23 ديسمبر، 2024 5:37 ص

نحن أمة … تقتل نبيّها كل يوم

نحن أمة … تقتل نبيّها كل يوم

إن الشعوب التي تفتخر بخلفائها (المتآمرين) ، وأمراء مؤمنيها (المثليين) ، وقادتها (الدمويين)  ، وحكامها (المجرمين) ، وتترحم على (القاتل والمقتول) ، وتساوي بين (الغث والسمين) ، وتترضى على (الصريح واللصيق) ، وتتخذ من (أولاد الزانيات) قدوة لها ، لحريٌّ بها أن تعيش في حضيض الأمم ، وليس غريباً عنها أن تقابل مطارق وسياط حكامها بــ (ابتسامة) عريضة ، تخفي ورائها مقولة (الصبر مفتاح الفرج) .

 

فنحن أمة ما زالت تفتخر بما تسميه (الفتوحات الإسلامية) ، رغم أن هذه الفتوحات هي محض عصيان لكتاب الله ، ومخالفة لسنّة رسول الله ، وكانت أشبه ما تكون بعمليات الاحتلال و (الاستعمار الاستيطاني) المعاصرة ، ولا تختلف – قليلاً أو كثيراً – عن أسباب وغايات الاستعمار الأوربي للدول العربية ، ولا حتى عن الاحتلال الإسرائيلي البغيض لفلسطين .

 

نحن أمة قدمت نبيها على أنه (جاء بالسيف والذبح) رغم أن الله يقول عنه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ، وأطلقت تسمية (غزوات) على حروبه (الاستباقية) لتشبع شهوة (العربان الجربان) المجبولين على الرغبة بالاعتداء على الآخرين وسلب أموالهم وسبي نسائهم واسترقاق أبنائهم ، لتنتعش سوق النخاسة .

 

نحن أمة قدمت نبيها لباقي المجتمعات على أنه (فقير) حد الجوع ، وكان الرعي مهنته ، وكان ينتظر الفرصة ليحظى بزوجة مثل (خديجة) لينقذ نفسه من ألم الفقر والجوع ، ولم تذكر في كتبها أن الرسول كان من أثرياء قريش بما ورثه من تجارة أبيه (عبد الله) ، وأن أعمامه كانوا أساطين وأباطرة التجارة ، وإن السيدة (خديجة) إنما وضعت أموالها تحت تصرفه للتجارة و (المضاربة) ، كما يحدث الآن مع (بنوك الاستثمار) ، حين يضع المرء أمواله في (بنك) كبير ومعتمد ، ومستبعد الافلاس .

 

هذه الأمة ، تزعم أن نبيها رضي بقبول مهمة (الرسالة) بشكل (إرهابي) حين نزل عليه الوحي (جبرائيل) واعتصره ثلاث مرات حتى كادت روحه أن تزهق وهو في الغار (وحيد) ، وأنه لم يكن يعرف أنه (نبي) حتى أخبره (ورقة ابن نوفل) بأنه نبي هذه الأمة ، ولم تخبرنا (الألواح الأموية والعباسية) بأن رسول الله كان نبياً (وآدم ما زال بين الماء والطين) ، وأن جده وأعمامه كانوا ينتظرون ويتوقعون نبوته ، ويخفونه عن عيون المصطادين من اليهود وغيرهم .

 

أمتنا تزعم أن نبيها (يبول واقفاً) كما يفعل العضاريط الذين لا يبالون بالنجاسة ، وأنه حاول (الانتحار) مراراً ، وأنّه (مسحور) ، وأنّه (زير نساء) ، وأنه (يطوف) بنسائه في ليلة واحدة وبغسل واحد ، وأن شغله الشاغل هو (حب الطروقة) ، وأنه لا يرتاح إلا بالجلوس على أفخاذ نساءه حتى أثناء نزول الوحي ، وأنه (يباشر) أزواجه وهن في (الحيض) .

 

نحن أمة نفت (العصمة) عن نبيها ، وحصرت عصمته في (التبليغ) فقط ، لكي تقول للناس بأن (محمداً) يخطئ ويصيب ، وأنّه (لا) يستحق كل (الاحترام) ، ولا يستحق هذه (الهالة) من (القدسية) ، وهو مجرد (مذيع) في قناة (الله الفضائية) ، يذيع نشرة الأخبار ، ثم يغادر الفضائية ليمارس حياته الطبيعية رغم (قناعته) أو عدمها مما أذاعه في نشرة الأخبار .

 

نحن أمة ، أغلب أفرادها يقدس المصادر التاريخية (التراثية) ، ويقسم بها كما تقسم بالقرآن ، وهو لم يقرأها أو يطلع عليها ، بل وحتى لو قرأها فهو ينتخب منها ما يعزز من قناعاته (الموروثة) عن أمه وأبيه وجدته ، ولا يكلف نفسه (البحث والتقصي) لمعرفة ما وراء السطور أو ما بين السطور .

 

نحن أمة ورثت الصنمية و (التبرير) كابراً عن كابر ، فــ (الصحابة) عندنا كلهم (عدول) ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ومن خلفهم ، رغم أن القرآن قد ذمهم مراراً ووبخهم ، ورغم ما ورد في (الأثر) من أفعال (مشينة) و (إجرامية) قد اقترفها بعضهم ، ورغم فأبو سفيان عندنا  مؤمن تقي نقي ، رغم أنه من كبار المتآمرين على الرسول والدين ، ومعاوية عندنا (أمير المؤمنين) وخالهم ، رغم أنه جلف قذر من نتاج الجاسوسية البيزنطية ، بل تعدى الأمر إلى صنمية (التابعين) و (تابعي التابعين) إلى يوم الدين ، ولا أقرب من (صلاح الدين الأيوبي) الذي يمثل عندنا (المحرر) الأول لـــ (فلسطين) ، رغم وجود اتفاقية (الرملة) التي عقدها مع (ريتشارد) والتي تثبت أن محرر فلسطين هو أول من باع (فلسطين) ، وهو (أول) من سن شريعة (التطبيع) مع المحتلين .

 

نحن أمة فارقت النسخة (الأصلية – العالمية) للشريعة المحمدية ، وبدأوا بحصرها ضمن ثقافة (الناقة والبعير) ، ولم يسمحوا لها بقبول (الفهم الجديد) ، ولم يمنحوها حق مغادرة (خيمة الشعر) ، واتهمت بالكفر كل من يقرأ الشريعة بشكل معاصر يتناسب مع حجمها (العالمي) ، حفاظاً على نكهتها (المحلية) التي بدأت منذ ألف وما يزيد عن الأربعمئة عام ، حتى باتت القراءة المعاصرة للدين (بدعة) ، وكل بدعة ضلال وكل ضلال في النار .

 

نحن أمة غادرت النسخة الأصلية للدين منذ الانقلاب الأول في (السقيفة) الأولى ، تلك النسخة  التي جاء بها جميع الأنبياء والمرسلين منذ آدم حتى خاتم النبيين ، وباتت تتعبد بالنسخ التي ابتكرها (بنو أمية وبنو العباس) ومن جاء بعدهم من أباطرة (الاسلام السياسي) الذي أخرجه الرواة ووعاظ السلاطين على مقاسات الحكام والأمراء .

 

نحن أمة تعلمت أن القرآن كتاب (سري) ، لا يفهمه إلا الله والراسخون في العلم ، والراسخون في العلم هنا هم (المفسرون) الذين يحق لهم (حصراً) فهم وتفسير القرآن رغم أنه كتاب أنزله الله (للناس كافة) ، و (يسره للذكر) ، وبذلك فقد أغلقنا أمامنا باب متعة وروعة فهم وتدبر القرآن ، ومنحنا هذه الصلاحية لأفراد محددين ، وصار فهم القرآن وتفسيره أشبه بالكفر ـ وصار لزاماً على من يفسر القرآن أو يفهمه من (العامة) أن يتبوأ مقعده من النار ، وويلٌ لمن جاء بتفسير جديد يعارض فهم الأولين .

 

إننا أمة منحت الفقهاء (وكالة عامة مطلقة) وأعطتهم حق التصرف والاستنباط ومنعت نفسها من ذلك ، تحت ذريعة أن (من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ، بل تعدى الأمر إلى من (يفتي بعلم) أيضاً ، وابتكروا لذلك استراتيجية جديدة اسمها (مخالفة المشهور) ، فصال الفقهاء وجالوا ، وفرضوا على الناس أحكاماً مخالفة لكتاب الله مستندين على روايات ، (قيل) إنها من السنة ، وجعلوا من (السند) حاكماً على (المتن) وسلطاناً على كتاب الله ، فابتكروا (الجزية) وفسروها على وفق حاجة الأمراء والسلاطين للمال من أجل إشباع شهواتهم وغرائزهم ، وبما يعزز من طموحاتهم وتطلعاتهم في الاحتلال والاستعمار ، وأوجدوا لنا (كارثة) جديدة مخالفة لظاهر كتاب الله ، وأسموها (حد الردة) ، ليبرروا لخلفائهم وساستهم قتل (المعارضة) وتكميم الأفواه ، وقتل روح (الانعتاق) في الأمة ، وأرهقوا المجتمع بأحكام لم ينزل الله بها من سلطان ، مثل (رجم الزانية والزاني المحصنين) ضاربين بذلك كتاب الله عرض الجدار ، وأدهشوا الأمة بعقوبة (بتر) يد السارقة والسارق ، وبما أنتجه فهمهم القديم لكتاب الله المعاصر لكل زمان ومكان .

وللحديث بقية