التقنيات الحديثة ورطت الناس فصار كل إنسان يرى في نفسه الصواب، ولاتجانبه المعرفة وحسن الخلق والسمو، ولايعترف إنه مجرد إنسان يعيش على المتاعب والبلاءات، وإن هناك من هو أفضل منه.. فعلى الفيس بوك يضع صوره الجميلة التي يلتقطها متأنقا، ويظهر للناس كل ماهو جميل ويخفي قبحه، وكذلك يفعل البقية من الناس، ويتكلمون بكلمات معبرة عن روح إنسان لكنها تخفي مشاعر حقد ومرض ولاينطق مثلها في البيت، أو مع أصدقاء ومقربين بمجالس خاصة. هو يختبيء تحت عباءة العالم الرقمي الذي لايظهر القبح.. الإنسان الرقمي العاجز عن صناعة الجمال في حياته الطبيعية، ويستعيض عن ذلك بجمال إفتراضي لايدوم يسبب له الكآبة والعزلة والشعور بالحزن والرغبة في الهروب الى خيالات لاتغنيه شيئا.. كلنا هكذا صرنا.
في المنزل تنعزل الأسرة عن بعضها بحواجز كونكريتية غير مرئية لكنها تتجسد بسلوك ونظرات وطريقة نوم وطعام وشراب ولباس ومواقف، فكل شيء يتغير لدى أعضاء الأسرة ممن يستخدمون العالم الإفتراضي مكانا لوجودهم وينشغلون به، حتى أعمال المنزل المعتادة لم تعد الأم تستطيع أن تحصل فيها على مساعدة من البنات حيث يحتجبن عن الظهور، ويبقين في أسرتهن يستخدمن الموبايل وجهاز اللاب توب والآي باد كا يسمونها وربما أجهزة تواصل أخرى تتيح علاقات إفتراضية غير محسوسة تؤثر في الوجدان من بعيد وتصنع، تغيرا في السلوك والنظرة الى الأشياء، بينما يصبح الأولاد أكثر تعصبا وعدم رغبة في العيش الطبيعي كأفراد في الأسرة.
لانعرف بالضبط كيف يمكن أن نجتاز هذه المرحلة من مراحل حياة البشرية الحافلة بالمتغيرات والتطورات غير المتوقعة مع ماتحمله من تأثيرات غير مسبوقة، وربما نحن بحاجة الى زمن مضاعف لتتحول الحياة الى شكل آخر لاتكون فيه مواقع التواصل الأجتماعي كماهي عليه اليوم من تأثير، أو قد يصيبنا الملل ونتحرك بإتجاهات أخرى، أو نعود لنبحث عن الطبيعة والعلاقات الحميمة بين الأفراد، فما توارثناه من سلوكيات ومواقف وثقافات تتأثر بمرور الوقت بالكم الهائل من العصف التقني المؤثر في العقل والوجدان الجمعي، ولابد من تحرك ما لتقليل نسبة تأثيره علينا، أو إزاحته، والأدهى من ذلك إننا لانعرف كيف يمكن أن تكون التطورات التقنية القادمة والتي يمكن أن تصنع منا أناسا مختلفين، وقد نصاب بمرض التوحد. البشرية كلها ستصاب به بعد أن كان يصيب أفرادا معدودين.