التقرير السنوي الذي اصدرته منظمة الشفافية العالمية وضع العراق في الترتيب الثاني للدول المبتلية بالفساد الاداري. وهذا التقييم الناتج عن استشراء آفة الفساد الاداري والمالي في العراق يثير الاستغراب ويطرح المزيد من التساؤلات وعلى رأسها: هل عجزت هيئة النزاهة عن اداء دورها في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة؟!. وهل استسلمت تماماً امام تفشي هذا الوباء؟!. ولماذا اتسعت دائرة الفساد الاداري بهذا الوصف المرعب وهذه الارقام المهولة؟!.
يؤكد المسؤولون المعنيون على وجود ثلاثة اجهزة مستقلة ومختلفة سواءاً في العمل الميداني او المستوى الاداري لكنها تتكامل في العمل من حيث وحدة الهدف المتمثل في مكافحة الفساد المالي والاداري: 1. دائرة المفتش العام في كل وزارة من الوزارات، 2. ديوان الرقابة المالية، 3. هيئة النزاهة. وهذه الهيئة تشكلت بعد سقوط السلطة السابقة حيث تتولى دائرة المفتش العام معالجة ومتابعة اية عملية فساد اداري في هذه الوزارة او تلك من خلال الصلاحيات التي يتمتع بها المفتش العام وتنفذها المجالس الانضباطية في كل وزارة. اما ديوان الرقابة المالية فيتولى متابعة عمليات الفساد المالي في كافة الوزارات والمؤسسات التابعة لها والدوائر المتفرعة عنها. وتحال القضايا الجزائية الى هيئة النزاهة والتي تتولى التحقيق المستقل فيها ومن ثم احالتها الى السلطة القضائية حتى اكتساب الحكم القطعي.
ومع وجود هذه الاجهزة الفاعلة المستقلة وبهذه الصلاحيات تظل عملية الفساد الاداري والمالي في تصاعد. حيث قدر المسؤولون في هيئة النزاهة الاموال المبددة اهمالاً او اختلاساً او تقصيراً بـ”160 مائة وستين” مليار دينار عراقي لم يوافق المسؤولون على احالة المقصرين الى القضاء. هذا عدا عن “سبعة مليارات” دينار عراقي تم اكتشاف التلاعب بها واستطاعت هيئة النزاهة اعادتها الى الوزارة المعنية.
ومع وجود هذه الارقام الخيالية.. وتعدد وتنوع قضايا الفساد المالي من عقود وهمية، وتعاطي رشاوي كبيرة، وتلاعب لجان التوظيف والتعيينات ولجان المشتريات، وعمليات وضع الاسماء الوهمية، والتزوير يظل عدد المحالين الى القضاء بهذه التهم لايتناسب مع سعة القضايا المذكورة وتظل الاحكام بسيطة ولا ترقى الى فداحة الجرم وخيانة الامانة وتبديد ونهب المال العام. ويتحمل القضاء تبعة حسم القضايا بما يناسبها من احكام حيث لا تمتلك هيئة النزاهة حق إصدار الاحكام او اوامر القاء القبض على المتهمين والمدانين. لقد كان للفوضى الادارية والمالية التي اعقبت عملية سقوط السلطة السابقة وما صاحبها من عمليات نهب وما رافقها من غياب للسلطة وضعف في تطبيق القرارات واضطراب الامن، والتهديد الذي يتعرض له العاملون المخلصون في مجال مطاردة المفسدين وضعف توفير الحماية لهم برغم ما تعرض له اعضاء ناشطون في هيئات الرقابة والنزاهة من خطف وقتل على يد الارهاب الذي يشكل الفساد المالي والاداري وجها اخر من وجوهه المتعددة. كان لكل تلك الاسباب اثر كبير وواضح في استمرار ظاهرة الفساد هذه وعدم تمكن الاجهزة المختصة والهيئات الفاعلة من القضاء عليها او تحجيمها.
صحيح ان هذه الاجهزة الرقابية حديثة التجربة على الساحة العراقية الجديدة وميدان عملها يتطلب الصراحة والجرأة كونه يطال جميع موظفي الدولة بغض النظر عن مركزهم الوظيفي او المنصب الذي يشغلونه وهذان العاملان قد يشكلان ضعفا في الاداء او تردداً في اتخاذ الاجراء اللازم. لكن شرف المهنة الصعبة وسمو الخلق ونبل الغاية والهدف قيم تعطي للعاملين في هذه الهيئات عزما وثباتا في اداء هذه الرسالة المتمثلة بالحفاظ على المال العام ووقف تبديد الثروة الوطنية وذلك بالتصدي الحازم للمفسدين من المرتشين والمختلسين وخونة الامانات وضعاف النفوس!.
لاشك ان مثل هذه المواقف تتطلب التعاون التام من قبل جميع العاملين المخلصين في دوائر الدولة وعلى كافة المستويات. وتضع على عاتق الجميع واجبا شرعيا وقانونيا واخلاقيا في دعم واسناد نشاط هذه الهيئات والمحافظة على النخب العاملة فيها، ورفدها بكل صغيرة وكبيرة تسهم في انجاح عملها، وابلاغها عن كل تصرف مشبوه وسلوك مريب يستهدف المال العام للانقضاض عليه وكشفه وافشاله قبل فوات الفرصة.