18 ديسمبر، 2024 6:48 م

نحن — تركيا والانتخابات

نحن — تركيا والانتخابات

أدلى الأتراك بأصواتهم، في واحدة من أكثر الانتخابات أهمية في تاريخ بلادهم الحديث الممتد منذ 100 عام، والتي شهدت منافسة محتدمة بين الرئيس رجب طيب اردوغان، ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو,, وتتجه تركيا إلى جولة إعادة للانتخابات الرئاسية، بعدما اختفت الأغلبية المطلقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحصوله على دون 50%.من الاصوات, وأنه مع فرز أكثر من 89% من الأصوات، وصل أردوغان إلى نسبة 94ر49%، وهي أقل من الأغلبية المطلقة المطلوبة، لتحقيق فوز واضح في الجولة الأولى. وحصد زعيم المعارضة والمرشح المشترك لتحالف مؤلف من ستة أحزاب، كمال كليتشدار أوغلو، 3ر44% من الأصوات,, علما انه شارك بالانتخابات 24 حزبا و و5 تحالفات يتنافسون في انتخابات تركيا 2023ووفقا للجنة العليا للانتخابات، فإن أربعة ملايين و904 آلاف و672 ناخبا، يشاركون في الانتخابات لأول مرة. منهم 277 ألفا و646 يعيشون في الخارج , يتنافسون على 600 مقعد
وتشهد تركيا انتخابات مصيرية، لاسيما أنها ستشهد تنافسا ما بين تحالفين كبيرين يطمح كل منهما إلى الانتقال بالبلاد لمئويتها الثانية. وتمكنت أحزاب معارضة تختلف في أيدولوجياتها من الاقتراب من بعضها البعض، بهدف إنهاء النظام الرئاسي، والعودة إلى النظام البرلماني الذي كانت تسير عليه البلاد ما قبل استفتاء 2017.ويواجه الحزب الحاكم معضلة في أن الانتخابات تأتي في ظل أزمة اقتصادية وغلاء معيشي، وصعود جيل جديد ولد في ظل وجود “العدالة والتنمية” بالسلطة، يطمح جزء منه للتغيير.وتعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، الانتخابات الأكثر أهمية في العالم هذا العام، هكذا وصفتها وسائل إعلام غربية، إذ ينظر الغرب إليها على أنها محطة فارقة في مسيرة تركيا إزاء علاقتها بالغرب. ، فإن هذه الانتخابات بشراستها واحتدام الصراع فيها وسياقها العام، تكتب شهادة تزكية لنظام أردوغان، في شأن الحريات السياسية والحزبية.
لعلنا طالعنا في الآونة الأخيرة، تلك الحملة الشرسة التي شنتها وسائل الإعلام الغربية على أردوغان، ضاربة بالحيادية والموضوعية عرض الحائط، منتهكة أبرز الأعراف المهنية. على سبيل المثال اتهمت مجلة «إيكونوميست» البريطانية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالديكتاتورية، وعملت على تأليب الأتراك عليه إذ كتبت: «يجب أن يرحل أردوغان، احموا الديمقراطية». وبدورها شبهت مجلة «ليكسبرس» الفرنسية الرئيس أردوغان بالرئيس الروسي بوتين في الاستبداد، فعنونت لأحد المقالات «أردوغان – بوتين، ميثاق الحكام المستبدين».وعلى هذا النهج في الطعن بأردوغان وإظهاره بمظهر المستبد، سارت وسائل إعلام عالمية مرموقة بما فيها «بي بي سي»، «فورين بوليسي»، «لوموند»، «واشنطن بوست»، و «فاينانشال تايمز». الديكتاتورية والاستبداد، تهمة لطالما لاحقت أردوغان ونظامه، حتى من لدُن وسائل الإعلام العربية، في دولٍ تتمنى شعوبها المقهورة المحكومة بالحديد والنار، أن تجرى فيها انتخابات على هذا النحو الذي يجري في تركيا،وعندما نتحدث عن شأن الانتخابات التركية في حقبة أردوغان وحزبه، ستتجه أنظارنا ـ نحن العرب – إلى صراع الـ(50%+1)، فليست من نوعية الانتخابات التي يفوز بها الرئيس المعظّم بنسبة 95%، أو يزيد، ولا تقترب من نسبة 100% ، فقط من أجل إضافة (ديكور ديمقراطي). الانتخابات في عهد أردوغان لا تستطيع أن تتهكن فيها بشيء، وهناك نتائج استطلاعات متضادة داخل تركيا، بعضها لصالح أردوغان، وبعضها لصالح منافسه الأبرز زعيم الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، فيما تمارس الجهات القائمة على هذه الاستطلاعات عملها بأريحية، من دون ضغط من الحكومة بالتزام إعلان النتائج المؤيدة للرئيس الحالي وحزب العدالة والتنمية. لم نسمع أو نرى أن الرئيس أردوغان، اعتقل أحدا من مرشحي الرئاسة، أو لفّق لهم قضايا تُعد مانعا دستوريا من ترشّحهم على غرار ما يحدث في بعض الدول العربية،
تجري تركيا انتخابات كل 5 سنوات، ويحق لكل حزب تجاوز نسبة 5% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية السابقة أن يسمي مرشحاً رئاسياً، كما يحق لمن جمع 100 ألف توقيع أن يرشح نفسه كمستقل , ويتم إعلان من حصل على أكثر من 50٪ من الأصوات في الجولة الأولى رئيساً، وفي حال لم يتمكن أي مرشح من تجاوز هذه النسبة تجرى جولة إعادة بين المرشحين الاثنين الحاصلين على أعلى عدد من الأصوات في الجولة الأولى , وتجري الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع نظيرتها الرئاسية، حيث تتبع تركيا نظام التمثيل النسبي في البرلمان، بما يعني تناسب عدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب في المجلس التشريعي المكون من 600 مقعد بشكل مباشر مع الأصوات التي يفوز بها , ويجب أن تحصل الأحزاب على 7٪ على الأقل من الأصوات، سواء بمفردها أو بالتحالف مع أحزاب أخرى من أجل دخول البرلمان , لطالما كان الاقتصاد عاملاً حاسماً تقريباً في كل انتخابات تركية، وتأتي هذه الانتخابات وسط أزمة اقتصادية فاقمها وقوع الزلزال، فضلاً عن التضخم الذي وصل إلى 85%، في أكتوبر 2022 وأظهر استطلاع أجرته شركة “ميتروبول” للاستطلاعات، في أبريل 2023، أن مزيداً من الناخبين يعتقدون أن أردوغان وتحالفه الشعبي يمكن أن يساعدا في معالجة آثار الزلزال، مقارنةً بكليجدار أوغلو وتحالف الأمة الذي ينتمي إليه
اردوغان مرشح عن تحالف “أتا” الذي يعني الأجداد، وهو تحالف يضم أحزاباً قومية متطرفة أهمها حزب “النصر”, ثمة كثير من الأصوات التي تتهم الرئيس التركي بالابتعاد عن الديمقراطية والسعي لترسيخ بقائه في الحكم، وهي أصوات تحاول المعارضة التركيز عليها بقوة الذي يتزعمه النائب البرلماني أوميت أوزداغ المعروف بمواقفه العنصرية تجاه الأجانب، وخاصة السوريين والأفغان, عرف الرئيس أروغان بمواقفه العنصرية ضد الأجانب ومهاجمتهم، وقد تعهد بإعادة اللاجئين لبلادهم في حال فوزه بالانتخابات, وقادة أحزاب المعا رضة يؤيدون خطاب الكراهية على ألسنة السياسيين ورؤساء الأحزاب مدة ليست بالقليلة، زرع بذور الكراهية في نفوس البسطاء من أبناء هذا الشعب ضد السوريين على وجه الخصوص، وانتقل مؤخرا إلى مواقع التواصل الاجتماعي المزيفة، مستهدفا العرب جميعا وليس السوريين فقط، لتبدأ المعارضة في قطف أولى ثمار بذورها المرة علنا وعلى الملأ، مع اقتراب اللحظات الحاسمة، التي ستُحدد مستقبل هذا البلد، سواء كان ارتفاعا وعلوا أو سقوطا مدويا, وقد وقعت عدة حوادث تسببت في حالة من القلق والخوف بين المقيمين العرب، فقد تم الاعتداء على طفل سوري لم يتخط عشرة أعوام من عمره، بسكب شاي مغلي على ظهره لمجرد أنه كان يلهو داخل خيمة انتخابية لحزب الشعب الجمهوري, العلمانيون لديهم عقدة سماع حديث باللغة العربية رغم ان حوالي 15% من سكان تركيا أصلا هم من أصول عربية، حيث تكتظ محافظات شانلي أورفة، ومرسين، وماردين، وعثمانية، وأضنة، وسيرت، وشيرناق، وبتلس، وباتمان، وإلازيغ، وديار بكر بسكان ذوي أصول عربية يتحدثون العربية إلى جانب التركية, كما نسوا أن دينهم الإسلام وكتابهم القرآن نزل باللغة العربية التي يرفضون سماعها، أو السماح بالتحدث بها، وهو السبب ذاته الذي دفع أجداد هؤلاء العرب للقتال إلى جوار نظرائهم الأتراك في معاركهم التاريخية التي لا يزالون يحتفلون بانتصاراتهم فيها إلى اليوم، ولعل معركة جناق قلعة، وأسماء العرب الذين استشهدوا فيها المحفورة على شواهد قبورهم، خير دليل على هذا, ونسي هؤلاء أو تناسوا أنه لولا العرب ووجودهم في تركيا سواء كانوا مقيمين أو سائحين وقت الأزمة الطاحنة التي مرت بها الليرة التركية، وفي أعقاب أزمة كورونا، لسقط اقتصاد البلاد سقوطا مدويا، ولأغلقت الكثير من المصانع والمحال التجارية، ويعانى عموم الأتراك الأمرين، من الغلاء والبطالة, كما نسوا أن ما ينعمون به حاليا من رفاهية لم تكن موجودة في تسعينيات القرن الماضي، لم يأت بفضل الاتحاد الأوربي ولا بدعم أمريكي، وإنما جاء بفضل الاستثمارات العربية التي تدفقت من أجل مساندة الدولة التركية، والوقوف إلى جوارها في أزمتها, وهم نفس الأشخاص الذين لا يستطيعون فهم أو استيعاب موقف العرب من تركيا، وليس لديهم القدرة على إدراك الأسباب الحقيقية وراء دعمهم عموما لاستمرار الرئيس أردوغان على رأس السلطة فيها، فالعرب أصبحوا يرون في تركيا نموذجا متكاملا للتنمية والتقدم والرقي، والقدرة على الحضور بقوة على الساحة السياسية العالمية، وفرض قضايا المسلمين على جداول أعمال المنظمات الأممية، ولهذا يريدون لها الاستمرار في تحقيق النجاحات والتفوق، خدمة لقضايا الإسلام والمسلمين، ولا يريدون لها الانهزام والسقوط كما هو حاصل في معظم بلادهم
تركيا بعيون العرب النموذج الذي يجب أن يُحتذى، والحلم الذي يراود كل من يحب وطنه، ويرغب في رؤيته متقدما، ناجحا، حرا طليقا، له مكانته، وكلمته المسموعة في المحافل الدولية , ،أردوغان حافظ على صوت القومية والانتماء العرقي والديني على ما عداهم من الثوابت الوطنية، التي طالما حافظت على كيان الدولة كله، ومنعت الأمور من التصعيد في بلد يحوي بين جنباته العديد من القوميات والإثنيات العرقية، والانتماءات الدينية، التي تعد أحد أبرز موروثات الجمهورية التركية, فمن المعروف أن تركيا هي واحدة من الدول التي أنعم الله عليها بثراء مجموعتها العرقية، وتنوع انتماءاتهم، ومعتقداتهم وطوائفهم الدينية، الأمر الذي طالما رسم لها لوحة فنية متعددة الألوان، ومنحها وفرة غزيرة في الموروثات الثقافية والعادات الاجتماعية
نختم بالتأكيد ان الانتخابات الحالية،، على أنها الانتخابات الأكثر أهمية في العالم خلال عام ، وقد اعتبرها مركز الأبحاث البريطاني (تشاتام هاوس) من “أهم ثلاثة أحداث، يتوقع ظهور نتائجها في العالم هذا العام, وعلى المستوى العربي، الذي يشهد تشابكا واسعا، في العديد من الملفات والقضايا مع تركيا، يبرز ملف الأصعب، وهو ملف اللاجئين خاصة السوريين منهم، وكيف سيكون مصيرهم، في حال فوز المعارضة التركية، ويذكر كثيرون أن مرشح المعارضة التركية كمال كليجدار، كان قد حدد مدى زمنيا مدته عامان لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في حالة نجاحه في تلك الانتخابات, على المستوى الدولي، فإن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة لاتخفي رغبتها، في رحيل أردوغان وحزبه عن السلطة، إذ تراه حجر عثرة أمام مزيد من التعاون من قبل تركيا، خاصة مع حلف الناتو الذي تعد أنقرة عضوا مهما به، وترى القوى الغربية، أن فوز المعارضة بزعامة كليجدار، ستسمح لتركيا، بمزيد من الانخراط في تأييد الدول الغربية وحلف الناتو، في العديد من النزاعات الدائرة حاليا، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو التأييد الذي تفتقره الولايات المتحدة وحلفاؤها، من الحليف التركي في هذا الوقت.على الجانب الآخر، فإن روسيا تبدو راغبة، في استمرار أردوغان وحزبه في السلطة، وترى أن العلاقات بين البلدين في عهد أردوغان، دفعت إلى درجات قصوى، في مجالات اقتصادية وأمنية متعددة، وهو تخشى فوز المعارضة، وتعتبر أنه يعني خسارتها لحليف قوي، سيغير بوصلة البلاد، باتجاه التحالف مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة.والعالم بانتظا رالجولة الثانية.