في كثير من الأحاديث التي تبحث في طرق إدارة الحكومات الحديث يتم الإشارة إلى إن السلطات تقسم إلى ثلاث هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية لتشكل بمجموعها هرم الحكومة ومن المفروض إنها متعاونة فيما بينها لان واجباتها تكاملية تصب جميعا في مصلحة المواطن والحاكم الفاصل الذي يحدد مهام كل واحدة منهم هو الدستور الذي ينبغي له أن يكون قد اقر شعبيا ليكتسب شرعيته ويخضع له الجميع ومن الطبيعي يجب أن لا يكون هناك تداخل في عمل هذه السلطات فكل واحدة منها تعمل باتجاه يكرس نجاحها في عملها وعلى اعتبار إن السلطة التشريعية هي ممثل للشعب انتخبها بمحض إرادته تقع عليها مهام إضافية في مراقبة أداء السلطتين التنفيذية والقضائية وتقويم عملهما إضافة إلى مهمته الأساسية في تشريع القوانين التي تعمل بموجبها كل السلطات بما فيها سلطة البرلمان نفسه فهو أيضا مقيد بصلاحيات دستورية محددة بينما تنصرف السلطة التنفيذية إلى انجاز مهام إدارة دوائر الحكومة في الداخل لتشمل كل نواحي الحياة الإدارية والاقتصادية والخدمية والإنتاجية والخارج بما يخدم المصلحة الوطنية ويتوقف مدى نجاحها كغيرها على تفهمها لدورها وآلية أدائها لواجباتها بينما تنصرف السلطة القضائية إلى الفصل في كل النزاعات والخلافات إبتداءا من إجرام الأفراد وخلافاتهم البسيطة إلى ما قد يحصل بين ذات السلطات الرسمية العليا في رأس هرم الحكومة وهي المرجع النهائي للجميع وقولها الفصل لما تتخصص به من دراسة في بنود الدستور وما تليه من تشريعات قانونية إضافية لذلك فان قراراتها غير قابلة للنقاش أو الرد إلا بحدود ضيقة جدا وفق آليات دستورية معقدة بعد تجاوزها لكثير من المراحل التي يجب أن تكون مدروسة ومن الصعب الطعن بها لأنها تمثل العدالة التي تسري على الجميع .
من بين الصور التي جسدت روعة التعاون بين السلطات الثلاث ما حصل هذه الأيام في محافظة نينوى العزيزة فالجميع جسد التزامه وتفهمه الواضح للصلاحيات التي اقرها الدستور بين حكمة رئاسة مجلس الوزراء والوزراء وتعاون البرلمان في اتخاذ القرارات الساندة المناسبة إضافة إلى إن القضاء مارس دوره الوطني في إصدار قرارات إلقاء القبض على المعنيين في الفساد هناك في محافظة نينوى مع ملاحظة إن المليارات قد ضاعت وكنا من البداية نستطيع أن نحفظها ولا نترك فرصة إلى هدرها فأصبح من الصعب إعادة جمعها على أن لا ننسى الحكمة التي تقول إن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
إذا كانت حادثة العبارة في دجلة الموصل وعمق المأساة التي خلفتها سبب في هذا التفاعل بين أصحاب القرار وأعضاء السلطات فان الشعب العراقي في كل محافظاته قد اثبت إن الفساد موجود في كل مكان وان سرقة وهدر المال العام يعم على الكثير في كل دوائر الحكومة وقد شخصهم بالتحدد مع الدليل بالأسماء والعناوين ومن هم الفاسدين من خلال تظاهراته شبه اليومية المستمرة والمطلوب من السيد عادل عبد المهدي بصفته رئيس مجلس الوزراء التعامل بنفس الطريقة مع الجميع فالفاسد والسارق ضعيف لأنه يعلم انه مجرم ومطلوب للعدالة وعلى القضاء بمساعدة الجميع أن يلقي القبض عليه قبل أن يتحين فرصة الهرب وعليهم أن لا يلتفتوا إلى انتمائهم الحزبي أو الطائفي والى من يقف وراءه وأي إجراء من هذا القبيل سيلقى دعم كل الشعب العراقي بدون استثناء مع إسناد عالمي واجزم قاطعا إن الشعب كل الشعب سيقف مع الحكومة ويضحي بدمه إذا تطلب الأمر ذلك وسيشكل سورا يحميها من أي إمكانية دفاعية أو مقاومة من الفاسد وممن يحميه .
من جانب آخر وعلى النقيض من هذا في مؤتمره الإعلامي الأسبوعي قبل فترة قصيرة أشار السيد عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء إلى موضوع غاية في الأهمية لكنه لم يأخذ مداه المطلوب لعلاجه وحدد خلل مهم ربط فيه بين تقصير سلطات التحقيق في وزارة الداخلية وعدالة القضاء العراقي فقد قال في هذا الموضوع أن كثير من الشخصيات تتدخل بشتى وسائل الضغط لصالح المجرم فيصبح بريئا والشاهد يصبح مجرم ولهذا الحديث دلالات كثيرة منها إن الحقائق يمكن أن يتم تزويرها وتؤكد إن كثير ممن في السجون أبرياء بحكم هذه المعادلة التي تحصل بحق الأبرياء البسطاء ولكنها لا تحصل لو كان المدعي والشاهد بمنصب كبير ويتمتع بحصانة الدستور كمنصب المدعي العام أو أن يكون من يحرك الدعوى عضو برلمان أو حتى رئيس الوزراء شخصيا كما حصل في موضوع محافظ نينوى السيد نوفل العاكوب والجهاز الإداري في المحافظة وإصدار مذكرات القبض من هيئة النزاهة وان ما طرحه السيد عادل عبد المهدي هو إشارة إلى تخلخل العدالة في بعض أجهزة التحقيق في الحكومة العراقية وان هنالك سلطات أكثر تأثيرا من عدالة القانون ونزاهة الأجهزة المعنية بتنفيذه يجب تحديدها وإبعادها وبنفس الوقت تشكيك في عدالة القضاء فيما لو أنيط إليه الأمر.
إذا كانت الحكومة العراقية تمتلك الأدلة الكافية لإدانة أي شخص وبهذه الحالة فهو مجرم بنظر القانون والحكومة والمجتمع فمن يستطيع حماية المجرم من اثر جريمته القانوني ومن يستطيع التلاعب بالقانون وتغير أثره لصالح المجرم إلا إذا كان يمتلك الصلاحيات الواسعة التي تفوق في قدراتها قدرة القانون فهل إن القانون فيه من المطاطية ما يسمح بتغير الحقائق إلى هذا الحد وإذا كان الدستور قد عين مسئول لحمايته فماذا يمكن أن نسمي تقاعسه عن أداء واجبه في ردع من يتطوع لحماية المجرم وقلب صفته الإجرامية إلى شاهد زور وبريء أيضا وكيف نسمح له بظلم البريء الذي تطوع للدفاع عن المجتمع وعن القانون حين حدد الجريمة وصاحبها.
إننا الآن وبتشخيص السيد رئيس مجلس الوزراء أمام حالة اجتماعية مرضية خطيرة إذا كنا نسعى لبناء مجتمع سليم خالي من الأمراض ونطمح إلى إقامة نظام وطني وفق أسس صحية يجب على الجميع الوقوف عندها وتناولها في الدراسة والتمحيص والعمل بنفس الأسلوب الذي تمت به معالجة حالة الفساد في نينوى وعلى الله الاعتماد ومنه التوفيق.
منطقة المرفقات