المؤسسة أياً كان نوعها , حكومة , وزارة , دائرة , شركة , مدرسة , أُسرة , هي وحدة اجتماعية هادفة , ذات تكوين انساني منظم ومنسق بارادة ووعي , يتفاعل فيها الافراد والجماعات , ضمن حدود معينة نسبيا لتحقيق اهداف مشتركة تصب في صالح بناء وتطوير وتحديث هذه المؤسسة داخليا وخارجيا , ومن اجل انجاح مهمة أي مؤسسة لابد دراسة مكونات بيئتها الداخلية قبل الانطلاق للبيئة الخارجية التي تتسم بالحركية والتغير المستمر الذي قد يلقي بتاثيراته على المؤسسة , في هذه الاسطر نحاول جهد الامكان طرح رؤيتنا عن اهم المحاور التي ينبغي اعطاءها اهمية كبرى في حال التصدي لقيادة المؤسسة , ونحاول اولا الاحاطة بمتطلبات البيئة الداخلية للمؤسسة كونها الاساس الذي تنطلق منه المؤسسة وفي حال كان هذا البناء او الاساس سليم ومعافى فانه بذلك يمكن ان يتحدى الظروف الخارجية المحيطة بالمؤسسة وبالتالي يستطيع ان يواكب التغيرات السريعة ويتناغم معها ويحوّل التهديدات الخارجية الى فرص داخلية ,فالبيئة الداخلية للمؤسسة :تتكون من الموظفين في درجاتهم المختلفة وفي مختلف مواقع الادارة ,( الادارة العليا) (والادارة الوسطى) (والادارة التنفيذية) وتُرسم الاهداف ويتم تقسيمها وتجزئتها حسب اهمية الادارة , فالادارة العليا معنيّة بوضع الافكار والتصورات والرؤى والاهداف ومتابعة انجازها مع الادارة الوسطى والتنفيذية وكل بحسبهِ , ومن اجل تحقيق هذه الاهداف بكفاءة وفاعلية لابد من خلق بيئة سليمة متناغمة ومتفاعلة مع الادارة العليا, ومهمة خلق هذه البيئة هي مهمة الادارة العليا من خلال تحقيق سلسلة من المبادئ التالية :
اولا : الولاء التنظيمي : إن شعور الأفراد بالولاء للمنظمة يخفف من عبء الرؤساء في توجيه المرؤوسين, لأن الأفراد يستجيبون لتعليمات الرئيس بطريقة أفضل ويحاولون العمل بكفاية أفضل مما يحقق الثقة والود بين الرئيس والمرؤوسين , وهذا يؤدي الى تحقيق رقابة ذاتية من الموظف على نفسه , كونه يبذل اقصى جهوده من اجل انجاح العمل , لانه يوالي هذه المؤسسة , ويطمح لتحقيق اهدافها , إن ولاء الأفراد لمنظماتهم يعتبر عاملاً هاماً في ضمان نجاح تلك المنظمات واستمرارها وزيادة إنتاجها.
ثانياً : الرضا الوظيفي : لا يمكن تحقيق (الولاء التنظيمي) الا من خلال تحقّق الرضا الوظيفي , الذي يعتبر العمود الفقري لنجاح أي منظمة , فبقدر رضا افراد المنظمة عن العمل يكون النجاح , ومن اجل تحقيق الرضا الوظيفي لابد من اتباع سلسلة من الاجراءات , تأتي في مقدمتها دراسة شخصية الموظف والتعرّف على دوافعه ورغباته وميوله وسلوكياته من قبل الادارة المعنية , ليتم لاحقا العمل على تحقيق آماله وتطلعاته ولو في الحد المتوسط او الادنى , وبذلك يتحقق رضاه وولاءه للمنظمة او المؤسسة , وبطبيعة الموظفين , فان البعض منهم قد يكون سيء بطبعه او مزاجه , او سلوكياته ويشذ عن الولاء التنظيمي بسبب أيدلوجيات ودوافع اخرى , لامجال لذكرها , الا ان هذا لا يمنع من اتباع الاجراءات اللازمة من اجل تحقيق الولاء والرضا الوظيفي لغالبية الموظفين .
ثالثا : الامان الوظيفي : بمعنى رفع درجة الطمأنينة لدى الموظف على مستقبله الوظيفي وإنهاء جميع صور القلق على ذلك المستقبل , فالقلق الذي يساور الموظفين العاملين في الكثير من المؤسسات , يكاد يعصف بسلوكياتهم مما ينتج عنه استحواذ القلق على كامل الطاقة الفكرية للموظف، وبذلك تقل ابداعاته وافكاره واعماله وانتاجه داخل هذه المؤسسة , او تكثر اخطاءه مما يؤثر على تحقيق الاهداف المرسومة من قبل المؤسسة .
رابعاً : فرق العمل : تنمية العمل بروح الجماعة او روح الفريق من اجل تحقيق الاهداف بكفاءة وفاعلية , وايضا تحقيق التناغم والانسجام بين الموظفين او العمال او المسؤولين في المؤسسة , فتقوى الصداقات القديمة وتحصل صداقات جديدة ويتعرف كل منهم على الاخر بصورة اكثر قربا , وبالتالي تتحقق الاهداف المرسومة سواء كانت زيادة في الانتاج , ايا كان نوع هذا الانتاخ , خدمة او سلعة .
خامسا : تغيير المجسات ؟
في عموم الشرق الاوسط وفي بلدان الخليج العربي بالذات والعراق خصوصا ونتيجة لانواع الحكم الشمولي فيه , طغت ثقافة الحواشي المحيطة برأس المؤسسة او اعلى هرم فيها , حيث كانت ولازالت هذه الحواشي تمثّل المجسات او العين والرؤية والبصيرة للمسؤول او القائد لأي مؤسسة , وفي احيان كثيرة فان اغلب هذه الحواشي تبغي مصالحها الشخصية بعيدا عن مصلحة المؤسسة العليا , لذلك تحاول جاهدة حجب الحقيقة او المشاكل او الاخطار التي ممكن ان تطيح بالمؤسسة او تحرف مسارها , لذا على المسؤول او المدير او القائد او الوزير ان يعمل باستمرار على تغيير هذه المجسات او استخدام مجسات اخرى تمنحه الرؤية بشكل واقعي , والحديث عن هذه النقطة يحتاج مقال مفصل ومستقل بذاته .
هذه المبادئ الخمسة هي من اهم المبادئ التي ينبغي دراستها دراسة واقعية وشاملة من اجل ترصين وسلامة عمق المؤسسة الداخلية وتحقيق الاهداف والغايات التي وجدت من اجلها , لتنطلق بعدها الى البيئة الخارجية.