18 نوفمبر، 2024 4:46 ص
Search
Close this search box.

نحنُ لا نرحمُ من بكى ؟!

نحنُ لا نرحمُ من بكى ؟!

مؤخرا إنعطفتُ في جانب من قراءآتي وكتاباتي ، نحو تتبع بعض الوقائع المهمة ذات الصلة بتاريخ وواقع شريحتين مهمتين ، وأرى أنها مظلومتين . وأقصد : المعدان في جنوب العراق ، والبربر في الشمال الافريقي (الذي أصبح بعد إنتشار الاسلام : عربياً) .
    وهكذا كتبتً في جريدة الزمان – بغداد ، عموداً بعنوان : المعدان وتعسف الظالمين ، جاء فيه : أن (المعدان) إمتداد بشري لسكان العراق القدماء : السومريين والأكديين وَفَنَّدْتُ – وان كان بشكل مختصر تفرضه الكتابة الصحفية – الافتراءات الظالمة التي تزعم أن المعدان هم رعاة الجاموس ، وأن الفاتح العربي الاسلامي محمد القاسم جلبهم مع حيوان الجاموس من الهند الى العراق .
ومرة اخرئ كتبت، تحت عنوان البربر وظلم الظالمين أشرت الى الظلم الذي لحق بالبربر ، حيث يتداول العديدون في المشرق ما يسمونه (الوحشية البربرية) ، وكأن الممارسات البربرية رديف الهمجية ومعاكسة تيار الحضارة . وهكذا يقال : هجوم وحشي بربري ، ولا يُقال :
هجوم وحشي مغولي أو تتري . ولم يقدم أحدٌ دليلاً على (الوحشية البربرية) ، ولو بذكر واقعة معينة تدل على تصرف همجي (بربري) كالذي فعله هولاكو أو تيمورلنك أو غيرهما .
    متابعتي : قراءةً وكتابةَ ، لموضوع المعدان والبربر ، قادتني الى تقليب بعض الصفحات الخاصة بتاريخ المغول ، والكتابة عنهم ، وقرأت بعضَ المصادر . ووجدت ما يثير الدهشة ، ويبعث على الاستغراب .
  وكتبتُ ايضا عموداً تحت عنوان : بريق السيوف ولمعان الذهب ، أشرت فيه إلى المواجهة بين الغازي المغولي هولاكو (هلاوون) حيثُ كان بريق سيوف جيشه يعمي الابصار ، وينافس ضوءَ الشمس ، وبين آخر خليفة عباسي هو (المستعصم) حيثُ تمسك بلمعان الذهب في خزائنه
    وفي المواجهة غير المتكافئة ، أدرك المستعصم ، ربما متأخراً ، ان الذهب لا يصنع كل شيء في الحياة ، وأن ثروة ، بدون قوة تحميها تغري الذئاب الجائعة وتفتح شهيتها . ولقي المستعصم مصرعه        في 20/شباط (فبراير)/1258 . كما ان كل أفراد أسرته أصابهم هذا المصير .
    أعود للكتابات عن المغول ، ومبعث الدهشة فيها :
    فقد نشرت مجلة (العربي) الكويتية ، في عددها المرقم 640 ، والصادر في آذار (مارس)/2012 مقالاً للأكاديمي اللبناني الدكتور طارق
شمس ، وكان بعنوان : جنكيزخان .. من رجل القبيلة الى رجل الدولة . والذي يهمنا مما جاء فيه قول هذا الباحث : [معظم المؤرخين المسلمين نقلوا صورة عن جنكيزخان أظهرته كشخص متوحش ، سفّاك للدماء . ولكنها لم تعط صورة واضحة وحقيقية عن هذا الزعيم الاداري والسياسي وقائد الدولة] .
    وفي موضوع آخر من هذا البحث يقول الاكاديمي طارق شمس : جنكيزخان كان يتأثر بشدة عند رؤية الضعفاء – إنتهى الاقتباس .
    ولنقل : أن جنكيزخان لم يقم – بشكل مباشر – بالمذابح التي قامت بها جيوشه ، ولكن هل أنه لم يسمع بها ؟ هل كانت تتم دون أمرٍ وموافقة منه ؟ علماً أن كاتب هذا المقال ، يقول فيه : ((ولم يكن جنكيزخان ليرضى عن أي تجاوز ، قد يرتكبه جنوده ، خاصة عصيان الأوامر ، لما في ذلك من خطر على وحدة الامبراطورية المغولية)) . إذن ما حدث من مذابح كان متسقاً مع أوامر الخان ، وليس عصياناً لها . وكأني بالاكاديمي يريد أن يقول : جنكيزخان المفترى عليه !! .
    ومن المصادر التي إعتمدتُها في هذا التوجه ، كتاب (المغول) ، لمؤلفه الدكتور السيد الباز العريني ، استاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب بجامعتَي: القاهرة وبيروت العربية . ويقدم العريني قراءة ومتابعة للظاهرة المغولية ، عبر (380) صفحة من القطع الكبير . توقفتُ عند معظم صفحات الكتاب ، خاصةً موضوع (المغول وعلاقتهم بمصر) وفـــي
هذا الفصل توقفتُ عند النص التالي :
    وفي أوائل كانون الثاني (يناير) سنة 1260(أي بعد ما يقرب من السنتين على إحتلال وتدمير بغداد) ، وَجَّهَ هولاكو سفارة الى مصر تطلب الى السلطان الحاكم بمصر(قطز) التسليم . وحمل الرسل كتاباً من  هولاكو ، من بعض ما جاء فيه : من ملك الملوك ، شرقاً وغرباً ، الخان الأعظم ، يعلم الملك المظفر قطز ، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا في خوارزم .
    ومضى الغازي هولاكو ، يقول برسالته : إتعظوا بغيركم ، وأسلموا الينا أمركم . فنحن لا نرحم من بكى ، ولا نرق لمن شكى – انتهى الاقتباس .
    هذا هو منطق القوة . لا حياة للضعيف ، ولا رحمة لمن يبكي ، ولا رِقّةَ مع من يشكي . هذا هو قانون الصراع من أجل البقاء : قديماً  وحديثاً .
    هذا بعض ما جاء في كتاب التاريخ . ولكن أين من يفتح الكتاب  ويقرأ ؟ .

أحدث المقالات