«وَالكاظِمينَ الغَيظَ وَالعافينَ عَنِ النّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ».
زعمت مرة في منشور لي على التواصل الاجتماعي بأن القرآن في هذا الجزء من الآية 134 من سورة «آل عمران» إنما يمتدحنا نحن اللادينيين، ولو إنه في الآية السابقة نعت هؤلاء الذين يمتدحهم بهذه الصفات بـ «المتقين»، ولكون هذا المصطلح بمعناه الديني لا ينطبق علينا، ولكن يمكن فهمه بأن المقصود بالمتقين هم الذين يَقونَ أنفسهم من أن يقعوا في مستنقع الظلم والإساءة والعدوان، وبالتالي يمكن فهم مصطلح «التقوى» بالاستقامة.
لكن دعوني أجيب لماذا يا ترى أرى أن توصيفات «الكاظمين الغيظ»، و«العافين عن الناس»، و«المحسنين»، إنما تنطبق علينا نحن اللادينيين بمختلف توجهاتنا، سواء كان من كان منا لاإلهيا (أي ملحدا)، أو لاأدريا، أو إلهيا لادينيا كحالتي، وطبعا أعني بالذات أولئك الذين يؤمنون بقيم الحداثة.
من الطبيعي أني بوصفي لادينيا لا أعوّل على القرآن كمصدر للفكر، أو الأخلاق أو غيرها، إلا بمقدار ما يكون هناك من مشتركات بين فكر وآخر، مهما كانا متضادين، ولا أقول متناقضين، لكن كنتاج بشري، يتسم بالنسبية، فيه الحسن والجميل، وفيه ما لا يقبله العقلاء. وكما يقوم المسلمون بشتى مشاربهم بتأويل آياته إلى ما يناسب نزعة كل منهم، فيستنبطون منه معاني داعشية وأخرى ليبرالية إنسانية، حتى لو خالف أي من المتأولين الروح العامة للقرآن، من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر، والتي أي روح القرآن هي الأخرى مختلف فيها، لأن متشابهات القرآن جعلته حمّال أوجه، كما ينقل عن عليّ، دون أن نحكم الآن بصحة ما نقل عنه، أو عدم صحته، إلا أننا نتفق بكل تأكيد مع مضمون الجملة، بقطع النظر عمن صدرت عنه، فيهمنا القول، أكثر مما يهمنا القائل.
هنا سأتناول الآيات الست من 133 إلى 136 من السورة الثالثة الموسومة بـ«آل عمران»، وكيف يمكن فهمها مع بعض التأويل مدحا لطائفة منا نحن اللادينيين، سواء الملحدين، أو اللاأدريين، أو الإلهيين، طبعا دون جواز تعميمها على الجميع، ولذا قلت بأنها تنطبق على طائفة منا نحن اللادينيين، وليس علينا جميعا، ألا هم الليبراليون الحداثويون، وأعني بالليبرالية بجانبها المعني بالحريات الشخصية، وليس بالضرورة بجانبها الاقتصادية، مما يعني أن الليبرالية الثقافية تشمل اليساريين، حتى الذين يرفضون الليبرالية الاقتصادية، والذين ألتقي معهم في موضوعة العدالة الاجتماعية كمسألة إنسانية.