منذ الان بدأت الكيانات السياسية تتصارع للسيطرة على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي تحولت عملياً إلى ممثلية للأحزاب ولا تمت للاستقلالية بصلة؛ ونجدها تتصارع لفرض «وكلائها» على رأس مفوضيات الانتخابات في المحافظات، وفي المواقع الرئيسية فيها؛ وتتصارع لزرع «مريديها» كمدراء للمراكز والمحطات الانتخابية، أو كموظفي اقتراع، من أجل ضمان مصالحها. أما بالنسبة للمراقبين، فستتكفل جهات عديدة بهم، بداية من منع وصولهم إلى محطات/ مراكز الاقتراع، وانتهاء بمنعهم من دخول هذه المحطات/ المراكز، لتكون مقفلة على أصحابها!
وتتولى حكومة الكاظمي الانتقالية، التحضير لإجراء انتخابات مبكرة في البلاد، بعد أن أجبرت احتجاجات شعبية انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، على الاستقالة مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي – حيث وجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، “مفوضية الانتخابات بمضاعفة جهودها لتسريع إكمال تسجيل الناخبين العراقيين في أقرب وقت، استعدادا للانتخابات المبكرة”، داعيا العراقيين المؤهلين للتصويت إلى الإسراع بتحديث بياناتهم الانتخابية للحصول على البطاقة الانتخابية البايومترية الخاصة بكل منهم,, وكان الكاظمي قد تسلم تقريرا عن اجتماع وفد حكومي رفيع المستوى مع رئيس وأعضاء مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات خصص لبحث سبل إنجاز التسجيل البايومتري الكامل للناخبين العراقيين المؤهلين للانتخابات المقبلة والذين يتجاوز عددهم الكلي 26 مليون ناخب، بمن فيهم المواليد الجدد المستحقون وهم مواليد أعوام 2001 و2002 و2003 فضلا عن النازحين– وخلال مراجعة التقرير، شدد الكاظمي على “أهمية تمكين كافة الناخبين من التصويت في الانتخابات النيابية المبكرة، المقرر إجراؤها في شهر يونيو المقبل”، مشيرا إلى أنّ مشاركتهم الواسعة في التصويت دليل على ثقة الشعب العراقي بالديمقراطية والنظام المدني الدستوري، كما يساهم في قطع الطريق على المسيئين لنزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها
وأشاد الكاظمي بـالقدرات التقنية والمهنية لخبراء المفوضية وموظفيها وبما يبذلونه من جهود وحرص في تسجيل وتنظيم بيانات عدد متزايد من الناخبين ومنحهم بطاقاتهم الانتخابية في الوقت المطلوب، داعيا المواطنين المؤهلين للتصويت إلى الإسراع بتحديث بياناتهم الانتخابية عبر الذهاب شخصيا إلى مراكز التسجيل القريبة تمهيدا لاستلام بطاقاتهم الإلكترونية البايومترية التي ستسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات
ويقول مراقبون، إن المشاركة الواسعة في الانتخابات ربما تحد من حظوظ القوى السياسية التقليدية التي تجيد أساليب تزوير الانتخابات أو اختطاف نتائجها أو شراء أصوات الناخبين المشاركين فيها- وسيتلاشى تأثير التزوير، الشائع بكثرة في الانتخابات العراقية، في حال شارك الناخبون بكثافة، لأن عدد الأصوات المطلوب للفوز سيكون أكبر – وسجلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت العام 2018، أدنى معدل مشاركة، بعدما قاطعها العراقيون على نطاق واسع، احتجاجا على مشاركة الفاسدين فيها، وغياب أيّ آفاق للتغيير، ما اعتبر إعلانا شعبيا بفشل هذه الممارسة الديمقراطية التي تجيد أحزاب الإسلام السياسي استغلالها لتكريس نفوذها السياسي في البرلمان والحكومة
ويربط المراقبون بين الإشارات القادمة من النجف بشأن دعم السيستاني لمشاركة شعبية واسعة في الانتخابات وبين تحركات الكاظمي لضمان استكمال الإجراءات الفنية الخاصة بالاقتراع، وسط تكهنات بأن الانتخابات قد تُجرى في موعدها فعلا، وهو حزيران 2021
كانت تجربة انتخابات مجلس النواب العراقي في عام 2018 دليلاً ساطعاً على التواطؤ الجماعي على تزوير الانتخابات، وعلى التغطية على هذا التزوير عبر اعتماد نتائجها. فعلى الرغم مما كشفه تقرير رسمي صادر عن لجنة شكلها مجلس الوزراء أثبت حصول عمليات تزوير في بعض مراكز الاقتراع في الداخل، فضلاً عن تزوير جسيم في انتخابات الخارج وانتخابات النازحين، وعلى الرغم من صدور قانون عن مجلس النواب يلزم بإعادة العد والفرز الكلي لأوراق الاقتراع، إلا أن علاقات القوة الحاكمة فرضت على الجميع التواطؤ للقبول بالنتائج كما هي، من خلال «تشريع» فرضته المحكمة الاتحادية هذه المرة رفض العد والفرز الكلي، وحوله إلى جزئي يتعلق بالطعون فقط!هكذا تواطأت الدولة، بجميع سلطاتها، على القبول بنتائج الانتخابات، من دون أية محاسبة للقائمين بالتزوير (تم إلغاء العقوبات بحق موظفي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الذين ثبت قيامهم بالتزوير والتي أصدرها القضاة المنتدبون بدلاً عن مجلس المفوضين الموقوف عن العمل)، أو المستفيدين منه (على الرغم من إلغاء الأصوات التي تم الحصول عليها بالتزوير في محافظة الأنبار على سبيل المثال، إلا أن أياً من المرشحين لم يتعرض للمساءلة، بل فاز بعضهم على الرغم من إلغاء هذه الأصوات!
دعا الكاظمي ، إلى اتخاذ إجراءات “صارمة” منعا لتزوير الانتخابات التشريعية المبكرة المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران المقبل.جاء ذلك خلال لقائه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت ,, وأضاف: “المرحلة الأهم، تكمن في توفير أقصى درجات النزاهة والشفافية في عملية الاقتراع، وضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمنع حصول التزوير والتلاعب في العملية الانتخابية
لقد تغيرالنظام الانتخابيوطريقة حساب الأصوات مرات عديدة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، لكن النتائج بقيت ثابتة تقريبا، إذ (فاز) في الانتخابات المتعاقبة القادة الفاسدون أنفسُهم، الذين يعارضهم الشعب ويحتج عليهم! فهل يُعقل أن الناخبين المتضررين من فسادهم قد صوَّتوا لهم؟ أم أنهم زوّروا إرادة الناخب عبر تشكيل مفوضية انتخابات حزبية تشرف على تقاسم السلطة والمغانم بين الإقطاعيات السياسية–الدينية، مهما كانت النتائج الحقيقية للانتخابات؟وبسبب كثرة المرشحين والأحزاب، أصبحت استمارة الاقتراع طويلة ومعقدة، بل عسيرة الفهم على الناخبين، خصوصا غير المتعلمين منهم، وكثيرون أخطأوا في تحديد المرشح أو الحزب الذي أرادوا التصويت له،
إن أراد المحتجون أن يغيروا النظام السياسي فإن عليهم أن يركزوا على إدارة العملية الانتخابية بشفافية، بغض النظر عن النظام الانتخابي، لأن الجماعات السياسية التي زوَّرت الانتخابات سابقا، قد أصبحت أكثر تمرسا في التزوير، ما يمكِّنها من التأثير على إرادة الناخب سواء عبر الدعاية الانتخابية أو التضليل أو تأجيج الطائفية أو حتى تقديم الرشى (المجزية) لتغيير الأصوات لصالح مرشحيها. تشكيل المفوضية الجديدة من القضاة لا يضمن الشفافية والنزاهة، فكم قاضٍ توهم الناس بأنه مستقل واتضح بأنه حزبي، حينما انتقل بسهولة وبسرعة البرق من مقعد القضاء إلى مقعد البرلمان، ممثلا لجماعة دينية مسلحة ,, وعلى المحتجين الساعين إلى التغيير الحقيقي أن يعلموا أن الجماعات السياسية الحالية هي التي تخلت عن نظام التمثيل النسبي، الأكثر عدلا وإنصافا للجميع، لأنها تعلم بأنه سيهمشها على الأمد البعيد، لأنه يمكِّن كل ناخب في أي مكان، أن يصوت للجهة التي يؤيدها، وفي ظله لن يكون هناك أي هدر في الأصوات، بل سيحصل الجميع على التمثيل الذي يناسب حجم تأييده الشعبي، ومن هنا جاء الاسم (التمثيل النسبي)، أي المتناسب مع عدد الاصوات. وهو في الوقت نفسه يسمح لممثلي المحافظات والاقضية والنواحي، بالوصول إلى البرلمان إن كانوا يتمتعون بالشعبية اللازمة. قادة الجماعات الحالية سيواصلون اختيار المرشحين، بغض النظر عن نوع النظام الانتخابي أو نظام حساب الأصوات، لكن الناخب هو الذي يقرر من يفوز ومن يخسر
لكاظمي تقف أمام جهوده في إجراء انتخابات مبكرة عقبات يمكن تلخيصها ، بالمواجهة الغير متكافئة بين رئيس الوزراء والأحزاب السياسية في البلاد، كونها لا تريد التفريط بمكانتها التي حصلت عليها سابقاً، بعد الوعي الذي وصل إلى الجمهور في أن الطبقة السياسية فاسدة ولايمكن الوثوق بها، ويجب أزالتها نهائياً من المشهد السياسي، وإذا ما أراد المواجهة مع هذه الأحزاب فسيجد نفسه لوحده في هذه المواجهة، الأمر الذي يجعل فرص نجاح مثل هكذا انتخابات ضئيل جداً، وذلك لان القرار السياسي بدا غائباً، إلى جانب طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية،ونفاد سلطة الأحزاب على القرار السياسي،فأصبح العراق ينتقل من أزمة إلى أخرى، حتى أمسى بلد الأزمات والمشاكل، وتوالت المشاكل تلو المشاكل حتى أصبح من الصعب أيجاد الحلول لها ، لذلك فان الانتخابات القادمة تعد حجر زاوية لبداية الخلاص للعراق من أزماته السياسية، أو ربما بقاءه في أزمة دائمة لايمكن حلها، وذلك لان القادم لايتحمل مزيداً من الأزمات أو المشاكل وربما ينذر بإنهاء العملية السياسية برمتها—ولنتذكر قولا للبرلماني السُوداني الراحل محمد إبراهيم.اذا حكمني مسلمٌ فلن يدخلني الجنة، واذا حكمني ملحدٌ فلن يخرجني من الجنة، واذا حكمني من يُؤمّن لي ولأولادي العمل والحرّية والكرامة وعزث النفس فسأقف له احترامًا واجلالًا، ويبقي دخول الجنة من عدمه رهين إيماني وأعمالي — وكتب الصحفي الكبير الراحل علي امين يوما قائلا( سانتخبه لانه يؤمن بحرية الصحافة ويعرف ان الحرية تمنع الحاكم من التمادي في طغيانه، سانتخبه لاني اطمئن على نفسي وعلى بلدي والصولجان في يده)