23 ديسمبر، 2024 1:28 ص

نحو إسلام بلا مذاهب/5

نحو إسلام بلا مذاهب/5

الحكم بما انزل الله و الوحدة الاجتماعية
الحكم عملية اجتماعية ظاهرية جدا تنظيمية وخدمية ، و مؤثرة جدا في اتجاهات الجماعات ، و كما يمكن ان تكون سلبية في عملية التناغم و التالف بين الافراد بل و سلبية جدا ايضا ، فانها يمكن ان تكون ايجابية و ايجابية جدا في تعظيم و تنمية اللحمة و التآلف و التناغم .

حينما ينطلق الحكم من مصادر موحدة او متقاربة فانه سيتمظهر و يبدو في الواقع باجراءات و ادوات و قوانين متقاربة بل حتى موحدة ، و هذا يساعد كثيرا في تسهيل و خلق التناغم و التآلف ، اما اذا صدر من منابع فكرية مختلفة فانه سينعكس باجراءات و قوانين متنافرة مختلفة تعقد و تهشم النسيج الاجتماعي .

ان انظمة الحكم الصادر من نقاط فكرية و جوهرية متقاربة او موحدة اذا لم تكن متوافقة من روح الافرد فانها ايضا ستحقق تنافرا ، و بالنسبة للمواطن المسلم فانه لأجل تحقيق تناغم و تناسق اجتماعي لا بد ان تكون انظمة الحكم صادرة من نقاط جوهرية و فكرية اسلامية . هذا هو السبب الاهم في عدم امكانية انظمة الحكم اللادينية في تنمية الوحدة الحقيقية فتبقى كل اشكال الوحدة التي تبدو متحققة هشّة و تنذر بالفشل و التمزّق بادنى فرصة او تدخل . بعبارة ثانية لأجل تحقيق مجموعة اسلامية متناغمة و متناسقة لا بد ان تنطلق انظمة الحكم من نقاط فكرية و جوهرية متقاربة و موحدة و بطبيعة و اسلامية ، لان عدم التقارب العميق يفشل في خلق التاغم اصلا ، و عدم الانطلاق من نقاط جوهرية اسلامية يفشل في التاغم من نفس و روح الفرد ، فتكون الوحدة الاجتماعية الحاصلة هشة ، وكذا هو القول فيما اذا انطلقت الانظمة من منطلقات طائفية ، فانها و ان كانت اسلامية الا انها غير متقاربة ، كما انها لا تناغم نفسية و روح الفرد الذي لا ينتمي الى الطائفة الحاكمة . و الكلام نفسه بالضبط في انظمة الحكم الناتجة عن اسس قومية او فكرية متحزبة . و لهذا السبب ايضا نجد القوى المعادية للجماعة تستغل الاختلافات الدينية او الطائفية او القومية لأجل اضعاف تلك المجموعة ، و بمثل هذا الاثر يكون الاختلاف الفكري . و يصوّر كثيرا لافراد تلك الفئة الدينية او الطائفية او القومية انها تدافع عن حقها في تلك المجموعة الكبيرة التي يجمعها نظام مجموعة ، و الحقيقة انها ليس فقط تعمل على اضعاف المجموعة الكبيرة بل انها تمنع من تحقيق التناغم و التناسق الاجتماعي ايضا . لذلك فان الاضطراب السياسي يقل كلما كان هناك تقارب في الاسس الجوهرية للحكم و توافقا مع روح الافراد .

من كل هذا يكون واضحا اهمية الحكم بما انزل الله تعالى من تعاليم في المجتمعات الدينية التوحيدية ، لان ذلك عمل بالعلم ، وهو كفيل بالاقتراب من الحقيقة ، و نقاط الحقيقة موحدة و وحدوية .

عناصر الوحدة الاجتماعية ، و التي تتمظهر بمظاهر مختلفة متناغمة و متناسقة لا تتيسّر الا بعناصر وحدوية عميقة . و العلم هو من اسباب الوحدة الاجتماعية لان العلم هو اكثر المظاهر الانسانية اقترابا من الحقيقية ، و لان الحقيقة واحدة لذلك فان الفرضيات العلمية الاصيلة لا

يمكنها الا ان تكون متقاربة و متناغمة و احيانا متحدة . اذن لاجل ألفة اجتماعية ظاهرية لا بد من ألفة فكرية باطنية ، وهذا الطريق الوحيد لأجل تحقيق وحدة اجتماعية .

استناد الحكم في الدولة التي افرادها مسلمون على تعاليم الاسلام في الحكم يحقق التناغم و التآلف الاجتماعي ، لانه صادر من نقاط علمية و العلم عنصر وحدة ، و لانه ايضا صادر من نقاط حقيقية و الحقيقة عنصر وحدة ، و لانه يتوافق و يتآلف مع نفسية الافراد وهو مهم للوحدة الاجتماعية ، و لا يعتقد ان التوافق حاصل فقط مع الفرد و المواطن المسلم بل انه متوافق مع الفرد غير المسلم لان الاسلام دين غير عنصري و غير تمييزي، و قد ضمن حقوق غير المسلمين فيه ، و هناك مطولات في حقوق أهل الذمة في الدولة المسلمة تدل على ذلك و تؤكده . وكذلك هذا يكشف و يبين الفشل المحتم للانظمة القائمة على العنصرية او التمييز ، فانها ستفشل في تحقيق التناغم مع افراد من المجموعة و الذي سينذر بالتمزق متى ما تمت الظروف كما انها ستكون سببا و طريقا للتدخل الخارجي . و ايضا الفشل بتحقيق التناغم و التوافق مع الافراد هو مصير تسلط مجموعة صغيرة و بنظام فئوي على الغالبية التي تخالف ذلك النظام فكريا و عقائديا .

من هنا يكون واضحا ان ( الحكم بما أنزل الله ) يحقق عناصر وحدوية عميقة تتمثل بالعلم و الحقيقة و التوافق مع الافراد ، هذه العناصر الوحدوية العميقة و التي يمكن ان نسميها ( عوامل الوحدة العميقة ) ستنعكس ظاهريا و على المجموعة بمظاهر و وصور و اجراءات و وقوانين تناغمية تناسقية وحدودية و هذا ما يمكن ان نسميه ( معادلات الوحدة الاجتماعية ) .