أنتظر العرب بحماسة خطاب الرئيس الامريكي باراك أوباما الذين أعلن فيه عن الاستراتيجية الامريكية لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف وكالعادة فقد أنقسمت الأوساط النخبوية والشعبية العربية الى فريقين رحب أولهما بمضمون الخطاب وأعتبره نقطة البداية لعملية القضاء على داعش وتخليص المنطقة من شرورها و أبدى ثانيهما اعتراضه وتخوفه لأسباب عدة ، وبغض النظر عن الخطاب و محاوره الأربعة المعروفة سلفا (سوى تلك التي تلقى فيها النظام السوري صفعة قوية عندما ظن ولو لوهلة ان هذه الحرب المنتظرة ستعيد له شرعيته وستدفع الغرب للتعاون معه في مواجهة داعش) و الاستراتيجية و الحرب نفسها ناهيك عن ماينتظر داعش من جحيم تستحقه بالتأكيد هي وكل من تواطأ معها كجزاء لها على دمويتها البشعة وطائفيتها القذرة فالأهم والأخطر هو ماوراء الحرب ؟ خصوصا ان التدخل الأجنبي في عدة دول مثل أفغانستان والصومال والعراق وليبيا لم يأتي لتلك الدول سوى بالمزيد من الخراب والدمار وان أي تدخل عسكري غربي غالبا ماينطوي على شقين أحدهما معلن متفق عليه والأخر مستتر مختلف فيه وعادة مايتبرأ العرب منه ويدينوه بعد أن يكونوا قد ساهموا في وجوده، وهنا تكمن الخطورة في أن خطة موضوعة يفرض من خلالها واقع حال جديد يتم تمريرها من خلال العمليات العسكرية المرتقبة وهو أمر تكرر حدوثه من قبل في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر أحدى أكثر بقاع العالم سخونة بأحداثها المتواصلة و أشدها حساسية بالنسبة للقوى الدولية لكونها تنتج خمس الأنتاج العالمي من الطاقة ولوجود الدولة العبرية الحليف الأساسي للغرب فيها.
فقد نبهت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 الغرب للأهمية الاستراتيجية للمنطقة لتدخل معها القوى الكبرى في حالة صراع من أجل مد النفوذ والسيطرة عليها وزادت أهميتها في منتصف القرن العشرين بعد اكتشاف النفط وزرع اسرائيل في قلبها لتكون هذه المنطقة محكومة بمجموعة من المعادلات الجيوسياسية والأقتصادية والعسكرية المتقاطعة بين القوى العظمى بحيث لايسمح معها لأي دولة اقليمية بأنشاء مشروع
نهضوي تحفظ به سيادتها واستقلالها السياسي ويحقق لها الاكتفاء الذاتي الأقتصادي ويضمن لها قوتها العسكرية خارج الحدود المسموح بها غربيا ومن هنا ضرب مشروع مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا بمعاهدة لندن عام 1840 كما أوقف عبد الناصر ومشروعه القومي في نكسة حزيران عام 1967 و وضع حد لطموحات صدام حسين في حرب الخليج الثانية عام 1991 قبل أن يتم الاجهاز على نظامه ككل في العام 2003 ، ومع كل مخاض تمر به هذه المنطقة أكتفى العرب دائما بترديد نظرية المؤامرة وتوجيه اللوم للأخرين دون أن يحملوا أنفسهم أية مسئولية أو حتى مجرد اجراء نقد ذاتي لسياساتهم العشوائية المبنية على رد الفعل فقط وعدم قراءة الواقع الدولي بصورة صحيحة بعيدة عن لغة الشعارات التي لاتقدم ولاتأخر والتي غالبا ماتمهد للتدخل الغربي الغير محمود العواقب لتنطبق عليهم حرفيا مقولة (التاريخ لايعيد نفسه لكن البشر هم من يكررون أخطائهم) .
كان الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر استثناءا من هذه الواقع السياسي العربي المزري فعندما طالب الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم بضم الكويت عام 1961 بعد استقلالها عن بريطانيا ولجأ على أثر ذلك أمير الكويت الشيخ عبدالله جابر الصباح للاستعانة بالأنجليز تنفيذا لبنود معاهدة الصداقة الكويتية البريطانية وهو ماتحمست له بريطانيا التي سارعت لارسال قواتها للكويت حينئذ وقف عبد الناصر ضد طموحات قاسم ولكنه تصدى أيضا بدوره للتدخل البريطاني الذي كان يدرك جيدا بأنه سيعمق من الخلافات العربية العربية وسيعيد المستعمر البريطاني الى المنطقة العربية بحجة الدفاع عن الكويت في وجه التهديدات العراقية وقد أسهمت جهود ناصر بقبول الكويت كدولة عضو في الجامعة العربية في 20 تموز من عام 1961 وهو ماترتب عليه طلب الأمير الكويتي من القوات البريطانية المغادرة واستبدالها بقوات عربية من الجمهورية العربية المتحدة والأردن والسعودية والسودان وهو ماجعل قاسم يراجع حساباته غير ان هذه الحنكة والحس العالي من المسئولية هو أمر نادر لايمكن القياس عليه في التاريخ السياسي العربي ، فندما أرتكب النظام العراقي السابق أحدى أكبر اخطائه بغزوه للكويت في 2-8-1990 لم يمتلك العاهل السعودي الراحل الملك فهد والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ونظيره المصري حسني مبارك الجرأة المطلوبة على غرار عبد الناصر لتخيير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بين مواجهة عربية عربية حتمية أو الأنسحاب من الكويت بمعزل عن التدخلات الخارجية ، انما أختاروا اللجوء للغرب والأنقياد خلف الخطط الامريكية الساعية للتدخل بعد احكام الفخ لتدمير القوة العراقية المتصاعدة والتي باتت تشكل خطرا حقيقيا على اسرائيل وتحجيم العراق سياسيا وأقتصاديا وعسكريا بحجة تحرير الكويت وهو ما استغلته بدورها السعودية ومصر وسوريا لاقصاء العراق كقوة اقليمية من المعادلة العربية وتم الأمر كله بأغلبية عربية موافقة قبل أن يعود العرب ليتباكوا على أطفال العراق الذين قتلهم الحصار الغاشم طوال 13 عام وساهموا هم فيه بشكل فاعل وبعد هذه الحرب تم سوق العرب سوقا الى مؤتمر مدريد للسلام على مبدأ (الأرض مقابل السلام) وبعد 24 عام حصلت اسرائيل على السلام بل وسعت احتلالها عام 2000 ومزق الاستيطان الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتم تهويد
القدس وأستمر احتلال الجولان السوري ومزارع شبعا وقرية الغجر اللبنانية وخرج العرب بخفي حنين ، وتكررت نفس المأساة مع الغزو الامريكي للعراق عام 2003 عندما أنطلقت القوات الغازية برا وجوا وبحرا من الأراضي والمياه العربية لتدمر العراق وتنهي الدولة وتحل الجيش بحجة اسقاط النظام الديكتاتوري ثم عادت هذه الدول ذاتها لتصف العراق الجديد بأنه يدور في الفلك الايراني وان هناك اقصاء للسنة الذين ساهموا هم أنفسهم باسقاط زعامتهم للعراق بل ان هذا النفاق السياسي وصل لبعض العراقيين أنفسهم ممن واظبوا على مهاجمة الاحتلال وعمليته السياسية وهم على بعد عدة كيلومترات من قاعدة السيلية التي وضعت ونفذت منها خطة احتلال وتدمير العراق !!! وكان من تبعات هذا الغزو المبارك عربيا أن أنفتحت أبواب المنطقة على مصراعيها أمام المشروع الايراني الذي أجتاح نفوذه العراق سوريا لبنان البحرين واليمن بل وصل الأمر الى السودان وشمال افريقيا كما أنتشر التطرف الاسلامي السني والجماعات الراديكالية التي غطت خريطة العالم الاسلامي من أندونيسيا الى المغرب فكان اندلاع العنف الطائفي في العراق عام 2006 قبل أن تتفجر المنطقة بأكملها طائفيا على أثر الحرب السورية الدائرة منذ أكثر من3 أعوام وسط سقوط مدوي لمفهوم الدولة المركزية الجامعة واحياء للنعرات الطائفية والعرقية وأنتشار موجات الأنفصال وتقرير المصير والفيدرالية وحقوق الأقليات .
واليوم تبدوا المنطقة على شفا حربا جديدة ضد تنظيم الدولة الاسلامية الذي كان الأولى بالدول العربية نفسها محاربته بدلا من ادانته والتبرؤ منه علنا والتحالف معه وتمويله سرا لاستخدامه كأداة للاطاحة بنظام الأسد تارة ولتقويض العملية السياسية العراقية تارة أخرى بحجة مواجهة النفوذ الايراني !!! من قبل البعض فاذا كانت الدول العربية تحمل طهران مسئولية انتشار الطائفية والارهاب في الشرق الأوسط فهل تتم مواجهة الارهاب بالارهاب؟ وهل تستطيع القضاء على الطائفية عندما تواجهها بطائفية مضادة؟ فكانت نتيجة هذه الحماقات ان أنتقل الملف برمته للمجتمع الدولي وقواه الكبرى التي ستتدخل لوقف انتهاكات داعش حفاظا على مصالحها لاخوفا على ضحايا داعش من الشيعة والأكراد والتركمان والأيزيديين والمسيحيين أو حتى السنة المناوئين لها مع مايترتب على ذلك من وضع جديد يتم تحضيره لهذه المنطقة سيهاجمه العرب تقليديا فيما بعد ويتهمون الامريكيين بالتأمر دون أن يدركوا بأنهم كانوا جزء من هذه المؤامرة وأن تقاعسهم عن القيام بدورهم في التصدي للتطرف الديني الذي يسيئ للدين الاسلامي الحنيف قبل غيره بل واستخدامه في المزايدات السياسية وتصفية الحسابات الطائفية هو ما أفسح المجال للولايات المتحدة للتدخل وهو تدخل ستكون فاتورته ثقيلة على العراق وسوريا ودول الخليج فأمريكا لن تعرض خدماتها العسكرية بالمجان .
ومن هنا ندرك بأن خلف كل تدخل عسكري أجنبي يقوده حلف دولي قائمة من التنازلات السياسية التي يجب على العرب تقديمها ، فلو أحسنت القيادات السياسية العربية التعامل مع ملفات المنطقة الساخنة بهدوء
ومسئولية وحكمة وسعت لتقريب وجهات النظر المختلفة واطفاء نار الفتنة الطائفية ومحاربة التطرف الديني بعيدا عن التأثيرات الأجنبية لما اندلعت هذه الحروب المتتالية والتي تمثل ربحا منظما لشركات السلاح الامريكية والغربية ولما وصلنا الى مانحن عليه اليوم من مأساة ونحن نغرق في طوفان الفساد والطائفية والارهاب والطغيان لكننا أمة تأبى أن تتعلم من أخطائها وتتغير وتتقدم نحو الأمام وستكون الأيام القادمة شاهدة على سحق داعش ومن تحالف معها كما ضربت القاعدة وطالبان في حرب أفغانستان عام 2001 وكما تم تصفية تنظيم القاعدة في العراق من قبل قوات الصحوات السنية المدعومة من الامريكيين عامي 2007-2008 لكن الخوف الحقيقي يكمن في ما وراء تصفية داعش هل ستغدو هذه المنطقة المنكوبة واحة للاستقرار والأمان والديمقراطية والحرية ؟؟ .. أشك في ذلك.