23 ديسمبر، 2024 1:14 ص

نحو إسلام بلا مذاهب/4

نحو إسلام بلا مذاهب/4

ردّ القطعي الى الظنّي و تفكيك الأخبار
بعد ان اوضحنا ان الاصح هو اتباع المنهج المتني في قبول الاخبار بقبول المصدق منها أي ما يصدقه القرآن و السنة القطعية و رد ما يخالفهما من الاخبار مهما كانت درجة سنده او طبيعة طريق نقله ، لقاعدة عدم التناقض في الخطاب الديني و التعاليم الدينية كما يقول تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) وهو الذي يدل عليه العقل لان الشرع نظام دستوري له روح و أركان و مقاصد لا يصح ما يخالفها من نقل مهما كان طريقه .

ولأجل غاية رفع التناقض و لحقيقة وجود نقل غير صحيح فان السبيل الى ذلك هو رد الظني و المتشابه من النصوص الى القطعي المحكم منها بعد وضوح فشل و قصور الطرق الاخرى لتحقيق هذه الغاية و منها المنهج السندي و الذي ولد اعتقادات خطيرة و بعيدة عن روح الاسلام كما هو معلوم للكثيرين .

عملية رد الظني الى القطعي موافقة و هي من صلب التصديق و الايمان لانها رفع للشك باليقين ، حيث اننا هنا نرد الظني الحامل بالشك الى القطعي الحامل باليقين ، و بهذا الوصل و السبب يرتفع الشك من الظني و يصير بتبعيته و مصدقية القطعي له من فروع اليقين ، فيمكن ان نسمي الاول أي القطعي باليقين الاصلي الاولي و الثاني أي الظن المصدق باليقين الفرعي الثانوي .

منهج التقييم المتني ليس فقط يرفع التناقض بين الاخبار و انما له القدرة على رفع الاختلاف بين المسلمين وهذه هي الغاية العليا ، كما انه يمهد الطريق نحو اسلام بلا مذاهب بوصايا و معارف مصدقة يصدق بعضها بعضا .

من الواضح ان المضمون الذي يحمله الخبر بحسب التقييم المتني و قاعدة رد الظني الى القطعي اما ان يكون مصدقا فيقبل او شاذ فيرد . و لأجل ورود حالة الدسّ و التحريف في النقل كما ان عملية الوضع واردة ، و لامكانية تعدد المضامين فان حالة اختلاف احوال مضامين متعددة في خير واحد واردة أي انه يمكن ان يكون الخبر الواحد يشتمل على مضامين متعددة تختلف في درجتها و قيمتها المتنية ، فيمكن ان يكون بعضها مصدقا و بعضها شاذا و هذا وارد جدا بل و واضح الوقوع ، لذلك يكون جائزا جدا تفكيك الخبر متعدد المضامين و معاملة كل مضمون منها على حدة و الاخذ و العمل بالمصدق و رد الشاذ منها .

ان ضرورة عملية التفكيك في الاخبار التي يفرضها العقل و الواقع تكشف الى حد بعيد الخلل الواضح في المنهج السندي الذي يتبنى نظرية القبول الكامل او الرفض الكامل لكل خير ، بحيث لا يمكن استثناء أي خبر من هذا القبول او الرفض الشمولي ، بينما التقييم المتني و الاقرار بضرورة تفكيك الخبر متعدد المضامين يتسم بواقعية و حقيقية و موضوعية . كما في عملية تمحيص المضامين و تمييزها و فصلها عن بعضها تربية اخلاقية في النظرة الى الخارج ،

بتقبل الجيد منه و رد السيء حتى لو اجتمعا في موضع واحد ، و بهذا يرتفع التقييم و الحكم عن الشخصنة و يصبح اكثر عملية كما انه سيكون متصفا بالانفتاح و مبتعدا عن الشمولية و الراديكالية التي تعاني منها بعض المدارس الشمولية البعيدة عن روح الاسلام .

ان هذا الانفتاح العلمي سيعمل على بثّ تربية الانفتاح على الاخر و القبول بالاخر ، كما انه سيعمل على نبذ الشمولية و الاحكام المسبقة و ادعاء المعرفة بحقيقة الآخر و وضعه الانساني و الديني ، و يربي الانسان على روح التعايش و قبول الاخر و التجاوز عن زلاته و اشاعة روح التسامح .

ان اهم ما يقلل من القدرة العملية و تحرير طاقة البعض ليس الانغلاق في التعاليم بل الانغلاق في انفسهم و منهجهم التعليمي . ان الاسقاطات التي تحصل بفعل التربية و ما يعتقد انه من الدين و العلم يؤدي بالنهاية الى انسان منغلق لا يتقبل الآخر و لا يتقبل العلم الذي عند الآخر ، فتجده معبأ بالادعائية و الفوقية و الطبقية و التي تمنعه من قبول الآخر و ما لديه من علم و نقل صحيح و وصايا حقة و يمنعه من التعايش معه و التوافق معه فتتحقق الخسارات المريرة .

القد اشاعت الشمولية الاكاديمية و التعليمية في بعض المدارس و المناهج الدينية و منها المدرسة السندية روح الانغلاق و رفض الآخر و تسببت في خلق هذا الانسان المنغلق و خرّبت النسيج الاجتماعي بسبب ما ادت اليه من تربية شمولية و نهايات حكمية غير واقعية . و على اصحاب الرأي اذا ما ارادوا لاهل هذا الدين ان يعيشوا بروح الوحدة و الوفاق نبذ تلك المنهجية الشمولية و منها الشمولية العلمية و النقلية و اشاعة روح التعايش و الانفتاح و قبول الآخر وما لديه من علم و نقل .