بعد ان يحضر الصحفي الى مكان الحدث لتغطية ( المعركة) ليشاهد السيارات المفخخة والعبوات الناسفة ، وبعد عودته من مقر عمله الى بيته ليرمي جسده المنهك بين اولاده وذويه ليرتاح ، ويتأسف على ماحصل وليتألم لهول ما رأى ، ولكن الى أين يذهب الصحفي اذا كانت ( المعركة ) في غرفة نومه ووقـــــــود (الحرب ) هي أمه أو اولاده وزوجتــه ؟ لايبقى للصحفي مجال للراحة ومكان يضع فيه قلمه ، عندها سيصبح مثل المطحنة الأبدية ، غير قابلة للتوقف ، وحين لا يبقى امامها شيء تطحنه تبــدأ في طحن نفسها ، كل الاصوات التي تؤدي الى المذبحة ، والمحرقة ، لاتعرف الحق من الباطل والمفترس من الحمل الوديع ، أو الطفل من الشيخ ، وكلما كانت الدماء بريئة كلما ازدادت المحرقة تنعمـا ، تباهت الوانها الشريرة ، وهل تبقى تسمى محرقــة اذا التهمت الشريرين وحدهم وتركت الابرياء يعملون وحدهم لبناء عالم افضل ؟ سـؤال ساذج لايجوز التوقف عنده ، القاتل لم يطرحه على نفسه لحظة واحدة لأن مايدفعه الى ايقاف عجلة آلتـه الجهنمـــية. ويحدثونك عن الانبيـاء والكتب المقدسـة ، كما يحدثونك عن القوانين والدســاتير والعقائد والحقـوق المهضومــة … تحت أي بنـد يمكن ادراج مصــرع أطفــال بعمر الورود وهم يلعبون بالدمــى ؟ وبأي دســـــــتور نمســح دمـوع الأم ، وبأي ايمـان نطفــيء النــار المشــتعلة في قلــب الأب .
أي حق مهضـوم يعـود بقتـل شـيخ طاعن في السن ، وأي وطن يبنـى حين
تكون لغـة العبوات الناسـفة والسيارات المفخخــة والهاونات العميــاء وكواتـــم الصوت هي اللغة السائدة قبل العربيــة والانكليزية والفرنسـية ؟ من أدخل هذه اللغة الى حياتنا ، أيـوم نستقر ممزقـين بالشـظايا بين الارصفة والاراضي البور؟ أي تحليل سـياسي قادر على ان يحيط بهذه الجثث التي غطت الوانها خضرة بساتين النخيـل والشوارع العامة والأسـواق ، وأطفأت عفونتهــا رحيــق البخور وعبـق البساتين الى اجيــال لم تولــد بعــد ؟
يحدثونـك عن القـوة !
أية قوة هذه التي تصبح فيها الغلبــة للقتــل وحـده ؟
نحن موتــى .. بكل معانــي المــوت .
أجسادنا كتـل من لحم تدب على الطرقات لاحول لها ولا قوة ، غادرتنـا الحياة مع عشرات الآلاف من الشهداء والقتلى الذين سـقطوا وسيسقطون وهم يســـيرون كظلالنـا في الشوارع والأزقـة ويتأملون في اسـّرتنا .
لا أفـراح ولا أتـراح ، الأعيــاد تحمــل رمـاد المآتم والاجنــة تتكون من لحم الضحايا ، نحمـــل أكفــاننــا ونســـير في جنازة أرواحنـا ونمضي العمــر في الرثــاء ، رثــاء انفســـنا .