قد لاينتظر البعض حتى اعلان النتائج النيابية الرسمية ليطيح بالتهدئة الهشة التي فرضتها استراحة المقاتلين لإلتقاط أنفاسهم، فالمراجعة الهادئة للمشهد خلال الايام الماضية، وتدفق معلومات جديدة، قد تدفعان هذا البعض الى اتخاذ مواقف عاجلة اكثر حزما.
الطعن بشرعية الانتخابات ليس بالمغامرة السهلة او المرغوبة، اذ يمتد هذا، حتما، الى رفض مخرجاتها من حكومة ومؤسسات.. المشككون يدركون ذلك، لكن القبول بنتائج زائفة لن يوقف تداعيات المشهد، وهي قناعة اكثر واقعية ورسوخا والحاحا.
في اكثر من مناسبة، جدد السيد اياد علاوي زعيم التيار المدني واكبر مناهضي الطائفية السياسية، دعواته لان تجري الانتخابات في ظلال حكومة انتقالية لاتشارك فيها، ضمانا لنزاهتها وحياديتها. دعوات رئيس اول حكومة عراقية بعد اسقاط نظام صدام حسين تستند الى سلوكيات قضم السلطة وثقافة الاستئثار بها والتي طبعت ممارسات الاطراف الحكومية الحالية، مما يفرغ اية انتخابات في عهدتها من مضامينها ويكبح محاولات التغيير التي تقودها قوى المشروع المدني.
جرت الانتخابات النيابية الاخيرة في ظروف غاية في التعقيد والتصعيد السياسي والامني تحت اشراف حكومة السيد المالكي، والتي احكمت سيطرتها الكاملة على مفوضية الانتخابات قبل عدة اشهر بتعيين المقربين منها في ادق واخطر مفاصل هذه الهيئة.
على صعيد ذي صلة، قامت الحكومة بالتناغم مع هذه المفوضية واجزاء من القضاء المرتبط بها بالإبعاد الجائر لجميع المرشحين المعارضين لسوء الادارة الحكومية في حين استقتلت للإبقاء على رموز غارقة في الفساد والطائفية وضالعة في التحريض على العنف والكراهية.
ولإرباك العملية الانتخابية روجت المفوضية لماعرف ببطاقة الناخب الالكترونية والتي اتضح انها ليست سوى باب للتلاعب والتزوير والفساد، فقد تكشفت امكانية اعادة استخدامها من غير اصحابها، وبالتالي استخدام ملايين البطاقات لناخبين متوفين او ممن لم يتسلموها للتأثير في نتائج الانتخابات لصالح الحاكم، وعندما نبه السيد علاوي الى هذه الحقيقة اقرت المفوضية بتحفظها على مليونين ونصف المليون بطاقة منها، لكن بعد ان تم استخدامها واعادتها الى مخازن المفوضية.. هذه الحقيقة تدعمها التسريبات التي تروج لحصول المالكي وحده على مليون صوت في محاولة لشرعنة هذا التحايل.
ومع ان العراق يتربع على هرم الدول الاكثر فشلا وفسادا فان مفوضية الانتخابات تباهت بإجراء انتخابات اكثر نزاهة وشفافية من كثير من نظيراتها في الدول الديمقراطية العريقة مستدلة بنسبة المشاركة التي تجاوزت ال 62% من الناخبين المسجلين في الداخل، وهو مايتناقض مع نسبة 12% من المصوتين من ناخبي الخارج والمفترض ان تكون اكبر من او مقاربة لنظيرتها في الداخل بسبب الظروف الاكثر أمنا وعدالة هناك. ان الادعاء بهذه النسبة المرتفعة من المشاركة والتي تغافلت عن ظروف التهجير لمئات الالاف من المواطنين بسبب الاعمال الحربية والفيضانات وكذلك حرمان سكان العديد من المناطق من الوصول الى مراكز الاقتراع يهدف الى الافادة من هذه الاصوات واضافتها الى خانة المصوتين للحاكم زورا وصولا الى نتائج مختلفة.
ان النتائج المسربة لاتتوافق مع واقع الحراك الشعبي الكبير الذي قاد عملية التغيير، وهو ماينتهي الى ان الإقرار الرسمي لهذه النتيجة يدفع البلد الى مستوى جديد من المقاومة السلمية لجماهير التيار المدني وقواها الفاعلة لإفراغ الانتخابات الصورية من آثارها الفاسدة. طبعا، القوى الطائفية، وعلى جميع المحاور، ستسارع الى التسليم ب والبصم على تلك الشرعية الزائفة، لكن وقوف هذه القوى على ذات المحور في الماضي لم يفلح في ثني ارادة التغيير وهو ماقد يمنعها من تكرار نفس الخطأ لمرتين.
ان الانتهاكات الخطيرة التي شكلت حاضنة للبيئة الانتخابية تلقي بظلال ثقيلة على نزاهتها وسلامتها، واعتبارها باطلة ولاغية، وهو مايدعو الى اجراء انتخابات جديدة، لكن بإشراف كامل للجنة برلمانية من مختلف الكتل السياسية.