يحكى ان احد تلاميذ الحكيم الصيني كونفوشيوس قد قال له مرة، اننا نقرأ ثم ننسى جل ما نقرأ. فقال له الحكيم، اننا ونحن نقرأ كمن يحمل سلة البحر فيملأها ماء حتى اذا وصل الشاطئ عائداً وجد السلة فارغة. فسأل التلميذ… ولماذا نقرأ اذن؟
فأجابه الحكيم – يكفي ان تبقى السلة نظيفة.
واذا صحت المقولة التي اصبحت دارجة – اننا لا نقرأ – وكان من الثابت ان من يقرأ ينسى معظم ما يقرأ، فهل نحن سائرون في طريق نوع جديد من الأمية يعبر عن الجهل اكثر مما تعبر عنه أمية القراءة والكتابة؟
ليس منا من ينكر، ان مساحة القراءة في وقت اي قارئ جاد منا قد تقلصت بفعل وسائل وانشغالات الحياة الحديثة، وان اي قارئ جاد لا يمكن ان يحيط بقراءة كل ما أصبح يكتب وينشر، وقد فاقت كميته وانواعه اضعاف كمية وانواع ما كان يكتب وينشر قبل عقود قليلة من الزمن. كما ان احداً لا ينكر ان القارئ العام قد تحول ودون اختبار الى قارئ متخصص، مواكبة لمبدأ التخصص الذي اصبح يسود كل مجالات الحياة، وان هذا التخصص في القراءة قد عمق الثقافة الخاصة في الفرع الواحد من المعرفة بالقدر الذي اضمحلت فيه الثقافة العامة في مختلف فروع المعرفة.
واذا كنا نؤمن ان القراءة المستمرة هي احدى وسائل درء الامية الجديدة، واننا مجتمع يقرأ، على عكس المقولة الدارجة، فان علينا ان نقرأ في اختصاصنا، وان نختار ما نقرأ، وان نعيد قراءة ما اخترنا، ولا نكتفي بأن تبقى السلة نظيفة.