لنعكس الحالة. لو أن أية دولة مجاورة للعراق فتحت مدنها وقراها لمُسلحين عراقيين مدججين بأحدث الأسلحة فتمولهم وتدفع رواتبهم وتؤمن لهم الملاذات الآمنة أما كان على الحكومة العراقية وقواتها المسلحة، بغض النظر عن هوية الرئيس أو الحزب الحاكم، أن تفعل اللازم، بعد أن تعجز الديبلوماسية، دفاعا عن أمن شعبها وحماية لحدودها؟.
إن الملاحظ أن زعماء أحزاب العملية السياسية العراقية، فجأة، سارعوا إلى استخدام العمليات التركية الجديدة في شمال العراق سلاحا جديدا من أسلحة حروبهم الداخلية التي يخوضونها، فيما بينهم، منذ عام الغزو الأمريكي 2003 وحتى اليوم وإلى يوم يبعثون .
فالاتّحاد الوطني الكردستاني (العراقي) سارع إلى اعتبارها مؤامرة بين الرئيس التركي رجب أردوغان، وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني، واستدل عليها بزيارة رئيس حكومة أربيل مسرور بارزاني الأخيرة لتركيا.
فقد صرح القيادي في الاتحاد، فائق يزيدي، في حديث صحفي، بأن “الاجتماع الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسرور بارزاني حضره رئيس المخابرات التركية، وهذا يؤكد وجود مخطط لاستهداف الإقليم”. وقال إن “هذه العملية ناقوس خطر للتجاوز على سيادة الدولة العراقية”، “والجميع يعلم بأن الشريك الأساسي لتركيا هو الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
أما وكلاءُ النظام الإيراني العراقيون فقد تذكروا السيادة الوطنية العراقية، أخيرا، وراحوا يبكون عليها بدموع من دمٍ كذبٍ وهم يعلمون.
ثم تطوع بعضهم لاعتبار “أن المطامع التركية القومية لن تتوقف حتى تستعيد الموصل وكركوك، مع اقتراب موعد انتهاء صلاحية معاهدة لوزان” في 23 تموز/يوليو 2023.
أما وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، فقد اعترف بـ “قصف أهداف وملاجيء ومخازن ذخيرة لمسلحي حزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق”. وقال إن “عمليتنا مستمرة بنجاح حتى الآن، كما هو مخطط لها، وتم اعتقال الأهداف التي تم تحديدها في المرحلة الأولى“.
كما أوضحت وزارة الدفاع التركية في بيان آخر أن العملية ركزت على مناطق ميتينا، وزاب، وأفاشين – باسيان في شمال العراق. وذلك لـ”منع الهجمات الإرهابية” ولـ “ضمان أمن حدودنا”، استنادا لمعلومات تفيد بأن “حزب العمال الكردستاني يخطط لشن هجوم على نطاق واسع”.
ويشير خبراء عسكريون إلى أن الجيش التركي الذي هاجم قبل أشهر منطقة “غارا” الاستراتيجية شمالي العراق يهدف إلى توسيع سيطرته البرية في مناطق “ميتا وزاب أفشين” وهو ما يجعله أقرب إلى مقر قيادة حزب العمال التركي في جبال قنديل، واستخدام القواعد الجديدة في أي عملية متوقعة ضد قنديل أو سنجار وحتى مخمور في وقت لاحق.
ويذكر أن جبال قنديل في إقليم كردستان العراق تقع عند نقطة التقاء الحدود العراقية الإيرانية التركية، وتمتد بعمق نحو 30 كيلومتراً داخل الأراضي التركية، وتبعد بنحو 150 كيلومتراً عن أربيل.
أما الناطق باسم رئاسة جمهورية العراق فقد دعا إلى” تعزيز العلاقات الإيجابية مع تركيا، على أساس المصالح المشتركة، وحلّ الملفات الأمنية عبر التعاون والتنسيق المشترك المسبق”، إلا أنه اعتبر” الممارسات الأمنية الأحادية الجانب في معالجة القضايا الأمنية العالقة أمراً مرفوضاً، ويجب احترام السيادة العراقية”.
كما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية قائلا، “إن حكومة العراق ترفض رفضاً قاطعاً، وتدين بشدة العمليات العسكرية التي قامت بها القوات التركية بقصف الأراضي العراقية في منطقة متينة، والزاب، وأفاشين وباسيان في شمالي العراق، عبر مروحيات أتاك والطائرات المسيرة”.
ورغم أنه أعلن أن الحكومة العراقية “تؤكد أن لا تكون أراضي العراق مقراً أو ممراً لإلحاق الضرر والأذى بأي من دول الجوار، وترفض أن يكون العراق ساحة للصراعات وتصفية الحسابات لأطراف خارجية أخرى”، إلا أن أحدا من هؤلاء وأؤلئك، أجمعين، لم يذهب إلى أصل المشكلة، خصوصا وأنها ليست وليدة اليوم، بل هي قائمة منذ زمن طويل، ومن قبل الغزو الأمريكي للعراق.
ودعوة الحكومية العراقية، الصادقة أو المنافقة، إلى احترام مبدأ حُسن الجوار دعوة منقوصة، بالأدلة والبراهين. فعن أية سيادة يتكلم المتكلمون وجيوش حزب العمال الكردستاني التركي تحتل مدنا وقرى عراقية بالكامل، وتمنع أي عراقي كردي أو عربي أو تركماني من الاقتراب من حدودها، وتستخدم جبالها وكهوفها معسكرات تنطلق منها لتعبر الحدود التركية وتقوم بأعمال عسكرية ضد مواقع ومؤسسات تركية بعضها لا علاقة له بالحكومة التركية، لا من قريب ولا من بعيد.
وإذا كانت أحزاب البيت الشيعي بهذه الحماسة والإخلاص والخوف على قدسية السيادة الوطنية العراقية فلم لم تستأذن، قبل سنين، من حليفيها الحزبين الكرديين الكبيرين اللذيْن سمحا، بشكل أو بآخر، لحزب العمال الكردستاني بالإقامة بين ظهرانيهما، ثم ترسل حشدها الشعبي لحماية أعراض العراقيين وكراماتهم وأرزاقهم وتحريرهم من هيمنة الإرهابيين الغرباء؟
ويهدد رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، فيقول إن “العراق دولة ذات سيادة كاملة”، و”إذا تكرر ذلك منها فلن نسكت عنه”، ونسأل، ماذا سيفعل، هل سيرسل جيش المهدي أو سرايا السلام لمقاتلة الجيش التركي، أم لطرد المسلحين المحتلين الغزاة؟
وحتى حين يطالب عمار الحكيم “الحكومة العراقية بمسك الحدود ومنع أي جهة استخدام الأراضي العراقية منطلقاً لتنفيذ هجمات ضد دول الجوار”، فإنه لا يخرج عن سياسة إيران الهادفة إلى منع تركيا أو غيرها من منافستها على بسط سلطانها على الأراضي العراقية، كاملة غير منقوصة،. فالصواريخ الإيرانية الأخيرة والمسيَّرات التي اعترف الحرس الثوري الإيراني بمسؤوليته عنها لم تكن دفاعا عن السيادة الوطنية العراقي، بقدر ما هي انتقام مقصود من حكومة أربيل التي تريد أن تشق عليه عصا الطاعة، وتحاول التملص من تحالفها القديم مع البيت الشيعي.
أما الحل الذي لن تسمح بها قيادات الحزبين الكرديين العراقيين ولا حلفاؤهما الولائيون الإسلاميون، معا، فهو دخول الجيش العراقي بقوة واقتدار لطرد عصابات الأكراد الأتراك، وتحرير القرى والمدن العراقية، وتأمين حدود الجارة تركيا احتراما لمبدأ حسن الجوار الذي يتحدثون عنه، وهم كاذبون.