في تموز عام 1973 ، قامتْ ( الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي . ولم يدخلها الحزب الديمقراطي الكردستاني ، لأسباب رآها . كانت ولادة هذه الجبهة أمرا عسيراً ، ان لم نقل عسيراً جداً ، نظراً للتراكمات السلبية العديدة بين القوى السياسية التي تشكلت منها جبهة الاتحاد لوطني عام 1957 : ( الشيوعي ـ البعث ـ الوطني الديمقراطي ـ الاستقلال) هذه التراكمات أدت الى قطيعة تامة بين القوميين بكافة فصائلهم ، وبين الشيوعيين وامتداداتهم المدنية والعسكرية .
لسنا هنا ، وفي هذه العجالة والاختصار ، في موقع تقييم هذه الجبهة ، ولكننا نشير اٍلى أن(عِسْرَ) الولادة ، قد ترك أثره على نهايتها .. .
الشيوعي الكردي . ..
المهم قامت الجبهة . واشترك الحزب الشيوعي العراقي في الحكومة بوزيرين : أحدهما شغل منصب (وزير دولة ) ، هو عامر عبد الله ، بينما شغل مكرم الطلباني منصب ( وزير الري ) .
ولم يُحدث قيام (الجبهة) انعطافاً مهماً في الحياة السياسية آنذاك . لكن الطرفين فيها ، راهنا على أن مجرد قيامهما كان خطوة ايجابية ، علها تسهم في الشفاء من الجراح وذكريات الصراع والاحتراب .
واستمرت مسيرة (الجبهة) متعثرة في الغالب ، ومستقرة في أحيان اخرى .
الطرفان المتحالفان حاولا الاستفادة من (الجبهة) . فالحزب الشيوعي العراقي حصل على فرصة العمل العلني ، وصدرتْ جريدتُه (طريق الشعب) . وأصبح من خلال ممثليه في الحكومة ، مشاركاً في اتخاذ القرار الرسمي . أمّا البعث فقد حصل ، هو الآخر ، على مردودات ايجابية . لكننا لا نستطيع الاجابة على تساؤل من نوع : من استفاد اكثر من قيام الجبهة ؟ .
(عسر) الولادة ، والشكوك المتبادلة ، والضرورات الآنية لقيام (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) ، اسباب عَجَّلتْ بانهيار هذه الجبهة . ولو أنها وُلِدتْ بشكل بعيد عن الضرورات الظرفية ، والحسابات الضيقة ، لكان تأثيرها مغايراً لما حصل .
ومن أرشيف ذاكرتي ، وبحسب المصادر والوقائع ذات الصلة : عام 1974 ، أوفد الرئيس العراقي في حينها أحمد حسن البكر ، وزيراً في الحكومة العراقية حاملاً رسالة منه الى الرئيس التركي .
التقى المسؤولان في أنقرة ، ودار نقاش بينهما . وخلاله ، قال الرئيس التركي : نحذركم من الأكراد والشيوعيين .
فوراً رد عليه الوزير العراقي : سيادة الرئيس انني كردي وشيوعي ووزير في الحكومة العراقية .
المسؤول التركي أفصح عما يضمره .. وربما نقول عن جهله .. .
والوزير العراقي الكردي الشيوعي ، أفصح بثقة عن هويته .. مفتخراً بها . تلك هي الحقائق ، بعيداً عن (المستجدات) على الساحة ، التي لا تُغيَّر من القناعات الراسخة .