16 أبريل، 2025 12:51 م

نحن من صنع الطغاة

نحن من صنع الطغاة

من ذاكرة الايام التي لا تنسى اذكر انني شاهدت عبر التلفاز زيارة من زيارات الطاغية الى احدى المدن خرج الناس عن بكرة ابيهم شيوخ ونساء شباب واطفال وحتى الدواب يرقصون يهتفون يتصايحون بانفعال لا يشبه الوعي ولا يمت بصلة للادراك تهتف حناجرهم بكلمات محفوظة وتلهب اصواتهم الجو بحماسة مزيفة توزع بعض الاموال هنا وهناك تلتقط الكاميرات المشاهد من زوايا مختارة تبثها وسائل الاعلام كأنها لحظة تاريخية لا تعاد روى لي رجل كبير في السن استاذ في الاعلام النفسي وكان يشغل منصب مسؤول عن التوجيه النفسي في ديوان الرئاسة حكى لي تفاصيل لا يعرفها احد عن كيفية تسويق زيارة الطاغية الى المحافظات قال لي عندما نعلم بموعد الزيارة نبدأ بتكليف بعض العناصر المرتبطين بنا بشكل غير مباشر لا ينتمون للحزب ولا يحملون صفات رسمية ولكنهم مدربون على اشعال الحماسة على تحريك الحشود على خلق الاجواء التي تعطي الانطباع ان الشعب خرج من قلبه ووجدانه لاستقبال القائد هؤلاء يبدؤون بالرقص بالتصفيق يطلقون شعارات محفوظة يؤثرون على الناس يدفعونهم الى التفاعل وعندما تنتهي الزيارة ينتشرون في المقاهي في الاسواق في الاماكن العامة ليعيدوا تكرار الرواية يضخمون الحدث يؤلفون القصص قلت له انكم كنتم تطبقون نظرية العقل الجمعي فقال نعم ولكننا لم نكن بحاجة كبيرة اليها لان اغلب الناس كانت تتولى المهمة عنا تصنع القصص تروي الخيال تصدق نفسها وتزيد في الحقيقة هذه اللحظات جعلتني افكر بعمق في مفهوم الطغيان فهل الطاغية هو وحده المسؤول عن الطغيان ام ان الطغيان يولد من رحم التبجيل من افواه الجماهير من خوف القلوب من قمع الذات الطاغية ليس اكثر من ممثل يجيد دوره ببراعة ولكن من يمنحه البطولة المطلقة هو الجمهور الطاغية لا يصنع نفسه بل يُصنع من صمتنا من رغبتنا في ان نُقاد من تنازلنا عن عقولنا وعن حقنا في الرفض الطغاة لا ينزلون من السماء بل يرفعهم الناس على الاكتاف ويحيطونهم بهالات القداسة ويغلقون عليهم ابواب المساءلة .نحن من صنع الطغاة ونحن فقط القادرون على ان نكسر الصنم الطغيان لا يسقط بموته بل بسقوطه من داخلنا من افكارنا من خضوعنا حين ندرك ان الطاغية يعيش فينا من داخل انفسنا  كما يعيش فوقنا فقط حينها يبدأ التحرر الحقيقي فعلينا ان نحرر انفسنا من عبودية الوثنيه للآخرين ونفهم الحرية هبة من الله وليس من الطغاة والحكام  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات