23 ديسمبر، 2024 8:46 ص

نحن بحاجة الى ثورة قيمية كبرى

نحن بحاجة الى ثورة قيمية كبرى

عادة ارتبطت الثورات بالمجال السياسي, وصارت الثورة قرينة متلازمة للنهوض ضد الحاكم او ضد النظام والطبقة السياسية الحاكمة.
الثورة عادة تهدف لتغيير واقع ما, او المطالبة بحقوق معينة, ورفض الظلم والتمييز وما الى ذلك, ومن باب المجاز اُطلق عل النقلة الصناعية في اوربا في منتصف القرن الثامن عشر اسم الثورة الصناعية, وذلك لإحداثها تغييرا جذريا في الحياة وانتقال البشرية الى عالم المكننة.
يشهد العالم عموما والعراقي خصوصا تردٍ واضح في البنية المجتمعية, وتهاوٍ كبيرا للقيم الاجتماعية والاخلاقية, وقفزت التفاهة والفوضى الفكرية الى الواجهة, واصبحت القيم في مهب الريح.
اصبح التفاهة معيار التميز, واصبح الفارغون من المحتوى المعرفي يتسيدون المشهد, واصبحت الشهرة تقاس بما يلقى من تفاهات او سخرية او فضاضة او بذاءة في الكلام.
لقد اصبحت المفردة البذيئة والالفاظ المنحطة امرا مألوفاً في وقتنا حتى بين ما يسمى بالنخب سواء أ كانت سياسية أم ثقافية أم رياضية أم فنية, وقفزت الى الواقع حالات اخلاقية غريبة, فاصبح التمادي سمة مميزة لأغلب الجيل الجديد, فلا احترام للمعلمين, ولا توقير للكبير, ولا رعاية للقانون, واصبح الانفلات عاديا, والتجاوز على المحرمات ثقافة, والتهتك في الشوارع تطور, صرنا نرى الشاب يلبس البرمودا ويدور في الشوارع والاسواق دون ورع او خشية من عيب, صارت المخدرات والخمور علنية, والغش صار شطارة, والفساد صار مهنة, الاستهانة بالدماء صار علنيا, والاعتداء على الاخرين صار جسارة وشجاعة, التحرش ومخالفة النظام كلها ثقافة دخيلة على مجتمعنا.
لا نخفي الدور الكبير للحروب والاحتلال في افساد قيم وثقافة المجتمع, وهذه امور معروفة بين اوساط الباحثين في الشؤون المجتمعية, لكن لا يخفى ايضا الدور الذي تلعبه الامور المادية في هبوط القيم الاخلاقية, وتبدو العلاقة عكسية بين القيم المادية والقيم الروحية والاخلاقية, فكلما غلبت المادة هبطت القيم الاخلاقية وبالعكس.
وتماما كما في الثورات السياسية التي تدعوا للتغير فنحن مطالبون بان ننهض بثورة اجتماعية كبرى للتغيير تعيد القيم والاخلاق الى مسارها, والنهوض بالمجتمع نحو السمو الروحي بعيدا عن الانحدار في القيم المادية الضحلة.
اساس الثورة تبدأ من داخل الفرد, فنحن مدعوون جميعنا لان نعيد ترتيب اولوياتنا, والنهوض بالقيم الانسانية العالية في داخلنا, اذ علينا تغليب قيم التسامح والشهامة والمروءة والتضحية والبذل والعطاء والغيرة واعلاء القيم الدينية والثقافية والمعرفية بما يحقق رفعة المجتمع وبناءه بناءً رصينا صامدا امام أي غزوا ثقافي.
الاسرة هي اللبنة الثانية في هذه الثورة الانسانية, فالأسر مدعوة لتنشئة ابناءها على الاخلاق العالية والقيم الاصيلة, وعليها ان تهتم بمتابعة الابناء وسلوكياتهم وبمن يتصلون وماذا يفعلون ليحصنوهم من الانحراف.
النخب الثقافية العصامية لا الانتهازية, والمؤسسات الثقافية الحقيقية الرصينة لا الطارئة مدعوة لأخذ دورها في اعلاء القيم المعنوية, وتوجيه برامج نافعة للشباب بما يضمن تسليحهم بقيم انسانية نبيلة.
الخطاب الديني المنبري ايضا مدعو لان يُنقى من بعض الخطباء الذي اتخذوا طريقة الشهرة من خلال سلوك النشاز, والتعامل بمستوٍ شعبويٍّ خلال المحاضرات الدينية, من اجل ان يكسبوا تعاطف الناس.
الاعلام والقنوات الفضائية ايضا مدعوه لان تنقي برامجها من الاعمال الهابطة, والحوارات المنفلتة, ومن استضافة الشخصيات الهزيلة, وعليها ان تعمد الى سياسة اعلامية تكون عونا للأفراد في بناء انفسهم وللمجتمع في تحصينه.
الثورة القيمية الكبرى مطلب حياتي, وهو مسؤولية شرعية وانسانية واخلاقية, علينا جميعا تقع مسؤولية النهوض بها, وان لا نسمح للجهلة وذوي الاجندات الخاصة العبث بعقول شبابنا وابعادهم عن طريق الحق والمُثل والقيم.
5/3/2021