23 ديسمبر، 2024 10:24 ص

“نحن”.. أروع درس في المصالحة

“نحن”.. أروع درس في المصالحة

يقول مثلنا العراقي: (إذا حچيت خلي شاهدك حاضر). وقطعا كلما كان الشاهد صادقا كان حديثنا موثوقا به أكثر، وإن لم يكن شاهدنا حاضرا علينا الاستشهاد باستذكار كلامه او مواقفه، شريطة أن يكون الشاهد معرفا لدى السامعين. فعلينا إذن..! اعتماد القول الصائب من المصدر الموثوق، وهذه مهمة ليست باليسيرة، ذلك أن المصادر كثيرة وعملية الانتقاء والاصطفاء لاتعتمد على أهوائنا ورغباتنا فقط، بل هي تبحر وسط أمواج من الآراء والمزاجات والمؤيدين والمعارضين والأصدقاء، وكذلك الأعداء.

إن السلبيات والإيجابيات مرافقة لكل بني آدم -حاشا الأنبياء والأولياء المعصومين- وبذا يكون حريا بنا وضع أنفسنا في موازين عدة، أولها ميزان المصارحة والمكاشفة مع النفس أولا ومع الغير ثانيا، فنكون إذاك قد وضعنا أقدامنا في بداية الطريق الصائب، أو غيرنا مسارها باتجاهه إن كانت في الطريق الخطأ، وقطعا علينا التسليم بأن كلنا “خطاؤون وخير الخطائين التوابون”. -وهذا أول شاهد وخيرهم وسيدهم أستشهد بحديثه صلى الله عليه وآله وسلـم-.

هناك حقيقة لاأظن أحدا يكذبها، أننا نحن العراقيون غارقون في سلبياتنا.. شئنا أم أبينا.. اعترفنا أم لم نعترف.. والحديث عنها يبدأ منذ عقود ولاأظنه ينتهي في هذه الليلة أو ضحاها، وأقصد بـ “نحن” المواطنين وليس متقلدي المناصب العليا في البلد، ولاسيما أصحاب القرار وأولو البت فيه، فنحن -المواطنون- أصحاب البلد الشرعيون، ويرث بعدنا أولادنا وأحفادنا هذا الحق، أما أصحاب الكراسي، فهم زائلون بزوالها.. ولهم بعدها الرحمة او اللعنة كل بما عمل. ولو أمعنا بكثير من السلبيات التي آلت اليها أحوال البلد، للمسنا أن أحد المسببات هو “نحن”، فهل يدفعنا هذا الى الاستسلام والخنوع والرضوخ لما جنيناه على أنفسنا؟.

يحكى ان الجنرال نابليون بونابرت يرد بثلاث على ثلاث: من قال لا أقدر، قال له: حاول. ومن قال لا اعرف، قال له: تعلم. ومن قال مستحيل، قال له: جرب.

انا كعراقي.. أراني والعراقيين أعمق وأعرق إرثا وتاريخا من نابليون وشعبه الفرنسي، وفي تاريخنا حكماء وواعظون كثيرون، سبقوا اولئك الفرنسيين بأقوالهم في مايحث على الإقدام والتحلي بالأخلاق الحميدة، والطبائع الطيبة والتعامل السمح مع بعضنا، فهناك في تاريخنا العريق من قال:

عامل الناس بخلق رقيق

والقَ من تلقى بوجه طليق

فـاذا انت قليـل الـعـدا

واذا انت كثـيـر الصديــق

وباتباع النصيحة هذه نكون “نحن” قد غلبنا أرباب الحكم في بلدنا، وصححنا شيئا من سلبياتنا في تعامل بعضنا مع البعض، ونقدم حينها درسا بليغا لساستنا في “المصالحة الوطنية”.

لذا أتقدّم من منبري هذا بدعوة عامة للجميع، أول من أدعوه لها من العراقيين نفسي: لنفعِّل خصالنا الحميدة والجميلة الموجودة حتما في نفوسنا التي جُبلت عليها بالفطرة، بدءًا من رقيق الكلام ودماثة الخلق والجود والعطاء، والتسامح في تعاملنا اليومي مع بعضنا في البيت والشارع ومحال عملنا، ومن تعثر في اولى خطواته فليتذكر شاعرنا العربي -وليس الفرنسي- الذي قال:

لاتيأسن اذا كبوتم مرة

ان النجاح حليف كل مثابر

ولتتكرر المحاولة لمن قال لا أقدر. اما من يقول لا أعرف.. فخير معلم له سيرة أجدادنا وأخلاقهم وحكاياهم، في كل مدن العراق وأزقته وبيوته المفعمة بروح التآصر والحب والألفة. ومن قال: مستحيل.. فهو من يريد وضع العصي في دواليب مركبة تقدمنا، وعلينا ردعه وإبعاده عن قافلتنا لتسير بأمان وسلام. ورحم الله نابليون وكل من قال قولا سليما.

[email protected]