فانك لم تسمع منهم غير الصوت المُقرِف و الصراخ و الضجيج و الزعيق ، و هم يعتلون منبر الرحمن في داخل حرم المساجد ، فلم يُبقوا للمساجد حُرمة و لا قُدسية
لم نجد في القرآن آية تشير الى وجوب أو جواز (خطبة الجمعة) بعد الصلاة أو قبلها ، حيث جاءت الآية واضحة (فاذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله …..)
إن الانسان يتوجه الى الصلاة بروحه و قلبه و عقله بهدوء تام ، و يغلب على الصلاة آيات من القرآن ، و يلجأ الانسان الى حرم المساجد ليتعبد الله وحده ، و يتقرب إليه في أجواء يقتضي أن تكون مليئة بالايمان و مفعمة بالامان ، لتعمر قلبه و تغمر وجدانه ، كي ينتزع الغل و الشر و السوء و الحقد من نفسه.
إن الخطب الرنانة التي يقوم بها خطيب او إمام الجماعة في المسجد في يوم الجمعة ، تشتمل على الكلام الكثير غير المسؤول ، و التطاول غير المُبرر و النقد غير الموزون و التزييف لشرائح إجتماعية و فئات سياسية متعددة ، و كأننا في فوضى و تهريج ، و التي تخلق أجواءاً صاخبة مليئة بالتفكير الاحمق و الحس غير الآدمي الذي يميل مع الاهواء و تقلبات الامزجة المُتعكرة ، فيبتعد كثيراً عن الهدف الذي جاءت تنشده الصلاة ، ناهيك عن الضيق و الإنهاك للجالسين من المُصلين ، و هم يستمعون على مضض ، الى الكلام الهائج المُعربد بالصوت الجهوري الصاخب الذي يصّمُ الآذان ، فتجد المُصلي يقوم بعد الخطبة الطويلة غير المفيدة ، متثاقلا الى الصلاة بعد ان أعياه الصوت العالي المزعج ، و لربما يغلبه النعاس من الملل ، و هو يتثائب مراراً و يغمض عينيه تكراراً ، و بعد ان تعبت قوائمه من الجلوس الطويل على رجليه ، و تنملت قدميه ، و أعياه الصوت البغيض.
و قد جاءت ايران الشر و الإفك ، لتزيد على الاخرين في خطبة الجمعة ، فجعلت خطبة صلاة الجمعة تشتمل على خطبة سياسية ، تفرض من خلالها وجهة نظرها السياسية و تتهجم فيها على أنظمة و حكومات و تتوعد حركات و منظمات و أشخاص ، فسلبت من الصلاة عمقها و رونقها و أهدافها العبادية ، و أبعادها الانسانية ، و أفرغتها من سمو معانيها الروحية.
إن أكثر الفتن تنطلق من خطبة الجمعة ، فانها تثير النعرات و تؤجج المشاكل ، بينما نجد أن الآية القرآنية صريحة حيث تقول (و أن المساجد لله فلاتدعوا مع الله أحدا) أي ان كلام البشر غير مقبول في المساجد في اوقات الصلاة على الاطلاق ، و يجب ان يقتصر الوجود و الحضور في المساجد على أداء الصلاة و تلاوة القرآن لا غير ، و حتى تفسير القران في المساجد غير مُباح ، لان إختلاف الآراء فيه قد يقود الى الخلافات و النزاعات و المشاكل ، و يجب ان يكون مكانه في مدارس علمية تخصصية أو مراكز بحثية تُديرها مؤسسات الدولة.
اذا أردنا ان نتجنب الفتن و التفرقة ، فعلينا ان نُعيد المسجد الى وظيفته الاصلية ، ليكون باحة طاهرة لأداء فروض الصلاة خالصة لله ، و أن نمنع الخطب و إنعقاد الدروس بكل أنواعها و المحاضرات و اللقاءات و حلقات التعليم و مجالس العزاء و مجالس رمضان و دعاء الافتتاح في ليالي رمضان و مجالس دعاء كميل ليالي الجمعة في المساجد ، و ان يتم تفريغ المساجد من جميع الكتب لان مكانها المناسب هو المكتبات العامة ، باستثناء القرآن الكريم ، و ان تُزال جميع الصور و الرسومات و الاسماء و اللوحات و النشرات ، لتفويت الفرصة أمام مثيري الفتن و القلاقل الذين يهدفون الى جعل المساجد بؤرة تنطلق منها جميع المشاكل و الخلافات و الصراعات التي تمزق شمل المجتمع و تقتل أواصر المحبة فيه ، بعد ان تشيع البغضاء و الكراهية تحقيقا لنواياهم و مصالحهم.
كما انه من الضروري جدا ، أن نمنع جميع الاشخاص و الاحزاب و بشكل رسمي ، من قيامهم بانشاء المساجد ، و ان تكون وزارة الاوقاف حصرا ، هي المسؤولة عن ذلك و هي التي تتكفل بها و تحدد أعدادها و تختار مناطقها و مواصفاتها و متطلباتها و مساحاتها و مؤهلات العاملين فيها ، و تكون من ضمن أملاكها و عقاراتها ، و هي المسؤولة عن إدامتها و صيانتها و تأثيثها ، و أن تُفتح للصلاة في أوقات معلومة و محددة ، و حينئذ ستكون المساجد نموذجا للجمال و مثالا للنقاء و الخير و السلام ، و بخلاف ذلك سيتمادى المُرجفون كما حصل اليوم مع الكثير من الاشرار ، فقد وصل الامر بهم الى إعتبار المسجد الذي يصلي فيه قاعدة له لنشر أفكاره المشؤومة كما في مسجد بُراثا في بغداد الذي إستولى عليه التافه جلال زغيرون أبو النستلة و عصابته ، و مسجد الزهراء في الناصرية في شارع الحبوبي للمرحومة الحاجة حظيه أم جواد الذي استولى عليه حزب الرذيلة للصعلوك محمد اليعقوبي و أزلامه و جعله مقراً لحزبه و ملاذا لعناصره و مخبئا لتمرير الصفقات المشبوهة و مركزا لبث سمومه ، و غيرهم الكثير من الزبايل.