23 ديسمبر، 2024 3:42 م

نحمــل أكفاننــا ونســير!

نحمــل أكفاننــا ونســير!

بعد ان يحضر الصحفي الى مكان الحدث لتغطية ( المعركة) ليشاهد السيارات المفخخة والعبوات الناسفة ، وبعد عودته من مقر عمله الى بيته ليرمي جسده المنهك بين اولاده وذويه ليرتاح ، ويتأسف على ماحصل وليتألم لهول ما رأى ، ولكن الى أين يذهب الصحفي اذا كانت ( المعركة ) في غرفة نومه ووقـــــــود  (الحرب ) هي أمه  أو اولاده وزوجتــه ؟ لايبقى للصحفي مجال للراحة  ومكان يضع فيه قلمه ، عندها سيصبح مثل المطحنة الأبدية ، غير قابلة للتوقف ، وحين لا يبقى امامها شيء تطحنه تبــدأ في طحن نفسها ، كل الاصوات التي تؤدي الى المذبحة ،  والمحرقة ، لاتعرف الحق من الباطل والمفترس من الحمل الوديع  ، أو الطفل من الشيخ ،  وكلما كانت الدماء بريئة كلما ازدادت المحرقة تنعمـا ، تباهت الوانها  الشريرة ، وهل تبقى تسمى محرقــة اذا التهمت الشريرين وحدهم وتركت الابرياء يعملون وحدهم  لبناء عالم افضل ؟  سـؤال ساذج لايجوز التوقف عنده ،  القاتل لم يطرحه على نفسه  لحظة واحدة لأن مايدفعه الى ايقاف عجلة آلتـه الجهنمـــية.                            ويحدثونك عن الانبيـاء والكتب المقدسـة ،  كما يحدثونك عن القوانين والدســاتير والعقائد والحقـوق المهضومــة …  تحت أي بنـد يمكن ادراج  مصــرع أطفــال بعمر الورود وهم يلعبون بالدمــى ؟  وبأي دســـــــتور نمســح دمـوع الأم ، وبأي ايمـان نطفــيء النــار المشــتعلة في قلــب الأب .
أي حق مهضـوم يعـود بقتـل شـيخ طاعن في السن ، وأي وطن يبنـى حين
 
تكون لغـة العبوات الناسـفة والسيارات المفخخــة والهاونات العميــاء وكواتـــم الصوت هي اللغة السائدة  قبل العربيــة والانكليزية والفرنسـية ؟  من أدخل هذه اللغة الى حياتنا  ،  أيـوم نستقر ممزقـين بالشـظايا بين الارصفة والاراضي البور؟  أي تحليل سـياسي قادر على ان يحيط بهذه الجثث التي غطت الوانها خضرة بساتين النخيـل والشوارع العامة والأسـواق ، وأطفأت عفونتهــا رحيــق البخور وعبـق البساتين الى اجيــال لم تولــد  بعــد ؟
    يحدثونـك عن القـوة  ! 
أية قوة هذه التي تصبح فيها الغلبــة للقتــل وحـده ؟
نحن موتــى .. بكل معانــي المــوت .
أجسادنا كتـل من لحم تدب على الطرقات لاحول لها ولا قوة ، غادرتنـا الحياة مع عشرات الآلاف من الشهداء والقتلى الذين سـقطوا وسيسقطون وهم يســـيرون كظلالنـا في الشوارع والأزقـة ويتأملون في اسـّرتنا .
لا أفـراح ولا أتـراح ، الأعيــاد تحمــل رمـاد المآتم والاجنــة تتكون من لحم الضحايا ،  نحمـــل أكفــاننــا ونســـير في جنازة أرواحنـا  ونمضي العمــر في الرثــاء ، رثــاء انفســـنا .