23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

نحن الزائلون وهم الباقون

نحن الزائلون وهم الباقون

ما لايخفى على القاصي والداني، أن العراق بلد لا تشمل قاطنيه الآية الكريمة: غير المغضوب عليهم..! إذ مر عليه من الأحداث مايفوق التصور ويتعدى حدود المفاجأة، حيث كان بعضها أغرب حتى من أحداث أفلام الـ ACTION في رعبها ودمويتها ولاإنسانيتها. فيما شابت بعض أحداثه مواقف مخزية يندى لها جبين الإنسانية، تحلى بها بصلافة وقباحة أبطال وساسة مدنيون وقادة عسكريون، لا تفي كلمات اللوم والتوبيخ والعتب المعهودة بوصفها ووصفهم. وإن اقتصرت على ذكر القريب من الأحداث، وترك البعيد والغائر في التأريخ، فإن العجب العجاب يتجسد فيما حصل خلال العقد ونصف العقد الماضيات، مع أن الشماعة الأزلية التي يعلق عليها الفاشلون إخفاقهم، قد ولت منذ التاسع من نيسان عام 2003، وسقطت الحجج والذرائع التي يتمسكون بها كمبرر لفشلهم، مع سقوط صنم رئيس النظام السابق، ويكون بديهيا بهذا، أن ما يستجد من إخفاق يتحمل وزره ووزر من عمل به القادة الحاليون، والسياسيون المتصدرون لمراكز إدارة البلاد، سواء في السلطة التشريعية أم التنفيذية! فهم يقتسمون آثام افعالهم، كما يقتسم العراقيون آثارها وتبعاتها.
هي أحداث كان (ابو رغال) سيد الحاضرين فيها، وقد تسنم أدوارا بارزة في حيثياتها، ولم يألُ أحفاده جهدا في تطبيق ماورثوه عنه من صفات وطبائع، إذ تعاملوا مع الخيانة بطريقة الـ(UPDATE) فأضافوا اليها معانيَ جديدة. منها على سبيل المثال لاالحصر؛ تسليم مدن برمتها الى شرذمة عصابات عبرت من خلف الحدود. ومنها أيضا؛ التعاون مع أعداء وأضداد سبق أن شهد لهم التاريخ بما يكنونه للعراق والعراقيين من بغض وضغينة. ومنها أيضا الولوغ بالسرقات، والبلوغ فيها حدا لايمت بصلة الى أي معنى من معاني الغيرة والشهامة، والمتوافر بعضها حتى عند قطاع الطرق. إذ يروى أن في أحد الأيام سطت مجموعة (حرامية) على بيت من بيوتات بغداد، وكان خاليا من أهله، وبعد أن وجه رئيسهم باقي الأفراد في أخذ ما خف حمله وغلا ثمنه، وأتموا عملهم (حسب الأصول) شرعوا برزم ماسرقوه استعدادا لترك الدار، وبينما هم في المطبخ، رآى رئيسهم صحنا فيه مسحوق أبيض، وبدافع الفضول مد يده وأخذ منه (لطعة)، ليتبين له بعد ان تذوقه أنه “ملح الطعام”، فما كان منه إلا أن أمر أصحابه قائلا: (رجعوا المسروقات جميعها).. ففوجئوا بطلبه هذا وسألوه: (ليش عمي؟!) أجابهم: (تمالحنا وياهم)..!
فلو أردنا المقارنة والمقاربة بين مبدأ رئيس الـ (حرامية) هذا وبين سراق الـ (عراق الجديد) لرأينا العجب العجاب في طرق سرقتهم المال العام والخاص على حد سواء، والأمثلة على هذا لاتحصى في مقال او مقام مهما طال او عرض. فبدءًا من البطاقة التموينية ومفرداتها التي لايستقر بها قرار بين موظفي وزارة التجارة المسؤولين عنها، على الرغم من تغييرهم باستمرار بأوامر إدارية، مرورا بالابتزازات المتفشية في دوائر البلد، كذلك المشاريع الوهمية والمقاولات الفضائية التي لاتخلو منها المؤسسات التنفيذية على الأصعدة كافة وبالنشاطات جميعها، وصولا الى السرقات التي طالت المساكين المغلوب على أمرهم، والمنكوبين من النازحين والمهجرين. ولن يقف تعدادنا للسرقات عند رقم معين، ولاينتهي بآخرها وأكبرها، وهي موازنة البلد التي انزلقت في بطون أشخاص، مع انزلاق أسرار الاستيلاء عليها وانعدام حلول ألغاز استحواذها.
هذا غيض من فيض جمهرة الأحداث التي مر بها العراق، وهي قطعا لم تتسبب بحدوثها مخلوقات فضائية آتية من خارج كرتنا الأرضية، ولم يكن أبطالها مستوردين من مسارح خارج البلاد، بل هم خريجو مسارح الداخل، الذي بات بفضلهم مترعا بالفسادات بمراتبها، والسرقات بأصنافها على يد مسؤولين باختلاف مراكزهم ومناصبهم، وهم جاثمون على صدورنا يتحكمون بمصائرنا، ويتصرفون بخيرات بلدنا، ولا بصيص أمل بانقشاعهم، بل نحن الزائلون وهم الباقون.
وبعودة الى الآية التي ذكرتها في بداية حديثي، أرى أننا لسنا من المغضوب عليهم فحسب، بل نحن من الضالين.
[email protected]