23 ديسمبر، 2024 5:12 ص

نحن الكاظمون الغيظ العافون عن الناس 5/6

نحن الكاظمون الغيظ العافون عن الناس 5/6

وما يطفح من غيظنا ما هو إلا الجزء اليسير، ليس تقية أو خوفا، وهنا أعني نفسي ومن مثلي، ولا أنفي أن الكثيرين يفعلون ذلك تقية أو خوفا، ولكني أمنع نفسي من تجاوز الحدود التي وضعتها طوعا لنفسي في التعبير، مراعاة لمشاعر المسلمين، لاسيما أولئك الذين يستحقون أن تراعى مشاعرهم، من عقلاء المسلمين وطيبيهم، كقيمة أخلاقية أحاول ويحاول من مثلي الالتزام بها. وأعلم إن هناك من يجرح المشاعر بالإساءة – أو ما يعتبر إساءة – إلى نبي المسلمين، مما يؤذي الكثيرين منهم، لأنه عندهم أشرف الخلق، وسيد المرسلين بل سيد الكائنات أجمعين، وأنه لعلى خلق عظيم، كما وصف نفسه في القرآن على لسان الله. ولكن من حق من لا يرى ذلك أو الذي وصل إلى نتائج معاكسة من خلال الدراسة، أصاب بها أو أخطأ، أن يعبر هو أيضا عن رأيه، ولو أني أحاول ألا أمارس نفس ممارسة القرآن في نقد أتباع العقائد المغايرة، بحيث أقسو في نقد شخص النبي، والتي أي ممارسة ذلك هي عندي رغم امتناعي عن ممارستها، ووفق شريعتي، واستعارة مني لمصطلحات الدين تسامحا، ليست حراما، بل هي بمعاييري من المكروهات، والمكروه يجوز فعله، إلا أنه ليس من الراجح، فالأرجح تركه، طبعا لمن يرى ما أراه. لكن انظروا كم في داخلنا من غيظ نكظمه مأجورين إن شاء الله، وكم من تسامح وعفو عن الناس نتحلى به، حسبما عبر النصر القرآني، الذي مثل موضوع هذه المقالة بأجزائها الخمسة، إذا علمنا أن الكثيرين منا يُشتَمون، يُهدَّدون، منا من أُعدِم، منا من اغتيل، منا من اضطُرَّ لترك وطنه ليعيش عمره في اغتراب، ليتمتع بحرية التعبير دون أن تكون حياته مهددة، ومنا من طلقت زوجته للحكم عليه بالارتداد، منا من تُضطَر أو لعله تُجبَر على لبس الحجاب من غير قناعة، منا من اضطُرّ إلى ممارسة التقية، ولم يفصح بما يعتقد، أو على الأقل لم يفصح بكامل ما يعتقد به، مسلوبا حق التعبير، الذي ينبغي أن يتمتع به كل إنسان. أعرف رجالا يمارسون التقية أمام زوجاتهم، وأعرف نساءً يمارسن التقية أمام أزواجهن. فتصورا أي حياة يعيشها أكثرنا.

إذا أردتم ألّا يُنتقَد دينكم ونبيكم وكتابكم، بما يسيئكم، فهذا يمكن أن يجري الاتفاق عليه، لكن بشرط تطبيق العدالة، بيننا وبينكم، وما العدالة إلا حقوق متساوية وفرص متكافئة. وهذا يتطلب حذف ربما ما يقارب الـ 75% من القرآن، مما فيه إساءة إلينا نحن الذين نؤمن بالله، ولكن لا نؤمن بمحمد وبالقرآن وبالإسلام، ناهيكم عن الإساءة إلى المسيحيين الذين ينعتهم القرآن بالنصارى واليهود والزرادشتيين الذين ينعتهم القرآن بالمجوس، والإساءة إلى الملحدين واللاأدريين، أو إلى أتباع الديانات التي تنسب إلى عقيدة الشرك. هل يمكن القيام بذلك؟ أما كان ينبغي على القرآن، لو كان حقا هو كلام الله، أن ينهج نهج العقلاء، فينتقد الأفكار والعقائد، دون شتم التابعين لها تقليدا لما وجدوه عند آبائهم وبيئتهم الاجتماعية، كما المسلمون تماما، يتبعون غالبا ما وجدوا عليه آباءهم، دون تدبر. وإذا كان حذف ثلاثة أرباع القرآن مستحيلا، فإذن ليكن أيضا من المستحيل الكف عن نقد الدين، وإثارة التساؤلات حول شخصية النبي محمد، وحول القرآن، وحول الدين الإسلامي بعقيدته وشريعته وتاريخه وواقعه، بطوائفه، والتباغض بينها، بتسييس الدين وإعاقة مشروع التحول الديمقراطي، بعنفه وإرهابه، بخنقه للحريات، بتدخله في الشأن الشخصي للفرد والجماعة.