبلية، أعاق الكثير من هذه الجهود.
على الرغم من عدم وجود ذكر مباشر لاستخدام الطائرات المسيرة لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد في سياق حرائق سوريا ، إلا أن هناك أمثلة عالمية توضح كيفية وطريقة والاستفادة من استخدام هذه التكنولوجيا في مكافحة الحرائق ولكن يمكن لهذه الدول الاستفادة من تجارب الخبرات الميدانية والتقنية لكثرة وتكرار حرائق الغابات فيها وعلى سبيل المثال وليس الحصر :
*تجربة ولاية كاليفورنيا عام (2023) حيث تستخدم إدارة الغابات (Cal Fire) الطائرات المسيرة مع تقنية LiDARلإنشاء صور ثلاثية الأبعاد دقيقة للغابات. ويتم دمج هذه البيانات مع الذكاء الاصطناعي لتحليل الكتلة الحيوية ومحتوى الكربون، مما يساعد في الكشف المبكر عن الحرائق وتحديد الأولويات لاخمادها. النظام يعتمد على بيتابايت من البيانات من الكاميرات الحرارية المتطورة للتمييز بين الدخان والجزيئات الأخرى، مما يعزز كفاءة سرعة الاستجابة.هذه التكنولوجيا تتيح إنشاء خرائط دقيقة للمناطق المتضررة، مما يساعد في تخطيط عمليات الإطفاء، وتحديد المناطق الأكثر عرضة للاشتعال، وتقليل المخاطر المستقبلية من خلال تحليل البيانات التاريخية.
*إمكانية استخدام الطائرات المسيرة: يمكن أن تكون الطائرات المسيرة المزودة بتقنيات مثل LiDAR أو الكاميرات الحرارية أداة فعالة في دول منطقة المشرق العربي ومن خلال إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد وتحديد مواقع بؤر الحرائق بدقة، خاصة في التضاريس الجبلية الوعرة والوديان التي يصعب على سيارات الإطفاء وفرق الدفاع المدني الوصول إليها مثلما يوجد حاليا ومن خلال نشر 50 طائرة مسيرة مزودة بتقنيات LiDAR وكاميرات حرارية لإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة، ومن تجربة ولاية كاليفورنيا (Cal Fire)، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الغابات.
*تحليل الذكاء الاصطناعي: يمكن برمجة الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور ثلاثية الأبعاد لتحديد أنماط انتشار الحرائق بناءً على الرياح، الجفاف، ونوع الغطاء النباتي المنتشر في البؤر المشتعلة مما يسهل عملية إخماد الحرائق وتوجيه فرق الاطفاء الى الاماكن المحددة مما يقلل بالتالي إهدار الموارد والجهود البشرية .
*التخطيط المستقبلي: إنشاء قاعدة بيانات للمناطق المعرضة للحرائق لتحسين استراتيجيات الوقاية، مثل شق خطوط النار أو إعادة تأهيل فرق الإطفاء والدفاع المدني.
*التحديات التي تواجه دول المنطقة : تطبيق هذه التكنولوجيا قد يواجه عقبات مثل نقص التمويل، البنية التحتية ، والوضع الأمني المعقد. كما أن الاعتماد على الدعم الدولي (مثل الأمم المتحدة أو الدول المجاورة) قد يكون ضروريًا لتوفير المعدات والخبرات وتشترك أغلب دول المنطقة في هذه التحديات مثل نقص البنية التحتية للإنذار المبكر، ضعف التنسيق الإقليمي، والتأثيرات المتفاقمة للتغير المناخي.
لذا فان مقترح انشاء نظام “دائرة الإنذار المبكر ومكافحة حرائق الغابات” الان بات أمرا ملحا ومطلبآ قد يكون ضروريا والعمل على الاستجابة وإجراءات تنفيذه لغرض الحد من الخسائر البشرية والمادية والحفاظ على التنوع الطبيعي . حيث يتولى هذا النظام المهام التالية:
1) إنشاء شبكة مراقبة متطورة ومن خلال تركيب كاميرا حرارية وابراج مراقبة في المناطق الوعرة الحرجية، مع الربط بشبكات مماثلة في تركيا (غابات إيجة)، لبنان (غابات الشوف)، والعراق (غابات زاخو) وربط أنظمة الكاميرات الحرارية والطائرات المسيرة عبر شبكة بيانات موحدة، مع الاستفادة من تجربة تركيا في الطائرات المسيرة والاستفادة من إخضاع فرق الدفاع المدني ومن خلال تنظيم دورات تدريبية في تركيا لتأهيل على استخدام الطائرات المسيرة وتحليل بيانات الأقمار الصناعية وإجراء تدريبات سنوية مشتركة لمحاكاة سيناريوهات الحرائق، مستوحاة من تجربة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تنسيق السياسات.
2) ايجاد وتطوير تطبيق ذكي إقليمي يتم تنزيله على الهواتف النقالة “إنذار الحرائق الإقليمي” يتيح للمواطنين في سوريا، تركيا، لبنان، والعراق والاردن الإبلاغ عن الحرائق فورًا، مع ميزات تحديد الموقع الجغرافي، إرسال الصور، وتلقي إرشادات السلامة.
3) وحدة تحليل بيانات إقليمية ومن خلال إنشاء مراكز بيانات مشتركة لتحليل بيانات الأقمار الصناعية مثل “كوبرنيكوس” و”ناسا” FIRMS) باستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحركة سير الحرائق واتجاه الرياح .
4) إنشاء صندوق تنمية إقليمي وتمويل مشترك، وبدعم من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج (مثل الإمارات وقطر) والأمم المتحدة وعبر برامج مثل مختبر الابتكار المناخي للشباب يكون مقره الرئيسي في تركيا لما تمتلكه من خبرة تقنية متقدمة في استخدام الطائرات المسيرة لمراقبة الغابات، كما أظهرت في حرائق إيجة 2021. يمكنها قيادة التعاون الإقليمي بفضل بنيتها التحتية الفضائية وتكون بقية المركز موزعة في الدول الاقليمية.
5) انشاء قمر إصطناعي متخصص لرصد التغيرات المناخية والبيئية بتمويل مشترك حيث يركز القمر الصناعي على الرصد البيئي ومراقبة الغابات والتغيرات المناخية باستخدام تقنيات الرادار والذكاء الاصطناعي، مشابهة القمر “نيسار” الأمريكي-الهندي وكذلك الإنذار المبكر ومن خلال سرعة إرسال تنبيهات فورية إلى مراكز الدفاع المدني في الدول عند رصد بؤر حرائق ولتحليل المناخي وتوفير بيانات حول الجفاف، الرطوبة، وسرعة الرياح للتنبؤ بحركة الحرائق وعمل خرائط دقيقة لتحديد مواقع الحرائق في التضاريس الجبلية الوعرة والوديان.واستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بحركة الحرائق بناءً على الرياح والجفاف وكذلك لادارة وتوجيه الطائرات المروحية إلى المناطق الأكثر خطورة.
6) توزيع المنشورات والبوسترات ومن خلال شرح المواد التوعوية وتوزيعها في الأسواق والقاء المحاضرات في المدارس والجامعات وكذلك الاستفادة من وسائل الإعلام “المرئية والمسموعة والمقروءة” وكذلك من خلال البرامج الحوارية التي تستضيف مختصين في هذا المجال لغرض التثقيف الجمعي العام ، وحتى إطلاق شعارات تحمل مثل “معًا نحمي غاباتنا من الحرائق”. بالاضافة الى اطلاق حملات توعية رقمية من خلال كافة مواقع التواصل الاجتماعي..
7) ايجاد برامج توعوية تطوعية هادفة لفئة الشباب على الانضمام إلى فرق الإطفاء التطوعية. ويمكن دمج التوعية بالحرائق في المناهج الدراسية، مع تنظيم زيارات ميدانية للغابات.
8) إزالة الأحراش الجافة ومن خلال حملات إقليمية وتنظيم حملات مشتركة في دول المنطقة لإزالة الأحراش الجافة، بالتعاون مع FAO، مع تحويل النفايات النباتية إلى كومبوست وتقديم حوافز اقتصادية وقروض ميسرة لكل مزارع مشارك، ممولة من صندوق تنمية إقليمي وزراعة أشجار مقاومة للحرائق مثل زراعة أشجار الزيتون والصنوبر الحلبي في سوريا، وأشجار الأرز في لبنان،
ومن خلال ما تم طرحه أعلاه يمكن الحد من خطورة حرائق الغابات لأنها ما تزال تعتبر من أخطر الكوارث الطبيعية التي تهدد البيئة والإنسان على حد سواء، حيث تسبب خسائر بشرية ومادية جسيمة تؤثر على المجتمعات المحلية والاقتصادات الوطنية. تتنوع أسباب اندلاع هذه الحرائق، بدءًا من العوامل الطبيعية مثل ارتفاع درجات الحرارة إلى الأنشطة البشرية غير المسؤولة. ومن هنا، تبرز أهمية التعاون المشترك بين مختلف الجهات المعنية، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، في الحد من خطورة هذه الظاهرة. التنسيق بين فرق الإطفاء، والسلطات المحلية، والمنظمات البيئية، بالإضافة إلى دور المجتمع المحلي في التوعية، يمكن أن يسهم بشكل كبير في الحد من انتشار الحرائق.إذا تم التصدي لهذه الحرائق بشكل سريع وفعّال، يمكن تقليل الخسائر المادية الكبيرة الناتجة عنها، والتي غالبًا ما تُنفق على جهود إطفاء الحرائق وتعويض المتضررين. وبدلاً من استنزاف الموارد في معالجة الآثار السلبية، يمكن توجيه هذه الأموال نحو برامج توعية مجتمعية وتشجيع الإنذار المبكر، مما يساهم في تقليل عدد الحرائق المستقبلية ويحسن الاستجابة لها بشكل أفضل. فالتعاون والتخطيط المشترك ليس فقط ضروريًا للحد من حجم الخسائر، بل أيضًا لتطوير استراتيجيات فعّالة تسهم في الحفاظ على الغابات والموارد الطبيعية للأجيال القادمة ومع الاسف ما تزال دول المنطقة تفتقر بشدة لتواجد الية الانذار المبكر فهي معدومة بالاساس ومع تواصل حرائق الغابات المستمرة وبالأخص في فصل الصيف وقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة كلها عوامل تساعد بصورة مباشرة على اندلاع حرائق الغابات لذا من الواجب ان تكون هناك مراكز اقليمية متخصصة لغرض التعاون المشترك وسرعة الاستجابة والتنسيق لغرض إخماد الحرائق بالسرعة التي تمنع انتشارها والتسبب بخسائر مادية وبشرية جسيمة وحفاظا كذلك على الثروة الغذائية والحيوانية!.