ان بقاء العراق ومازال يكابد واقعاً امنياً ظالماً لم يكن في الحسبان بعد زوال الطاغية عام 2003 امر لم يعد مقبولاً بكل الحسابات.
ولا مناص من وجوب اعتراف الاخوة السنة المتمثلين بيدهم الضاربة من ازلام حزب البعث بانهم هم من بدء زعزعت الواقع الامني العراقي بتنفيذهم سلسلة المشروع التفجيري اينما وكيفما يسمح لهم الظرف بذلك، ومن يعترض على هذا الكلام ويعتبره اتهام باطل فليس لنا الا الرجوع لارشيف الاعمال الارهابية منذ انطلاقها.
الان وبعد تتويج مسيرة حزب البعث ” البطولية ” هذه باخراج هذا المشهد الداعشي المظهر البعثي المضمون، والذي اظهر كل ما يستطيع من ادواته الارهابية على سليقته المعهودة منذ ايام ابو طبر واحواض التيزاب لايمانه بانه يخوض الفرصة الاخيرة لاسباب عدة منها وجود حواضن له في المناطق السنية، وقوف الجانب السني منظمات وعشائر معه واعتباره اليد الضاربه واعطائه الضوء الاخضر للثأر من الشيعة واعادة السلطة باي ثمن، واكتمال حلقات الاتهام بتبعية الشيعة للصفوية المرفوضة عربياً والتي لم تخفف منها ولا حتى قيد انملة سياسة ايران من القضية الفلسطينية ومؤازرتهم لها بالموقف والمال وربما حتى بالسلاح، وضعف البيت السياسي الشيعي، وضياع هيبة الدولة وتلوث سمعتها بسبب الخيانات والفساد المالي والاداري، ومواضيع اخرى من اهمها عدم الجدية في وضع الاسس الصحيحة لبناء دولة متماسكة لتأخر حل امور اساسية لهذا البناء مثل الاحصاء السكاني وقانون النفط والغاز وقانون الاحزاب وقضية كركوك، واعتماد صيغة تولي المناصب بالوكالة … الخ وهكذا من الامور التي كان البعث مستعداً لدفع نصف عمره لكي يرى هذه الفوضى واقعاً يعيشه البلد ان لم يره جاهزاً يقدم له على طبق من الذهب ليوظفوه لتحقيق هدفهم في العودة.
بعد ما حصل وما رأيناه من ممارسات لايمكن وصفها الا بابعد ما تكون عن الشعور بالوطنية على اقل تقدير وتجسيداً لاعلى حالات الابتزاز بعد حصول حالة التغيير وفي ليلة التصويت على الكابينة الوزارية الجديدة.
فخروج حيدر الملا على الشرقية وهو يمسك ما يسمى بوثيقة المطالب السنية مطالباً جميع قواهم السياسية بعدم المشاركة في العملية السياسية دون الموافقة على ما فيها ومن اهم بندين فيها هو حصولهم على 40% من الوزارات واخراج المسجونين حتى الارهابيين منهم بحيث اجاب في احدى جولات التفاوض بقوله ( كيف يمكن ان نسمي ذلك عفو عام ان لم يطلق سراح المتهمين بالارهاب ) زاعماً ان الآخرين من المعتقلين سوف يتم اطلاق صراحم بالتاكيد لانهم ابرياء.
وطبعاً غيرها من الامور المعروفة ولكن هذان المطلبان مع مطلب الغاء المسائلة والعدالة يمثل عودة عملية حقيقية لازلام البعث بحيث ان المعلقين السياسيين اكدوا بان الطريق سيكون ممهداً لعودة عزت الدوري.
اننا دفعنا ثمن سكوتنا على ظلم الحقب الماضية وصولاً الى زمن البعث الغاشم.
ودفعنا ثمن الصاق تهمة التبعية للصفويين رغم عدم استفادتنا منهم بالشكل الذي يصوره البعثيون، هذا ولم يتهم شيعة العراق بهذه الضجة في الماضي قبل تسلم الشيعة السلطة في ايران وزوال حكم الشاه.
ودفعنا ثمن ابراز حسن نوايانا في التعايش السلمي في العراق واطاعة توجهات المرجعية في العظ على الجرح والتمسك بضبط النفس.
ودفعنا ثمن غالي جداً بالقبول بحكومة الشراكة الوطنية رغم الاغلبية التي تمكننا من حكومتها.
وآذانا كثيراً الافراج عن بعض الارهابيين من سجوننا كما حصل لبعض السعوديين… الخ من امور قاصمة للظهر التي ما كان لحزب البعث التنازل لمجرد التفكير بالقبول باي منها لو كان متربعاً على كرسي السلطة.
رغم كل هذا ومازالت مسرحياتهم لاتنتهي على غرار مسرحية حيدر الملا آنفة الذكر وظهور الدواعش وستستمر طالما هنالك شيعي يتولى الحكم في العراق، فنحن ندرك طبيعتهم كطلاب سلطة.
ناهيك عن تغير مواقفهم ومتابعتها حسب الظروف، فقد كانوا بالامس ضد الفدرالية واصبحوا اليوم يهددون بها.
واذكر هنا عندما جمعني لقاء في عمان قبل سبعة سنوات مع احمد العلواني المعتقل الآن والذي ينادي بالاقليم وظافر العاني في ندوة حول الفدرالية، ولم يكن لي بحث وقتها ولكن كانت لي مداخلة بعد ان انتهت الكلمات فقلت مبتدءاً وقبل الترحيب بالحضور ( لو كانت الفدرالية رجلاً لقتلته هذا مايجول في نفوس البعض )، وعندها تفاجئت بيد ظافر العاني وقد غمز رجلي من تحت الطاولة دون ان يراه الحظور حيث كان بجانبي، ولكني اكملت مداخلتي طبعاً.
وما ان حان وقت الاستراحة حتى جائني العاني والعلواني ودخلوا معي في نقاش وهم يعتبون وكان عتابهم بطريقة اخويه ولماذا قد قسيت عليهم باحكامي التي اطلقتها ولكن بعد النقاش توصلوا الى اني لست بتلك القسوة وانني اتمتع بشفافية لم يكونوا يتوقعوها لولا نقاشهم معي الامر الذي ادى الى علاقة طيبة بيني وبينهم والحق يقال، بحيث ان العاني اوصلني الى البيت عند عودتنا الى بغداد، وقد همست في اذنه حينها قائلاً تصور انني لم اكن من قبل اتوقع انني ساقف الى جانبك واطيق التحدث معك لهذا ربما سيدفعني ذلك يوماً لكتابة موضوع عنوانه ( سبحان الذي الف بين قلبي وظافر العاني ) فانا اعترف بكامل قواي العقلية باني اصبحت من المؤلفة قلوبهم في علاقتي معك فضحك وقال الى هذه
الدرجة. على انني اعترف وهذا للتاريخ بان الرجل كان صريحاً معي لتاكيده على عدم تخليه عن المطالب السنية، وقال انه التقى الجعفري وقد كرمه بتخصيص مدرعة له لمجرد انه طلبها منه ولكن بعد امتلاكه لها وحينما خرج بها وحصل ان استضيف في لقاء صحفي انتقد حكومة الجعفري بشدة.
هكذا هم، اما نحن فاعتقد اننا عرب اقحاح من رؤوسنا حتى اخمص اقدامنا ليس لانحدار اصولنا انما لمجرد انطباق المثل العربي الذي يقول (شيّم العربي واخذ عباته ) علينا مئة بالمئة.
والان وبعد وصول العراق الى وضع لايمكن تغطية وصفه حتى بالاستثنائي، وفي عهد رجل مخلص لم يمر بتاريخ العراق رجل مخلص مثله اللهم الا عبد الكريم قاسم مهما حاول البعض التشويش على ذلك حيث اننا واثقين مما نقول بل اسمحوا لي ان اقول هنا انا اتحدى اي شخص في العراق ان ياتيني بشخص افضل مقدرةً واخلاصاً من الدكتور العبادي وهو ما جسده الرئيس الامريكي اوباما حيث لم يتحدث بشكل منبهر فقط عن العبادي بل كان يتحث بصيغة لم يسبقها في حديثه عن اي رئيس آخر وهو رجل غير عادي انه رئيس اكبر دولة في العالم وقد التقاه مرتان بظرف ساعتين، مما اثار فضولي بحيث انني اتشوق للقاء الدكتور الان فقط لمعرفة ماذا تكلم مع الرئيس اوباما ليغسل دماغه بهذا الشكل، انه الدكتور العبادي الذي عرفناه ونستعد للمراهنة امام الله وامام ابناء شعبنا على حرصه واخلاصه وسلامة مواقفه.
ولكن رجاءً لايمكن توقع عمل كل شيئ من الرجل بين ليلة وضحاها ودون تعاول الآخرين وخصوصاً ابناء الشعب معه، فمن المعقول منحه بسبب هذه التركة ” المصخمة ” التي تسلمها على الاقل ستة اشهر ان لم يكن عام للحكم على وضعه وان كان الرجل قد ابدى بداية مباركة وقوية متحديا كل الصعاب والكتاب يقرأ من عنوانه كما يقال وقد ابدى وبشكل صريح ينم عن كامل الثقة بالنفس بانه مستعد لاتخاذ قرارات صعبة.
انني اعتقد انه رجل المرحلة واذا ما حاول احد التخلص منه او حرماننا من خدماته او محاولة اغتياله لاسامح الله فعلى الشعب ان يخرج عن بكرة ابيه لانه ليس من السهولة توفر هكذا فرصة او ربما لن تعود، اننا بهذا لانكون من المتملقين انما نتكلم بما يمليه علينا ضميرنا وبما نعلم به فانا لم اتملق عندما ساهمت بترشيح السيد المالكي بل كتبت مقالة بعنوان ( الارتياح الحذر ) وطالبته فيها ان لايتغير بعد تسلمه المنصب لانني لم اطلع على طبيعته عن قرب آنذاك كما اوضحت في مقالة القصه معه.
اقول بعد ان منَّ الله علينا بهذا العهد الذي يبشر بخير اليس من المفترض على الاخوة السنة التعاون بشكل علني وواقعي لابداء حسن النية والتصدي للبعثيين الدواعش بشكل حازم؟.
نحن نفهم مصالح الدول الاقليمية والدولية ومن اهمها امريكا التي لايهمها الا الرأي العام الامريكي ورعاية مصالحه وان الدول الاوربية منهكة حالياً اللهم الا امكانية الحراك بشكل محدد من قبل لندن وباريس وربما برلين والدول العربية ليس لها الا الرهان الطائفي رغم تردي اوضاعها وخصوصاً السعودية وقطر والاردن صاحبة الوضع المريب.
بهذا فقد اصبحت حلقة الوضع العراقي محكمة والاحتمالات المطروحة على المدى القريب والبعيد محسوبة ومعروفة لدى الجميع ومنها مشروع بايدن، عليه لسنا بحاجة لذكرها او لاطالة الكلام في هذا المجال وما نريد قوله هنا:
اننا لابد من مواجهة الامر بشكل واضح وصريح فلا نقول لكم كما قال الامام الحسين (ع) لمعسكر بن زياد ( نحن وانتم على دين واحد ما لم يقع بيننا القتال ) ، بل نقول لقد وصل الامر حد كسر العظم ونحن وانتم لسنا على دين واحد بل لاوجود للاسلام انما ندرك ان ما موجود هو مجرد مذاهب تدعي الاسلام وان الحالة السياسية وصلت مداها وان شعبنا لايمكن ان يتحمل اكثر من هذا وعليه لابد من نهاية لما انتم ماضون عليه وحسم امركم لاثبات وجود فسحة في قلوبكم قبل عقولكم للتعايش معنا كابناء وطن واحد مهما كانت معتقداتهم، اي على اساس المواطنة وترك المنظار المذهبي.
هذا امر اساسي فان عدم تواجد هذا الاستعداد من شانه انهاء العلاقة بشكل صارم. فلنا ان نتخيل انتهاء داعش واختفائها ولكن ثم ماذا؟، هل من حلول ناجعة تفضي الى وضع آمن بناء ان لم يتوفر هذا الاستعداد؟.
اننا نؤكد هنا ان اساس التعايش الذي نطالب به يعتمد كما هو شأن كل الشعوب والدول المتطورة على مبدأ الديمقراطية وممارسة الانتخابات فان كانت لكم الاكثرية في هذه الستراتيجية فمبروك لكم واللهم لا اعتراض ولكن عليكم بنتائج قبول العملية التي توْكدها طبيعة البلد واغلبيتنا وهنا لن نتنازل عن حقنا وان فنينا عن بكرة ابينا فالحق يعلو ولايعلى عليه وبهذا نسدل الستارة على هذا الوضع الهزيل الذي لم يعد يحتمل ولايطاق.