كم كانوا أغبياء حين ظنوا أن الاستفزاز الفائر بالرعونة والإبتزاز والعنجهية السياسية والتحريض القومي وأسلحة الدمار الشامل والمقابر الجماعية والرقص على جثث الضحايا الأبرياء، تأخذ الكورد وحركتهم التحررية نحو الهاوية والإنهيار، وتخدم كل المصالح المتناقضة مع مصالح الكورد، وتصبح الورقة الرابحة في كل معاركهم، والأبعد من ذلك بكثير… وكم كانوا جهلاء عندما لم يحاولوا أن ينزعوا الأنا المنتفخة التي لبستهم كرداء لايمنع حرارة الصيف وبرد الشتاء.
من يقرأ الأحداث العنيفة في العراق بتروٍ ومنطق، وبالذات المتعلقة بالكورد والتي سببت الخراب والمآسي وأثارت القلق ومنعت إلتئام الجراح. يتيقين من أنها لم تكن وليدة لحظاتها، بل هي نتاج لتركمات ومكائد وأحقاد دفينة نابعة من الغباء والغبن، وصلت الى الذروة وراقت لدى غير القادرين على حساب عواقب الأمور، أما التصرفات الكوردية فقد جاءت في معظمها كرفض مطلق للإنحناء والإذلال والتركيع، ودفاع عن النفس والأرض والكرامة، أو كردود أفعال واعية لعواقب سياسات لا تستسغ بغالبيتها وجودهم كقوم.
واذا توقفنا قليلاً عند الأحداث الفتنوية التي حدثت، ولنقلّب ببعض دفاتر الماضي، نجد أن الأطراف التي إحتمت بعباءة الوطنية العراقية وشدت حبال الإنسانية ومكارم الأخلاق، لاتختلف عن التي إحتمت بالقومية العربية، لحصد الأكثر في الغنيمة والهيمنة، ونجدهما لا تختلفان عن التي لبست اللباس الديني وتصرفت بمباركات دينية ومذهبية، لإثبات الحضور السياسي، والمفارقة الوحيدة التي نراها حاضرة بقوة بعد كل حدث، إنهم في الظاهر وفي المنابر السياسية كانوا يروجون للصلح والسلام ومداواة الجراح وطي الملف المؤلم، وفي الخفاء كانوا لا يهملون أية فرصة لتعميق الجراح، وتلميع وتجميل وستر عوراتهم، ويصبون الزيت على النار إلى أقصى الحدود بحثاً عن هيبة مفقودة.
لاننسى صور غير المزورين الذين تولوا زمام الأمور، بفضل الإستعمار والصدف، ووضع بين أيديهم مصير البلاد والعباد، كيف رفعوا أيديهم، في إشارات للإنتصار على الكورد، والإبتسامات والضحكات المزيفة التي كانت تعلو محاياهم، وكيف صوّروا الحروب الفاشلة غير الأخلاقية المفتعلة ضدنا، على أنها ثأرات وملاحم بطولية،وإستعادات لأمجاد أسيادهم في كوردستان. والاسطوانة الهشة التي تكررت مرة أخرى، والتي لم تكن مفاجئة، عبر اثارة النعرات والفتن في عهد حيدر العبادي، الذي مازال يعاني من عقد نقص كثيرة، تجاه الكورد وغيرهم، رغم أن التسميات كانت مختلفة، لكن النتائج كانت واضحة، وأن دماء الأبرياء التي سالت بينت إنه كان يلعب بشكل قذر بجراح الناس، كما أكدت أن الشغل الشاغل عنده كان إلهاء الناس وتهدئة خواطرهم وتنفيس نقمتهم بسبب تفشي وإستشراء الفساد وقلة الخدمات، والبحث عن المكاسب الشخصية والحزبية والمذهبية والقومية، ولو عبر دق النفير وجرّ الجميع إلى ميادين لا يريدونها وطريق معبّد بدماء الأبرياء،.
في آخر صيحة عدائية من العبادي الهائم على وجهه بين السندان والمطرقة وفي ذروة استهدافه ومحاصرته وتطويقه وحشره في الأزقة الضيقة، سمعناه وهو يغرد لإحراج عادل عبد المهدي، وينتقده لعدم شمول البيشمركه بالقرار الديواني الذي أصدره حول الحشد الشعبي.
عجيب أمر هذا الرجل البارع في التحريض، ينسى إنه دفع ثمن حقبة سياسية حاول فيها أن يبني علاقات مع الذين أهانوه في تركيا وإيران ووصفوه بأوصاف ليست من اللائق تكرارها في هذا المجال ، على حساب الكورد، وينسى إنه إصطدم بشعب لا ينحني، شعب يخاصم ويهادن، ويترك الأمور لتأخذ مداها، وقادر على التعامل مع التطورات بنفس سياسي مختلف.