مرت العلاقة بين اتباع المذاهب الاسلامية بين مد وجزر وكانت جذور التصاهر مؤرخة منذ زمن الامام علي (ع) كما بينا وربما يحق للعراقيين ان يكون امر التزاوج بين المذاهب السنية والشيعية تاج على رؤوسهم يتباهون به على رؤوس الاشهاد امام كل الدول “الاسلامية” كأكبر دولة تمتاز بهذه الميزة رغم قلة تعداد سكانها مقارنةً ببعض الدول “الاسلامية” الاخرى.
وكانت هذه الميزة تشق طريقها بثبات الى الامس القريب بسبب تواجد الشيعة في هذا البلد اكثر من غيره من بلاد “المسلمين” حتى تحوّل زمام الحكم من السنة الى الشيعة في 2003 عندها انبرى الاخوة السنة معارضين لهذا التحول وبدأ عهد من المواجهة الشرسة التي لاتمثل الا حرباً من الحروب الطائفية الحقيقة مهما حاول البعض التقليل والتهوين من امرها لغايات نبيلة دون شك ومن اهم هذه المحاولات التي اتت اكلها فعلاً هي محاولات السيد علي السيستاني الى ان وصل الامر الى انتهاك حرمات البلد عندها اوجب ما لا مفر منه مطلقاً دعوته للجهاد الكفائي.
وان اردنا التعليق بشكل عابر على هذا الامر فهو لايعبر الا عن بساطة ووداعة الشيعة وروحهم الاجتماعية وطبيعتهم بقبول الآخر في كل الاحوال حتى وان كان حقهم مغبوناً، وهو يعبر في ذات الوقت مع الاسف الشديد عن سذاجتهم وعنجهيتهم الفارغة وانهم اناس بياعي كلام وليسوا ممن يصمد امام الظروف لتحقيق اهدافه والا فأن كان هذا ديدنهم وقبولهم بالطرف السني والتصاهر معه دون اي خطوط حمراء في العهود التي كان يتربع على حكمهم السنة فلماذا يرفعون شعار(يالثارات الحسين)؟، فمن يراد الثار منه للحسين (ع)؟، اسألةُ يحار فيها عقل الفطين ولا اعتقد ان باستطاعت رجال الدين الشيعة الخروج باجوبة ناجعة لها انما هم منشغلون بشرح بن عقيل وكيفية التجويد والتمسك بالقشور دون اللب وكيف ننشأ المزيد من الحسينيات حتى اصبح الموضوع في الآونة الاخيرة كموضة يتخذها البعض ببناء حسينية من تبرع الخيرين حيث لابد من بناء دار له بجوارها ليسكن فيها فهو صاحب هذه الحسينية ولا يستطيع احد بالبوح باي اعتراض وان كان تواجد حسينية اخرى لاتبعد عنها سوى بضعة عشرات من الامتار فسوف يتهم بانه يكفر بالله اولاً ثم بالامام الحسين، وهل يستطيع احد الاعتراض على تواجد الحسينيات او حتى المساجد بين البيوت وكثرت القراءة فيها بصوت عال دون مراعات لاذواق الناس، ولكني لاحظت والله على ما اقول شهيد ان من يريد شراء داراً ويجدها بجوار احدى الحسينيات فلا يقدم على شرائها الا بثمن بخس وهو الامر الذي ان دل على شيئ فأنما يدل عل حالة من النفاق وعدم مصداقيتنا بل وعدم مواجهة انفسنا بالامر الصريح واترك حكم هذا الامر للناس ان كان سيقربنا لله ام العكس مدركأً بصورة لاتقبل الشك بان اللعنات ستنصب عليّ بسبب هذا الحديث ولكن عزائي ان خيطي مع الله لاينقطع وهو وحده اعلم بالنوايا وليقل الآخرون ماشاؤوا فها هو الوضع الاسلامي الى تردٍ بسبب هذه العنجهية وعدم المصداقية والحليم من يتعظ.
والمؤشرات توضح ثمة تغيّر في الوضع الان فقد صحا الشيعة من غفوتهم وما على الاخوة السنة الا ان يصحو هم من غفوتهم ايضاً ويكونوا منصفين للقبول بالامر الواقع الذي لايزيدهم الا عزاً وفخراً بتبنيهم الاعتراف بمبدأ حقوق الانسان الذي لايمكن الوصول اليه الا عبر الآلية الديمقراطية لانهاء حالة العداء معتبرين انفسنا لسنا على دين واحد كما ذكرت ذلك فيما سلف وتقبل الآخر من هذا المنطلق الوطني الذي يكفله القانون كملاذ حقيقي وان تطلّب الامر ابعاد الدين وفصله عن السياسة فاليكن، فلا خير في دين لايحفظ دم المسلم وحرمته بكل صراحة وهو ما اكده الله ورسوله.
نعم آن الاوان ليضع الشعب العراقي كل رجال الدين من سنة وشيعة امام الامر الواقع ليحسموا امرهم وتخليصنا من هذ الاحتراب المذهبي بالطريقة التي يرونها ولو انني اتحدى بكل صراحة ان ياتيني احد بافضل من المبادرة التي طرحناها وعبرنا عنها (بالمبادرة التي لاتموت)، ولكننا نقول عسى ان ياتينا من يستطيع التقاط الفكرة الشاردة لنقبل اياديه بتخليصنا مما نحن فيه.
لقد بدأت الحروب الطائفية منذ ان اتخذ معاوية التوجه الى اعادة الهيمنة الى آل امية حيث لم يستطع التخلي عن ذلك الجاه الذي كان لال ابي سفيان زمن الجاهلية، متجاهلاً ما جاء به الرسول من امر الله، معلناً نفسه خليفة على اهالي الشام الذين استطاع بمكره تصوير آل الرسول بانهم من الخوارج فجند كل دهاءه لشن الحروب على شيعة الامام علي الامر الذي املى على الامام التصدي له باعتباره امراً اكثر اهمية بكثير من فتح المزيد من بلاد الله الواسعة فما قيمة فتح البلدان ودار الاسلام الاساسية خربة يعبث بها من يشاء امثال معاوية وابنه النزغ وخلفهم الزنماء من آل امية او بني العباس ولايراعى فيها لدم المؤمن الصادق حرمة ؟، واستمرت الحروب حيث زادها ناراً ابنه في واقعة الطف وهكذا اصبح سن هذه السنة سارية بين الطرفين كالنار تحت الرماد لاتحتاج الى ايقاظها الا القليل من العواصف التي تمر بهذه المذاهب وان كانت كمر السحاب.
لا اعتقد ان احد لايكترث بالعدد المهول الذي عانا منه اتباع المذاهب من الحروب الطائفية التي ابتلي بها حتى الاغراب من غير العرب كالباكستانيين والهنود والفلبينينن وكاننا جلبنا عليهم سبة بايصالنا الاسلام لهم في حين كان من المفترض ان يكون رحمة كما اراده الله لهم.
ولم تكن هذه الحروب بسبب خلاف عقائدي او فكري فلو كان هذا الخلاف يتسم بالمصداقية لكان الحوار هو الملاذ لانهاء هذا النزاع ، انما السبب الحقيقي هو التسلط وشعور الهيمنة وحب القيادة التي زرعها معاوية كمعضلة سياسية في طريق الاسلام، اي ان الخلاف هو الحكم كما عبر عن ذلك ادريس هاني، ان الخلافات العقائدية المذهبية مشخصة، فمنها خلافات اساسية كالعصمة والولاية والصحابة والتقية والميراث والمتعة ولكنها بمرور الزمن وتعاظم الخلاف تطورة لتشمل الطقوس المستجدة كضرب النفس او مايسمى ( بالتطبير ) حيث انه من الطقوس المستحدثة، اي اننا يجب ان نتوقع المزيد من التباعد بدل التقارب بمرور الزمن بسبب المسائل المستحدثة وفتح باب الاجتهاد والفتوى وما يزيد من تاجج ذلك هو التعصب فالمعروف ان التعصب للافكار الدينية هو اقصى انواع التعصب كما يؤكد ذلك المغربي احمد الخمليشي وغيره.
وقد وصف هذا الصراع السلطوي (بالفتنة المقدسة) وهو مصطلح غاية في الدقة على ما ارى فهو يشخص حقيقة الصراح بانها الحكم ولكنها محكومة وملغومة بافكار وعقائد مقدسة وهي العقائد المذهبية التي لايمكن التنازل عنها.
وقد نمّى هذا الخلاف التاريخي نوعاً من عقلية التخاصم كما يؤكد ذلك الكاتب السوري ابراهيم محمود.
ورغم ان الوضع مر بفترات قد تشهد بعضاً من التسامح قد يصل حد التعاون الا انه لايرتقي لكبح جماح الصراع على رغبة التفوق والتسلط.
فقد كان في وزارة الرشيد بعض الوزراء الشيعة كمحمد بن الاشعث وعلي بن يقطين وكان ابو سلمة الخلال وزيرا للسفاح ويعقوب بن داود وزيراً للمهدي وقصة الامام الشيعي الثامن الرضا (ع ) مع المامون وكيف كان ينوي منحه ولاية العهد معروفة تاريخياً ويقر بها الشيعة، وكان مثال الدولة الفاطمية اقوى من غيره في هذا المجال حيث شهد عصر المرحلة المصرية تسامحاً وتداخلاً سياسياً واسعاً فقد استوزر الفاطميون وزراء سنة اضافة الى الاماميين وحتى وزيراً مسيحياً وهو بهرام الارمني، ولكن هذا لم يقلل من التنافس بين الفاطميين والعباسيين للهيمنة على مصر والعراق والشام.
هذا ناهيك عما تزخر به كتب رواة الحديث من الطرفين وكيفية اعتماد كل طرف على بعض الرواة من الطرف الآخر، قد يصل الامر الى تسمية احد الرواة بالثقة وان كان من الطرف الآخر.
ولكن لم تعد هذه الفترات الا بمثابة نفحات في الطريق كمن يمر بطريق طويل كريه الرائحة يشم عبر فترة واخرى نسمة طيبة ماتلبث ان تقضي عليها رائحة الطريق الكريهة الطاغية فتنسيه تلك النسمة.
وقد جعل الاخوة السنة من وجود دولة شيعية الى جوار شيعة العراق وهي ايران معضلة اضافة المزيد من التعقيد للمشهد السياسي بين السنة والشيعة حتى انهم اتخذوا ستراتيجية جديدة لمواجهة الشيعة بتصنيفهم ضمن العنصر الفارسي ووصفهم بالصفويين محاولين بذلك الغاء القومية العربية للشيعة.
ورغم ان هذا الصراع بدء منذ الصراع العثماني الصفوي متمثلاً بمعركة جاليدران عام 1514 مروراً بالصراع العراقي الايراني ايام المقبور صدام حول شط العرب الذي انتهى الى حرب امتدت الى ثمان سنوات لكننا تابعنا كيفية تدخل المقبور الاردني الملك حسين واطلاقه اول قذيفة باتجاه ايران ايذاناً ببدء الحرب ضد الصفويين وانتهاءً بارسالهم للمقبور الثاني الارهابي ابي مصعب الزرقاوي وكيف ان حكومة البدو في الاردن سمحت وربما شجعت اهالي الزرقة بالاحتفال ببطولات مقبورهم الزرقاوي ضد شيعة العراق.
حتى وصل الامر بالمعزول المصري حسني مبارك وهو يصف شيعة العراق بانهم ايرانيين ويتهمهم بولائهم لايران.
ويدخل ضمن هذا الصراع النزاع الخليجي الاماراتي مع ايران على الخليج هو الآخر.
غير ان الامور وصلت الى مداها الان بعد التحرك الشرس الذي قام به ازلام البعث الصدامي منذ عام 2003 وزعزعتهم لامن العراق عبر الاسلوب الدموي الذي اعتمدوه منذ اليوم الاول تزامناً مع التحرك السياسي لعناصر متطرفه حد النخاع كحارث الضاري وصباح المختار وعبد الملك السعدي وطارق الهاشمي ومن على شاكلتهم والدعم المذهبي المتطرف اللامحدود للدول الخليجية خصوصاً والعربية الاخرى عموماً لهم جعلهم يشعرون بحالة من الطغيان فباتوا يغالون بمطالبهم السياسية لنيل اكبر المكاسب من جهة ولكنه ادخل حالة من الحذر والجفوة بين الطرفين منذ زوال زمن الطاغية صدام من جهة اخرى وقد وصلت اوجها طبعاً بظهور الدواعش.
وقد فرضت هذه المرحلة المستجدة واقعاً اجتماعياً جديداً يتجلى من خلال احدى مصاديقه الاجتماعية في تراجع ظاهرة الزواج المختلط بين السنة والشيعة بشكل لم يسبق له مثيل وهذا ما اوضحته دراسات ميدانية للجنة الازمات الدولية ومعهد بروكينز عام 2006.
ختاماً يفرض علينا هذا الواقع المرير تبني مناهج مختلفة تجعلنا نتعايش كابناء وطن واحد “ان كنا نمتلك الرغبة بذلك” على اساس وطني يحكمه القانون مدعوماً بعوامل مساعدة قوية منها اعداد مناهج تعليمية تتماشى وهذا المطلب وتثقيف اعلامي جديد وان يتولى كل من السنة والشيعة نقد سلبياتهم بانفسهم واللجوء الى طرف قوي محايد لانهاء النزاعات المستجدة كمجلس الامن او محكمة دولية مثلاً من خلال مشروع وطني يتفق عليه وتشهد عليه اطراف محايدة.
اللهم احفظ العراق والعراقيين من داعش وما ورائها ومن كل مكره.
وهو تعالى من وراء القصد.