23 ديسمبر، 2024 4:30 ص

(فعلاً هي كلمة مزعجة تتداولها الألسن يومياً، وبشكل متكرر في يوميات العامة واشغالهم، في الطرقات، في المحال التجارية، في الباصات، ومواقع التواصل الاجتماعية، وأينما وجد عراقيان أثنان على الأقل، وصفوا أبناء بلدهم (بالجبن).

وكأنها أصبحت صفة متلاصقة لأبناء وادي الرافدين، فالشاطر من يكيل التهمة هذه لأبناء بلده (احنة شعب جبان، ياهو اليجي نصفكلة، نستحق اللي يجرانة والله….) ومن أشباه هذا العيّ، وهو أمراٌ فعلاً مستهجن وغريب.

قد يطلق الكثيرون_ سواء كان هؤلاء من الطبقة المثقفة أم من عامة الناس_ لفظ جمعي على بلد من البلدان، أو مجتمع من المجتمعات بشتى الألفاظ والنعوت، الجيدة منها والسيئة على حد سواء، إلا أنه يبدو بأن هنالك اتفاقاً غريب بين عامة الناس على هذا المصطلح، هو أمرٌ يدعو إلى الوقوف والتسائل، ما الذي يدفعنا إلى قول مثل هذا الكلام، وهل هو حقيقة فعلاً؟

أعتقد شخصياً بأن عملية (جلد الذات) هذه تقف خلفها الكثير من مكنونات الكبت والقمع والاضطهاد المتراكمة طوال قرون عاشها العراقيين، وهي كلما وجدت وقتاَ مناسباً لكي تظهر إلى الساحة، ظهرت بعنف وقوة، لتعبر عنما في داخل العراقيّ من محن ومعاناة، وألم حسرة مخبؤةً تحت كمً هائل من الكتمان.

ولا أرى سبباً آخريدفعهم لقول ذلك سوى حجم الفشل والاخفاقات الكبيرة والبطالة، وتردي حال الأمن والخدمات،وغيرها الكثيرمن منغصات الحياة التي يعيشها المواطن العراقي الفقير.

كل هذا كفيل في تفجر حالة من الغضب والاستياء العارم، تدفع الناس لقول هذا الكلام، أو ماهو أبعد من ذلك، كشتم البلاد مع الأسف.

وضاهرة الانتقاد هذه أو غيرها مما عُرف به العراقي، حيث يقول الدكتور علي الوردي في كتابه (طبيعة الفرد العراقي) ما نصه:- (أن العراقي مشهور لكثرة انتقاده لغيره، كل منا ينسب خراب الوطن إلى الآخرين، ناسياً أنه هو مساهم في هذا الخراب العام قليلاً أو كثيراُ، والغريب أن موظفي الحكومة ينتقدون الحكومة، وكأن الحكومة مؤلفة من غيرهم، وكل فردً من الناس ينتقد الناس كأنه ليس من الناس).

ويضيف البروفيسور الوردي:- (المنتقد منا لايهمه أي شخص ينتقده، هو يريد أن ينفه عن مكبوتات نفسه، فيوجه الضربات هنا وهناك، هدفه في الضرب وليس في المضروب).

ولست هنا في معرض الدفاع عن العراقيين، والإشادة بهم وبشجاعتهم المعهودة، في مواجهة وتحديّ الصعاب، فيكيفيني وإياكم، مواقف العراقيين في التصدي للأرهاب الداعشي، الذي ضرب نصف العراق، فقتل من قَتل، وهجّر من هجّر، ودمّر من دمّر، إلا أن الموقف الصارم، وبعزيمة وإرادة قل نظيرها ، استطاع العراقيون الوقوف على قدمهم من جديد، ودحر ذلك الأرهاب الأعمى، وجعل بوصلة التعاطف والمساندة من المجتمع الدولي والشعوب على حد سواء تتجه نحونا شكل كبير.

وقد يحلو لي في هذا المقام أن أنوه على مسألة أزمة المياه التي يمر بها البلد في هذه الفترة، فيما يتعلق بجفاف نهري دجلة والفرات ، خصوصاً بعد أن أكملت تركيا مشروعها الضخم ألا وهو سد (أليسو) العملاق ، وما يترتب عليها من محاولات دول الجوار الرامية لتعطيش العراق وشعبه، وحرمانه من حصته المائية التي أقرتها لهم الأعراف والمواثيق الدولية وحسن الجوار(كما نفترض طبعاً).

إلا أننا نرى عكس ذلك، فمناسيب مياه نهريّ دجلة والفرات آخذة بالتناقص بشكل رهيب، مما يسبب مشاكل بيئية وإنسانية كبيرة، فضلاً عن مخاطر استمرار ديمومة الحياة في هذا البلد، وغيرها الكثير من المشاكل.

وهنا يأتي دور العراقيين في رفع أصواتهم، والمطالبة بحقوقهم المائية المشروعة من الجارتين تركيا وإيران، ولعل البداية تكون في احتجاجات ووقفات أمام السفارتين، ومقاطعة البضائع المستوردة منهم بشكل كلي ، و الضغط على الحكومة العراقية للعمل على حل هذه المشكلة الخطيرة، ومن ثم الذهاب أبعد من ذلك، كاللجوء للأمم المتحدة لتقديم الشكوى.

أحبوا أنفسكم بارك الله فيكم، وأعملوا جاهدين لحل مشاكلكم الصغيرة منها والكبيرة، وبالذات مسألة المياه في هذه الفترة، ولاتصتصغروا من شأنكم فهذا ليس من شيم الشعوب المتفوقة؛ ولا الدول المتطورة، فصلاحُ أمركم بيدكم أنتم، فلن ينفعكم التململ ولا الشكوى في شيء.

والسلامُ عليّكم ورحمة اللهِ وبركاته.)