22 ديسمبر، 2024 7:46 م

نحو بناء سياسة جنائية عراقية لمكافحة الارهاب

نحو بناء سياسة جنائية عراقية لمكافحة الارهاب

عندما حاول المفكر البريطاني ارنولد تُوينبي نشوءَ الحضارات الأُولى وخصوصا في وادي الرافدين من خلال نظريَّته الشهيرة الخاصَّة بـ”التحدِّي والاستجابة”، اورد إنَّ الفَرد الذي يتعرَّضُ لصدمةٍ قد يفقدُ توازُنَه لفترةٍ ما، ثمَّ قد يستجيبُ لها بنوعَين من الاستجابة: الأُولى النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسُّك به تعويضًا عن واقعه المُرّ، فيُصبح انطوائيًّا؛ والثانية، تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها ثمَّ مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيًّا.

يواجه العراق لاول مرة في تاريخه الذي يمتد الى اكثر من سبعة الاف سنة قبل الميلاد تحديا يحاول ضرب اسفين في اساس وجود بلد هو الاقدم في التاريخ وهو التحدي الذي يتمثل في الهجمة الارهابية التي لاتستهدف خيرات البلد فقط ولكن تحاول ان ترسم خارطة للعالم تختفي منها بلد اسمه العراق . وهذا التحدي هو الذي يدق ناقوس الخطر معلنا ان الوقت هو وقت تحشيد الجهود لتجاوز مرحلة الصدمة وفقدان التوازن لمواجهة الإرهاب .

ولعل امضى اسلحة الرد على التحدي هو ان يكون شعار مواجهة الإرهاب ضمن اطار قانوني يهدف الى تحقيق المنع والتجريم والعقاب القائم على اسس حماية حقوق الإنسان . ان ضرورة تحقيق التوازن بين مواجهة الارهاب وحماية حقوق الانسان يمثل القاسم المشترك بين الشرعية الدولية والشرعية الدستورية الامر الذي يستدعي وجود سياسة جنائية متكاملة تحقق عنصر التوازن بين ردع الارهاب وحماية الحقوق الاساسية للمواطنين التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية

يعتبر قرار مجلس الأمن المرقم 1566 في 8/10/2004، حجر الزاوية في قواعد النظام العالمي لمكافحة الارهاب. فقد اعتمد هذا القرار تعريف للارهاب الدولي بشكل عام. وهذا التعريف ملزم لكافة الدول من دون استثناء كونه قد صدر استنادا الى فقرات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة والتي تعتبر ملزمة لكافة الدول الاعضاء في المنظمة الدولية ً. عرف القرار المشار اليه انفا الارهاب بانه ( كل عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل اثارة الرعب بين الناس أو اكراه حكومة ما أو منظمة دولية للقيام بعمل ما أو للامتناع عنه، وكل الأعمال الأخرى التي تشكل اساءة ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالارهاب ووفقاً لتعريفها، ولا يمكن تبريرها بأي اعتبار سياسي أو فلسفي أو ايديولوجي أو عرقي أو ديني) .

تم استنادا الى القرار المذكور انشاء مجموعة عمل لاتخاذ الاجراءات العملية في مكافحة الارهاب وسبق ذلك صدور قرار مجلس الامن الدولي ذي الرقم 1373 الذي وضع اليات مكافحة الارهاب عن طريق انشاء لجنة محاربة الارهاب وتتكون من الأعضاء الخمسة عشر لمجلس الأمن وذلك لمراقبة تطبيق الدول للقرار رقم 1373 وإرشادها حول كيفية تطبيق هذا القانون . وتهدف الى تعزيز امكانية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب، وتزويد بعض الدول بالمساعدات التقنية من أجل الهدف ذاته، وتنسيق الجهود الاقليمية والدولية في هذا المجال. وقد ساهم ذلك فى إحداث بعض التعديلات على النظم القانونية

الجنائية فى مختلف بلدان العالم لمواجهة الإرهاب .كما أنشئت أيضاً في 2004 لجنة الإدارة التتنفيذية لمكافحة الارهاب، وهي بمثابة لجنة تنفيذية. وتولت هذه اللجنة تقديم التقارير للجنة الأساسية حول الأعمال الجرمية والأمور المالية والبوليسية والقانونية والتحليلية. كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1368 الذى والذي نصت المادة الأولى منه على مطالبة جميع الدول بتجريم تمويل الإرهاب وتجميد بعض الأرصدة والأصول ومنع بعض الأعمال المرتبطة بالإرهاب ، ومطالبة الدول بتقديم الإرهابيين للعدالة ، واعتبار الأعمال الإرهابية جرائم جسيمة فى القوانين الوطنية ، والنص على أن تعكس العقوبة مدى جسامة الأعمال الإرهابية. كما طالب مجلس الأمن فى قراره الدول الأعضاء أن تنضم للوثائق الدولية والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب

وقد وضعت قرارات مجلس الامن التزاما على الدول الاعضاء بالمشاركة في الآليات الدولية التي اشارت اليها تلك القرارات من أجل مكافحة الارهاب بحيث ان جودة القوانين الداخلية للدولة أصبحت تقاس بمدي توافقها واتساقها مع الاتفاقيات الدولية المتصلة بمكافحة الارهاب القانون الدولي والتي تشمل :

أ الاتفاقية الدولية ضد احتجاز الرهائن لسنة 1979

ب. اتفاقية الحماية الجسدية من المعدات النووية لسنة 1980

ج. اتفاقية قمع الأفعال الغير مشروعه ضد سلامة النقل البحري لسنة 1988

د. برتوكول قمع الأفعال الغير مشروعه ضد الأرصفة الثابتة في الجرف القاري لسنة 1988

هـ. اتفاقية معالجة المتفجرات البلاستيكية والكشف عنها لسنة 1991

و. الاتفاقية الدولية لقمع التفجيرات الإرهابية لسنة 1997

ز.الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999

ح.الاتفاقية الدولية لقمع أفعال الإرهاب النووي لسنة 2005

ط. تعديل اتفاقية الحماية الجسدية من المعدات النووية لسنة 2005

ي. بروتوكول عام 2005 الملحق باتفاقية قمع الأفعال الغير مشروعة ضد سلامة النقل البحري

ك. بروتوكول 2005 الملحق ببروتوكول قمع الأفعال الغير مشروعة ضد سلامة الأرصفة الثابتة في الجرف القاري لسنة 1988

مما تقدم فقد خلقت قرارات مجلس الامن الدولي التزاما على كاهل الدول الاعضاء في المنظمة الدولية بوضع سياسة جنائية واضحة لمواجهة الإرهاب تهدف الى الحد من الجريمة الارهابية وتتطور بتطور مفهوم الارهاب تعمل على تطوير القانون الجنائي الوضعي وتوجيه كل من المشرع الذي يسن القانون والقاضي الذي يقوم بتطبيقه والمؤسسات العقابية التي تضطلع بتنفيذ التدابير التي يقضي بها هذا

القاضي وتاخذ بعين الاعتبار الالتزامات الدولية التي نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بمكافحة الارهاب من جهة ومن جهة ثانية تلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان .

لقد كان أول من استعمل مصطلح السياسة الجنائية هو العالم الألماني فويارباخ وذلك للدلالة على مجموع الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين في بلد ما من أجل مكافحة الإجرام فيه وتهتم بالجريمة في مراحلها الثلاث وهي مرحلة ما قبل وقوع الجريمة وذلك بسن إجراءات تمنع من وقوعها، ثم مرحلة وقوعها وذلك بتشريع إجراءات التحري والتحقيق والبحث عن مرتكبيها ومحاكمتهم، ثم مرحلة بعد وقوعها بإجراءات تنفيذ العقوبات والتدابير الوقائية المحكوم بها على مرتكبي الجرائم وبذلك لاتتقيد السياسة الجنائية بالقوانين العقابية النافذه بالرغم من ان تلك القوانين تمثل عنصر من عناصرالسياسة الجنائية التي تعتبر الدليل الذي ينير الطريق امام السلطة التشريعية في اتخاذ التدابير التي تعزز تطبيق السياسة والتي تهدف الى تحقيق غايتين الاولى هي منع الجريمة والثانية هي العقوبة التي يتم فرضها على مرتكب الجريمة استنادا الى فكرتين اساسيتين هما الضرورة والثانية العدل .

يعتبر وضع السياسة الجنائية للإرهاب فى دولة ما من المسائل الداخلية ، إلا أن البعد الدولى لظاهرة الإرهاب ألقى بظلاله على نطاق سلطة الدولة فى الإصلاح التشريعى الجنائى لمواجهة الإرهاب مما يتضح معه أن السياسة الجنائية وحماية البلاد هي حصيلة جهد مشترك ومتوازن بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية فالقاضي الذي يوقع العقوبة ليس حرا مختارا فيما يفعل وإنما مقيد بما فرضه المشرع من الجزاء وكذلك السلطة التنفيذية ما عليها الا اتباع مايرسمه لها المشرع ثم تنفيذ ما يحكم به القاضي . من هذا المنطلق يجب الدعوة للبدأ فورا بمراجعة القوانين العقابية والاجرائية وتعديل واستبدال اي نصوص تعترض تحقيق التوازن بين الاصلاح والتجريم والعقاب بالاضافة الى استكمال اي نقص قد يكون موجودا في التشريعات الحالية وباسرع وقت ممكن .